مبنى الإذاعة والتلفزيون في ماسبيرو هو مبنى جميل. كان فيما مضى علامة ورمزا يعرفه كل العرب من المحيط إلى الخليج قبل أن يتجمد ويشيخ ويحتاج إلى التجديد والتطوير الذي يتكلمون عنه هذه الأيام!.. هو مبنى تابع للحكومة للمصرية والشيء لزوم الشيء فهو تابع كذلك للفكر الجديد ومصر بتتقدم بينا ونشبع كلنا ومش عارفة إيه من الشعارات اللي احنا عارفينها. الإعلام مش وزارة، الإعلام فعل ومفاده أن واحدا يعرف حاجة ينقلها للناس بأمانة، لا يقول نصفها فقط ولا ربعها ولا يحورها ولا يفسدها ولا يحجبها ولا يفرغها من مضمونها. ولا أعلم كيف يمكن أن يحدث هذا إذا كان ناقل هذه المعلومة هو نفسه صاحب المعلومة التي تقيم عمله وأداءه؟!.
تطوير الإعلام يعني الإعلام الحر ولا يمكن أن يكون الإعلام حرا إذا انطبق عليه وصف الإعلام الحكومي. إن الإعلام الحكومي في كل مكان هو إعلام فاشل، ضيق الأفق، محدود الزاوية ولذلك فإن أي تطوير عندما لا يكون له صلة بحرية الفكر وسعة الأفق والحياد والموضوعية في غياب الهامش اللازم لأي إبداع إنساني، لهو مجرد إهدار للوقت وتضييع للمال.
أما ما نراه في تطوير الوزير للإعلام الحكومي فهو لا يتجاوز حدود الديكورات والأثاث والألوان والحوائط والأدوات ومن ضمن اللوازم بطبيعة الحال شوية مخرجين ألافرنكا ومذيعات صغيرات حلوات لا يلبسن مش عارفة إيه على الطريقة اللبنانية. والشيء لزوم الشيء أغلى الكوافيرات وأعظم خبراء الماكياج على طريقة البيوتي سنتر. والمبلغ المخصص لكل هذا هو منحة قدرها 357 مليون يورو بالتمام والكمال (يابلاش)! وفي ذات الوقت يعلن رئيس الوزراء في الصحف أنه غير قادر على صرف حوافز الأطباء بسبب الأزمة المالية العالمية. وكأننا نتكلم عن دولتين منفصلتين تختلف ظروف كل منهما تماما عن الأخرى، وهذا في حد ذاته مأساة.
التطوير معناه الإنسان جنبا إلى جنب مع المكان ولكن الكلفة مذهلة والخير كثير والحمد لله..والله وحده يعلم كيف يتم تقسيم هذه الكلفة؟!. أزعم أنه لا يزال هذا المبنى يضم بين جنباته كفاءات إعلامية نادرة في الإمكانيات وإن كانت نادرة أيضا في العدد. ولكنها على كل حال راحت ضحية الفساد والمحسوبية والرقابة والتضييق في الفكر والتقييد في الحركة ويغزلون عند اللزوم برجل حمار وكمان مش عاجب!! وأعرف منهم من رفض حتى أن يسافر لدولة عربية لأنه لا يريد مغادرة الإذاعة والتلفزيون مهما كان الثمن وبرغم الرواتب الهزلية وهؤلاء الآن من ضحايا التطوير إياه. إذ يريد هؤلاء استبدالهم بآخرين ممن سافروا أو عملوا في دول عربية أخرى من أبناء الإعلام المصري وطبيعي أن التطوير معناه إعادة تعيينهم بمرتبات كبيرة تاركين وراءهم أبناء البلد الذين لم يغادروه.. صحيح الدنيا ما بتديش محتاج.
هل اغتيال الكفاءات المصرية هو من ضرورات التطوير؟ وماذا نقرأ من مظاهر الفوضى هذه وغيرها كثير. ماذا نقرأ من هذا الظلم للبلد ومن فيها.. أنا شخصيا أعتقد أن العيب ليس في التطوير ولكن في المطورين.. إن هؤلاء المطورين في الأرض هم ذاتهم أكثر الناس احتياجا للتطوير وهم أول من يجب استبدالهم وإحلال غيرهم محلهم إذا أردنا التفكير، مجرد التفكير في التطوير.. بلاش نقول صباح الخير يا مصر.. خلينا نقول صباح التطوير يا معالي الوزير الخطير....
اقرأ أيضاً:
الغضب للحق/ وزير التطوير كل إنجازاته فيلم عن كوبري