من مذكرات المجنونة: ولاء الشملول
(يلااا بقى... خلصوا أكل بسرعة عشان تقوموا ترقصواااا!)
لم تكن هذه جملة قيلت في ملهي ليلي ولا ديسكوتك، ولا فرح ولا حتى حفلة رقص، بل قيلت لي ولصديقتي الفنانة التشكيلية (مهرة) في ساحة انتظار إستاد القاهرة بالأتوبيس التابع لوزارة الشباب "رقم 1" في الساعة الثانية بعد الظهر والذي كان يقل المشتركات في الماراثون الأول للسيدات في مصر الجمعة 27/4/2007!! والذي نظمته حركة سوزان مبارك الدولية من أجل السلام.
فانفجرت مع صديقتي في وصلة من الضحك المذهول من الجملة، فما علاقة الرقص بالحدث الرياضي الجديد من نوعه كأول ماراثون نسائي مصري؟
مشاركة مختلفة
يفسر الأمر أن جميع راكبات الأتوبيس شاركن في الماراثون بشكل مختلف تماماً! جميعهن قدمن وصلة رقص بلدي بضمير (! ) على أنغام الأغنية (الهادفة): أبو تريييكة.... أبو ترييييكة... تاتاتا تاتاتاتا. والأغنية (الراقية) للمطرب سعد الصغير: العنب... العنب... العنب.وبعض الأغاني الأخرى الخالدة التي تنتمي لنفس الذوق الغنائي الرفيع!
كله رقص إلا أنا و(مهرة) كل ما فعلناه هو الفرجة والضحك المستمر لمدة 5 دقائق تقريباً من الدهشة! ثم صدّرنا (الطرشة) لـ"فرقة الرقص البلدي" التي تحتل الأتوبيس متنكرة في (تي شيرت) الماراثون الأبيض!
اللذيذ أن مهرة -تحت الإرهاب الممارس علينا من راكبات الأتوبيس- عملت نفسها إنها بتقنعني: ما تقومي يا ولاء. وعيناها تقولان: أوعي!
بهدوء وبراءة الأطفال في عينيّ: أقوم أعمل إيه؟
ردت الفرقة الراقصة قبل (مهرة) بصوت يعلو الموسيقى الصاخبة : يلااا....قومي ارقصييييي...!
رديت بضحكة قصيرة فأنا لا أريد للفريق الراقص -الذي تراوحت أعماره ما بين 21 و 38 سنة- أن يعرف أنني صحفية (جاسوسة مندسة بينهن)، ثم قلت بجدية حقيقية: طيب ما عندكوش حاجة لعمر خيرت؟
كله سكت تماماً، وسمعت واحدة بهمس تسأل: مين دا؟ عمر إيه؟
مهرة نظرت لي مستنكرة أني استفز مشاعرهن بهذا السؤال! وأنا أضحك في مرح طفولي، ثم رميت بصري إلى خارج النافذة لأجد الحارة ما بين أتوبيسنا والآخر المجاور تحولت لحلبة منافسة للرقص بين فتاتين أحدهما محجبة! ولكنهما كانتا ترقصان على أغنية لتامر حسنى! اختلاف أذواق!
المهم أن سائق كل أتوبيس وشخص آخر يرافقه كانوا جالسين وحاضرين الرقص البلدي الذي ينافس "دينا" الراقصة في حفلة "رأس" السنة! وحتى ينافس روبي في أفظع كليباتها هي وعجلتها الشهيرة!
مش أهلاوية
وما جعلنا نلتحق بالأتوبيس (الراقص)... أنه من أول لحظات وصولنا للاستاد عند بوابة شارع الفنجري أما مسجد آل رشدان بمدينة نصر، وجدنا (اللخبطة) المصرية الشهيرة في التنظيم فبعد سؤالنا على كيفية الحصول على التي شيرت والكاب والأسورة البلاستيك للاستعداد للسباق، لم نحصل على إجابة مفيدة من أي من المنظمين، بل استظرف الأمن القاعد على البوابة قائلاً: يلا يا...... إديهم تي شيرتات عماد متعب وأبو تريكة! قلت في سري: إيه دا وإحنا جينا نادي الأهلي غلط ولا إيه؟ وبصوت عالي قلت في استهبال لا يخلو من الحدة: نعم؟! إحنا مش أهلاوية!! فعاد الرجل لرشده محترماً من جديد وأشار للبارك المجاور للحصول على المطلوب.
