ماذا أفعل؟ أدعو إلى حرب لا تتوقف وأنا جالس على مكتبي فأخجل من نفسي فأصمت؟ أدعو إلى إعلان الهزيمة للبدء حالاً من حيث ينبغي؟ أجد القذائف تنطلق نحوي تتهمني من أول الجبن حتى الخيانة! رحت أستشير سيدنا "جوجل" -جزاه الله خيراً- عن هزيمة ألمانيا، وعن انتصار فيتنام، فأفادني بما أيّد موقفي. أصمت وأختلف مع محمد ابني في تفصيلةٍ كتبتها عن هذا الموقف الأخير، فيحضر لي مقالاً كتبه منذ سنوات، فأقتطف منه، ما تيسر، وأضع نقطا ً "...." مكان المحذوف، دون استئذانه، "فليسامحني".
(مقتطفات من مقال "رسالة إلى انتحاري" مجلة سطور": بقلم: محمد يحيى الرخاوي (عدد يونيو 2005)
".... نعم أنا مهزوم، وعاجز. مهزوم لأن العالم لم يعد ينتظر مني دوراً إلا الاستسلام ودفع ثمن تذاكر الوجود المستهلك معهم، وعاجز عن أن أبين له كيف أنني أحمل شيئاً مهماً جداً ومختلفاً، "...." : "... أنا المهزوم العاجز مستمر، أستمر مراهناً عليّ (أنا)، أستمر مراهناً على أن الله لم يخلقني لمحض الإهانة، باحثاً عن حكمة أوضاعه، مؤمناً بمطلق عدله،... ، يبدو أن ما جعلني أستمر في الحياة حتى هذه اللحظة هو هذه اللحظة، أنْ أستطيع أن أقولها لأخطو نحو ما بعدها، "..."... أنت أيضاً مهزوم، لن يمكنك إلا أن تبدأ من هذه النقطة، ليس لديك إلا هذا الميراث".
" ..." ليس معنى اعترافاتي (هذه) أنني أقبل أن أعيش مطأطئ الرأس أو أن هذا هو ما أطلبه منك، ولكن أيضاً لم يعد يجدي أن تفخر بالفراعنة ولا بالمسلمين الأوائل ولا بصلاح الدين (إلخ)...،
".... " ثـمَّ فخر مصحوب بيقين بأنني لا أعترف بهذا لصالح أحد إلا أنا، لصالح صدقي أنا، لصالح نضجي أنا.. "، " ... ثم هاجس يوشك أن يصبح يقيناً بأن الكل مهزوم، وبأنني صاحب أكبر فرصة متاحة –الآن- في إعلان هذا والبدء منه نحو شيء آخر أفضل من كل ما هو معروض عليّ. الشيء الأغرب، أنني أشعر -بهذا الاعتراف- أني أكثر حرية!.
"... لسبب (غبي).... ساد منطقٌ حسابي تنافسي تقاس فيه الحياة بالأرقام، أرقام لم يعد لنا قِبَل بها، ولا إلى أبد الآبدين. فلينتصروا فيها وبها، ولأختار لنفسي مساراً آخر، لا أعرفه، ولكننا يمكن أن نجده معاً".
".... أنا أيضاً مثلك، أريد أن أفخر وأن أنتشي بما هو أنا وبما أنتمي إليه..."، أنا أيضاً مثلك لا أطيق هذا العالم التنافسي الذي يفرض عليّ ألا أكون "أنا" لصالح غبائه... الاستهلاكي، "... أصبحت أشك دائماً في جدوى الحلول السهلة، الحلول السريعة" "... في كل مرة لم نقبل فيها الهزيمة لم نتعلم، ولم نتغير. أليس من حقنا أن ننهزم؟ " "... ماذا قدموا (لنا حتى الآن) إلا هزائم أسموها انتصارات أحياناً، ونكسات أحياناً أخرى، واستمراراً للنضال والصمود والتصدي في أحيان ثالثة؟ " "..." أنا لا أقول لك أن الحل في جلد الذات، إعلان الهزيمة ليس جلداً للذات، الهزيمة حق لا بد من استغلاله بشرف، الهزيمة واجب وإلا أصابتنا لعنة غرور الشيطان."
"لم يضاعف مهانتنا إلا إنكارنا للهزيمة، مع أنها كانت الفرصة لأن تمثل نقطة بداية، نقطة انطلاق أكثر واقعية. –"..."-: لا يمكن لأحد أن يبدأ تحرُّكه إلا من حيث هو، لا من حيث يحلم أن يكون، ولا من حيث يتصور أنه ينبغي أن يكون. هل يمكننا أن نعلن الهزيمة دون أن نكفر بأنفسنا؟ هل يمكننا أن نعلن الهزيمة ونتجرع آلامها حتى نشفى من داء الكذب؟ هل يمكننا أن نعلن الهزيمة ونأخذ الفرصة في التعلم منها ومنهم ونشكرهم عليها؟ هل يمكننا أن نعلن الهزيمة لنبدأ؟ هل يمكننا أن نعلن الهزيمة ونبتسم؟ لأن حرب التنافس الاستهلاكي ليست حربنا! هل يمكننا أن نعلن الهزيمة ونستمر؟ لأننا نعلم أننا لم نستدرج بعيداً عمّا هو نحن!
هل يمكننا أن نعلن الهزيمة ونفخر؟ لأنه ما زالت أمامنا الفرصة لأن نكون أكثر عدلاً وتقوى! هل يمكننا أن نعلن الهزيمة دون أن نكفر بالله؟"
انتهت المقتطفات من المقال.
وأكاد أرى ابتسامات غالبة تقول: ها هم الجبناء وقد اعترفوا: مهزوم من ظهر مهزوم"!! فأذكـّركم، من فضلكم، بمذكرتي التفسيرية تحدد شروط الهزيمة الشريفة كما وصلتني من "محمد" ثم أفادني بها سيدنا "جوجل" وهي: البدء فوراً بالإعداد للحرب القادمة بأدواتنا نحن، وشروطنا نحن، وتسريح الجيوش الرسمية، وتجييش الشعوب طوال الوقت، بعد خلع الحكام المسؤولين عن الهزيمة في تلك الجولة، خلعهم من وعينا ومما شوهوا به تاريخنا.
نشرت في الدستور بتاريخ 21-1-2009
اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: متواطئــون!!! / تعتعة سياسية: قبلات وأحضان، وسط الدماء والأحزان / تعتعة سياسية: دورية محفوظ بين ملحمة الحرافيش، وملحمة غزة