بالرقم القومي
وهناك وجدنا فتيات وسيدات لابسة كابات حمرا بتزعق جامد : لأأأأ... من غير الرقم القومي لأأأ... ماحدش هياخد حاجة إلا بالرقم القوميييي. قلت لمهرة ساخرة: يا ريتني كنت أعرف كنت حرقت دمهم وجيت بالباسبور "جواز السفر"!
وللعلم فإننا في استمارة التسجيل للمشاركة في الماراثون فعلياً سجلنا أرقامنا القومية وعناويننا وتليفوناتنا وشخص يُرجع له عند الحاجة أيضاً (تماماً كما يحدث في المدن الجامعية للبنات) وبند آخر لطيف اسمه: التاريخ الرياضي!
ولكننا في استسلام سجلنا أرقامنا القومية في ورقة صغيرة (حقيرة) تمسكها فتاة منهن دهنت خدها الأيسر بألوان علم مصر، بعدها سألناها: وبعدين؟ ردت ببرود دون النظر لنا: استنوا معايا!! زهقنا من الانتظار، مش معقول نقف في طوابير هنا كمان مش كفاية طابور العيش وطابور فاتورة التليفون، وطابور تجديد رخصة العربية "بالنسبة لمهرة أنا ما عنديش عربية"، وخابور... آسفة.. قصدي طابور ال....
المهم... بدون رغي... وعشان ما اطولش عليكم... ذهبنا لواحدة تانية يبدو أنها منظمة هي أيضاً والتي قادتنا للأتوبيس إياه وقالت: طيب خلاص ما تزعلوش هاديكم الحاجة أنا من عندي (بلهجة أنها اللي عاملاها على حسابها مش على حساب ماما سوزان)... إحنا وزارة الشباب بس ترجعوا التي شيرتات تاني..!! اوكي؟؟
مهرة برقت مدهوشة من العبارة، وهمست لي بسرعة: ولاء اتصرفي إيه اللي بيحصل دا؟ أومأت لها برأسي أي نعم، و(شطت) في فتاة وزارة الشباب بلهجة مرحة تحمل حدة خفيفة: لأ طبعاً... مش هنرجعهم.... هناخدهم... دا ماراثون.
ضحكتْ بعبط مصري جميل ولم ترد، وكان ما سبق.
الانطلاق
وبعد الرقص نزلنا لبداية السباق ودخلنا صفوف محافظة القاهرة، فمصر كلها بكل المحافظات ممثلة حتى المحافظات البعيدة عن القاهرة مثل سوهاج وشمال سيناء، وهنا بدأت حملات غنائية رااائعة لكل محافظة.
بنات محافظة الجيزة كانت تغني للأهلي بحماس شديد وهي تصفق بقوة وسعادة غامرة، وبنات السويس بتغني كلام سويسي لم أفهمه كله، وإحنا صفوف القاهرة لم نجد ما نقوله (فلأول مرة اكتشف أنه ليس هناك أي نشيد مميز لمحافظة القاهرة!) ولكن واحدة من صفوفنا اقترحت اقتراحاً معقولاً، فقلنا: أووووو ليييييي... أووووووو لييييييي... وكأننا في كأس العالم! وباءت محاولاتي أن اجعلهم يهتفوا (تحيا مصر) بالفشل!
إلى الأمام
استمرت الصفوف إلى الأمام ودخلنا من بوابة جانبية ثم وجدت أمامي صفوف محافظة ساحلية معاهم علم مصر ورقي، جريت عليهم وأخدت واحد وفضلت رفعاه بالظبط كأني في مظاهرة في ميدان التحرير! وغنيت فعلاً: مصر هي أمي! نيلها هو دمي! وبقية المشاركات من صفوف القاهرة مندهشة وكأنهن تقلن: إيه الهبل دا؟ مجنونة دي ولا إيه؟. وأنا ولا أنا هنا، شايلة العلم للنهاية، فلا تراجع ولا استسلام! وستكون أرض الاستاد منطقة محررة وحرة بإذن الله! وتقدمت ناحية مصور لقناة تليفزيونية أجنبية ملوحة بالعلم أمام الكاميرا وهو ينظر لي بقرف -طبعاً غير مقصود- فربما كان يتصور أن العلم خاص بدولة موزمبيق!
ثم أصبحنا في الثانية والنصف فسرنا أكثر للأمام لنصل لنقطة بداية الماراثون، حتى وصلنا لحواجز معدنية منعتنا من التقدم، وهكذا ظللنا متسمرين في الشمس ساعة ونصف وخمس دقائق، حتى بدأ السباق في الرابعة وخمس دقائق.
كفااااااااية... حراااااااااام
وبعد طول انتظار، وبعد ما سيحت الشمس أدمغة المشاركات بدأن يهتفن وأنا معهن: كفااااية!!! حراااام!!!! كفاااااية!!!! حراااااااااااام! كفااااية.. .كفااااية!!
حاولت أن اقنع نفسي أننا في ماراثون بإستاد القاهرة العريق (لست متأكدة إذا كان عريقاً أم لا، ولكنها كلمة متداولة وأنا أكررها مثل العامة)، وحاولت أن أقنع نفسي أننا لسنا في مظاهرة لحركة كفاية المعارضة، لكن الواقع يقول شيئاً آخراً.
وظل الحال على هذا المنوال بل إن فتاة بالصف الأول قالت بصوت مرتفع: بيقولوا مستنيين ماما سوزان تقص الشريط ! صوت تاني: والله إنتو ما عندكو دم! حد يحس بينا يا ناس..!! واحدة تالتة ردت عليها: آآآه والله العظيم ما بيحسوا!
مع نفسي
طبعا أحدكم يتساءل ماذا كنت أفعل في الساعة والنصف، ولأنني أستطيع أن أصنع من الخل شرباتاً!* كنت واقفة في الشمس (الجرئية) أغني مجموعة من أغنياتي الرومانسية المفضلة، لنجاة وحليم وليلى مراد، ومهرة هتتجن وتشد في شعرها مني، وهتفت بي: إنتي لسة بتغني؟ في إيييه؟.
قاطعتها بمقطع من أغنية أيظن لنجاة لمؤلفها نزار قباني: حمل الزهور إلى، كيف أرده؟ قاطعتني: زهور إيه في الحر دا؟! فقد كنا متلاحمين مع جميع المحافظات، وأنا أتحول لأغنية ليلى مراد الرائعة:
أنا قلبي دليلي قال لي هتحبي، أنا قلبي دليلي قال لي هتحبي، دايماً يحكي لي وبصدق قلبي....آآآآه...آآآه....آآآآآه...آآآآه. حبوبي معايا من قبل ما أشوفه.
ثم دخلت على أغنية قارئة الفنجان لنزار أيضاً وحليم: جلست.. جلست والخوف بعينيها تتأمل فنجاني المقلوب، قالت يا ولدي لا تحزن فالحب عليك هو المكتوب.
الرقابة هتشيل كلامي
كل هذا ونظرات اشمئزاز تتأملني وابتسامات من أخريات وضربات من مرفق بعض المتسابقات، ودفعات من أخريات، وتعليقات سخيفة لا داعي لذكرها هنا، فأخلاقي تمنعني من ذكرها! ودخلت من الأغاني على السينما (بسلي نفسي بدل ما أطق أموت).
أنا بانفعال لا مبرر له: تصدقي إن الأغنية دي كانت بداية ونهاية فيلم (في شقة مصر الجديدة) يا مهرة؟
مهرة باستغراب: أغنية إيه؟
أنا بلهجة مؤكدة وبدهشة أنها لا تعرف: أنا قلبي دليلي.
هي باستغراب: بتاع مين الفيلم دا؟
- يا بنتي إخراج محمد خان. دا أنا بفكر أدخله تاني كمان.
هي باستغراب أشد: - مع نفسك بقى يا ماما**.
تسخين
وكان الوقت يقترب من الرابعة (ساعة الصفر المنتظرة)، وبدأنا نستعد بالتسخين واحد اثنان، واحد اثنان، هوب هوب .
- ولاء أوعي تقعي... خلي بالك... هيبقى في إندفعات وزق وممكن إصابات احذري. قالتها صديقتي بتحذير شديد.
- استرخي بس وكله هيبقي كويس.نجري بالراحة ولا بسرعة الأول؟
كنا في رابع أو خامس صف فردت: دعي نفسك مع الflow [1]سيبي نفسك للي يحصل بس اضربي رجلك جامد في الأرض.
إفرااج
وبدأ العد التنازلي من 20 حتى 1، ثم أفرجوا عن القطيع المكون من 8 آلف أنثي ما بين 12 سنة وحتى الخمسينيات، وانطلقنااااا حتى خرجنا من الاستاد ليرحب بنا عدد معقول من ضباط الشرطة أصغرهم رتبة نقيب وحتى رتبة اللواء منتظراني، قصدي منتظرة السباق طبعاً.
وفضلنا نهرول شوية ونجري شوية ونمشي شوية.
أنا من إسرائيل
سمعت نقيب شرطة بيقول لرائد زميله ساخراً بصوت مسموع وهو يتأمل سيل التي شيرتات البيضاء المنطلق قبل المنصة بطريق النصر وقبل جامعة الأزهر بقليل: مافيش حد فيهم إسرائيلي؟
رديت عليه دون تفكير ضاحكة: أنااا! تنهد وكأنني أقول الحقيقة ورد ببعض الجدية: طيب يلا على بلدكم!! رديت بضحكة أخرى بلهاء سعيدة (مجنونة رسمي).
شاهدت بعدها سيدتين تتركان الطريق المخصص للماراثون وتوقفان تاكسي وتركبانه بسرعة ولهفة كي يكمل بهما السباق!!!
لوحت بيدي وصحت: دا اسمه غش دا...تركب تاكسي في سباق ماراثون؟ إزاااي؟؟ إزاي يعني؟ إيه المسخرة دي؟
حيث قُتل السادات
وصلنا بعدها للمنصة بطريق النصر حيث أُغتيل رئيسنا السابق السادات في 6 أكتوبر 1981، وقفت قدامها قائلة بصوت عالٍ لصديقتي: عارفة إيه اللي حصل هنا؟
ردت مبتسمة: تعالي نتصور عندها. التقطنا صوراً تذكارية مجنونة وأنا ألوح بعلامة النصر بسبابتي ووسطاي وجنود الحراسة كان يسلون وقتهم بالفرجة علينا بابتسامة مذهولة جائعة.
إمبلواظ!!!(1)
ثم عدنا للهرولة حتى مركز القاهرة الدولي للمؤتمرات وكنت وقتها بدأت أسجل لقطات صوتية لي على سبيل التذكار والهرتلة.
وضمن تعليقي قلت: هذا الماراثون من الواضح لكل شاهد عيان أنه ثلاثي الأبعاد، رباعي المحاور، يقع بين الخط الفاصل بين السيمترية والهارموني، وكله إمبلواظ.
انفجرت مهرة في الضحك قائلة: أنا ماليش في الهلس دا يا ولاء.
رديت بجدية: دا مش هلس يا بنتي... دا إمبلواظ. عارفة يعني إيه؟ ردت بضحكة ساخرة: لأ طبعا ما أعرفش، هعرف منين؟
إمبلواظ مش إمبرواظ
وقتها لقيت على يميني رجلين يراقبانا في اهتمام وأنا أسجل لنفسي الوصف التفصيلي للماراثون، فتعجبت لأن الماراثون نسائي فقط وهذان مدنيان ليسا من رجال الشرطة على ما يبدو الذين يمنعون أي رجل من غير المنظمين من الوقوف في خط السير المخصص للماراثون، فاقتربت منهما وبدون مقدمات على طريقة مفيد فوزي المستفزة وغير المحترفة مهنياً سألت أحدهما: تعرف يعني إيه إمبلواظ؟ رد قال: إيه إمبرواظ دي؟ بصوت أعلى وأكثر جدية: لأ إمبلواااظ مش إمبرواظ. رد بأسف حزين لفشله في الإجابة وبصوت منخفض: لأ الحقيقة ما أعرفش.
تدخل الآخر: إنتي بتصوري؟ أنا نفسي في علبة كشري!!!
تحولت له وأنا أصيح بصاحبتي: صوري يا مهرة، صوري. والرجل سعيد باهتمامي به وأضاف وقد ازداد سعادة وابتهاجاً: أصل أنا بحب الكشري أوي! ممكن أتغدا وأتعشى كشري! سألته باهتمام: طيب عادي ولا سوبر؟
- بحبه بالصلصة والدقة الكتير.
- من اللي بكام؟ بجنيه ولا اتنين جنيه؟
- والله لو في ب75 قرش مافيش مشاكل! هاهاهاهاها.
- طيب تاخد كيس بقى أحسن.
- مافيش مشاكل. شغال والله.هتجيبي؟
- لأ أنا بسألك بس.. وتفطر إيه؟ أجاب: لأ الفطار فول... الفطار يخلي الواحد (يزيط)!!. سألته باهتمام أكبر: بس؟ من غير طرشي؟
أجاب وهو يزداد سعادة لا أدرى سببها: آه يا ريت، وظبطي الليلة يعني.
- طيب ممكن أعرف اسمك؟
- ............(نعتذر عن ذكر اسمه احتراماً له) .
- وشغال إيه؟
- أمين شرطة.
- أمين شرطة؟؟ في قسم إيه؟
- مدينة نصر.
ولما لمح عدم تصديقي أخرج مسدسه الميري لي المثبت في حزامه خلف ظهره. فسألته بدهشة طفولية حمقاء: ودي معمرة ولا فاضية؟
بابتسامة مؤكدة أجاب: فيها 20 طلقة بس!
- وفيهم مظروف؟
- أكيد فيهم طبعاً!.
ضحكت هنا وأنا أنظر لصاحبتي وصحت بمرح مفاجئ: دا معاه 20 طلقة بمظروف يا مهرة، يلا بينا يا ماما، إجرىىىى.
وقلنا يا فكيك من أمامهما قبل أن أعلن عن هويتي، وعدنا للسباق، حتى اقتربنا من مجموعة سيدات وفتيات يرتدين قباعات أهل بور سعيد والصيادين هناك، وكن يزرغدن بحماس وبصوت عالي وبيصقفوا بسعادة وهن يغنين أغاني حديثة كثيراً ما أسمعها في المواصلات العامة ولكني لا أدري من يغنيها.
ثم دخلنا من بوابة الاستاد بشارع الفنجري من حيث بدأ السباق، ونحن نتجه لتراك الاستاد في الأمتار القليلة الباقية.
لحظة التتويج
ظللنا نهرول حتى مررنا من بوابة كان عسكري المرور الواقف أمامها ينظر لي بصرامة وعدوانية، فسجلت هذا على شريط التسجيل، وبعدها مباشرة، مررنا على ثلاث شباب من المنظمين كما بدا من التي شيرتات التي يرتدونها، ووقتها كانت صديقتي وأنا نتناول تمرات صغيرة لتعويض الطاقة المبذولة وكمية العرق نتيجة جري ما يقرب من 4 كيلو حتى وقتها، وهنا فوجئت بأحد الشباب يقول بصوت مسموع: إيه دا؟ جايين تجروا ولا تاكلوا؟
فألقيت ناحيته نواة التمرة التي انهيتها، قائلة بجدية وكرم: تاخد حتة؟
فتراجع للخلف مذعوراً وهتف: إيه دا؟ حد يرمي نعمة ربنا على الأرض؟
رديت ببرود وسخرية: دي النواية...ههههههههههههه... عشان تحرم تعاكس تاني.
ومضيت في طريقي مهرولة مع رفيقتي التي اندهشت لفعلي هذا.
دخلنا بعدها ممراً طويلاً انتهى بالنفق القبلي المؤدي للتراك... أخيراً وصلنا التراك، هييييه، التراك الذي أصبح لونه لبني بعد أن كان (روز)، بيسايروا الموضة أكيد مافيش شك!
وجدنا مباراة كرة قدم نسائية بدأت في الخامسة بين فريقي جولدي والطيران، والتي حضرتها السيدة قرينة الرئيس مبارك في المقصورة خلف الحاجز الزجاجي الواقي من الرصاص (كالمعتاد).
وحصلنا أمام المقصورة على ميدالية إنهاء السباق النحاسية التي تحمل اسم "مرأة ثون" - وهي كلمة ليس لها أي معني في أي لغة بالمناسبة - وحركة سوزان مبارك الدولية للمرأة من أجل السلام .
وصرخنا من الفرحة في هذه اللحظات التاريخية النادرة التي تعكس عمق الحضارة الفرعونية القديمة! وقدرة المرأة المصرية على تخطي الصعاب مهما بلغت شدتها!
كل سنة من دا
وهكذا تحول أول ماراثون في تاريخ المرأة المصرية صاحبة التاريخ المعروف والمشرف حتى في المجال الرياضي إلى مولد وصاحبه غايب... سيرك كبير باتساع إستاد القاهرة والشوارع المحيطة... سيرك لم تكن له "نصبة" ولا تحديد للألعاب التي تُمارس فيه، فكل واحدة كان نفسها في حاجة كانت بتعملها، اللي بتغني واللي بترقص، واللي بتسرح شعرها، واللي بتحط ماكياج، بمنتهى الحرية، فنحن نعيش في أقوى عصور الديموقراطية والحرية والشفافية والنزاهة!
وهكذا انتهى الماراثون على وعد من المنظمين أن يتحول إلى حدث سنوي ثابت في أجندة المجتمع المصري.
مسابقة كبيرة
بعد فشل الجميع في الإجابة على معنى كلمة إمبلواظ، نعلن عن مسابقة لمعرفة الحل، ومن يعرف الإجابة يتصل برقم 0900100100100 ، والجائزة 3 جنيه فورية .
إعلان
أحداث هذه القصة مسجلة ومتوافرة في الأسواق كفيلم صوتي تحت اسم "في الماراثون – للنساء فقط"، ويمكن الحصول عليها من الكاتبة، بسعر مخفض ورمزي بالنسبة لسعرها في السوق، وهذا عرض خاص لقراء مولوتوف فقط بشرط تقديم إثبات أنك من قراء السلسلة.
السعر الخاص (852.25 جنيه).
احجز نسختك قبل النفاد.
_____________________________________
* تعبير بلاغي حقيقي .
** دخلت المجنونة كاتبة هذا الكلام الفيلم مرة ثانية فعلاً في الأسبوع التالي للماراثون مباشرة وفي نفس السينما ونفس المقعد!
[1] ابحث عنها في القاموس بنفسك، ما تقرفناش يا قارئ ! واحنا لسة هنقولك أن معناها التدفق أو السيل؟
واقرأ أيضًا:
زى النهاردة.... سينما مختلفة / عن أي حب يتحدثون؟ / حينما توصلنا الفلسفة إلى العبث!