أعتقد أني لم أر مثل هذا الجمال من قبل.. تلك الأراضي الشاسعة والغابات الفارهة... إنها المرة الأولى التي تطأ فيها قدماي أرض الكابتن كوك.. تلك القارة التي يسمون سكانها الأصليين بالأبوريجينال وهم جماعة إثنية يعتقد أن أصولها أفروآسيوية مختلطة عاشت على تلك الأرض عشرات الآلاف من السنين وهم شبه عرايا يلونون أجسادهم وينفخون في آلات موسيقية خشبية تسمي الديدجي ريدو ويرسمون بألوان الأرض بطريقة التنقيط.. عندما صعدت بالطائرة فوق سيدني ونظرت إلى أسفل شاهدت صحراء لونها أحمر والأشجار والغابات كنقاط تشكيلية تماما كرسومهم..
اللقطة الأولى في مدينة سيدني: مبنى دار الأوبرا على شكل أمواج بيضاء ضخمة.. صناعة بشرية خالصة غاية في العبقرية، غزت الفراغ فسيطرت عليه وملأته فأضفت اللمسة البشرية سحرا إلى الطبيعة الساحرة من الأصل.. فالسحاب له مشهد خاص ومميز والإضاءة الربانية مذهلة فإذا بي أتخيل أني دخلت إلى كادر سينمائي غير قادرة على استيعاب تلك المنظومة الكونية البشرية المتناغمة.. أنت بالفعل أمام مبنى ضخم يسرك دون أن يكبس على أنفاسك كما هو الحال مع "بورتو السخنة" مثلا الذي يخفي الجبل الشاهق في مائه ويشوه المكان... مصر التي في خاطري..
اللقطة الثانية: الجبل الأزرق والأخوات الثلاث.. يحكى أن ثلاثة أخوات تهن في الغابة الواسعة كثيفة الأشجار بين الجبال والوديان وظل أهلهم يبحثون عنهم دون جدوى.. ولكن هؤلاء الفتيات الجميلات تحولن إلى معبودات في صورة ثلاثة جبال صخرية شاهقة وسط غابة خضراء شاسعة.. لا تسعني الكلمات لوصف سحرها الأخاذ الذي ربما فسر لي لماذا عبد السكان الأستراليون الأصليون الطبيعة..
نمشي في الشوارع فلا نجد ورقة واحدة ملقاة في الطريق.. ولو لمحت ورقة على الأرض أصابك الغثيان وشعرت بالأسى لأن ذلك الجمال لا يستحق أن يشوهه أحد... متى تصبح القاهرة نظيفة؟ متى تطبق الغرامات على من يلقي القمامة في الطريق.. وأنا هنا في تلك البلاد البعيدة أنظر إلى الفكرة فلا أراها مستحيلة "أن تصبح القاهرة نظيفة".. ولكن يبدو أن من يديرون أمر بلادنا يريدوننا بهذا السوء فنرضى بهم وهم على هذه الدرجة من الفشل المزمن..
الزي الرسمي للأستراليين هو الزنوبة والبرمودة أي الشورت الطويل، أينما ذهبت ومهما كانت درجة البرودة لابد أن ترى أحد هؤلاء المنتعلين الشبشب أبو إصبع.. ليست تلك هي ملاحظتي الوحيدة على الأستراليين ولكني أضيف أنهم اصحاب نكتة وخفيفو الظل إلى حد كبير كما هم خفيفو الملابس..ولكن ما هو أشد غرابة في هذا الخليط البشري الأقرب إلى الريفيين هو تقسيم بيوتهم.. فعلى مدخل البيت وعلى قارعة الطريق توجد غرفة النوم الرئيسية التي يقطنها الزوج والزوجة عادة.. وسألت كثيرا لماذا لا يوفرون الخصوصية للعلاقة الزوجبة وتصورت نفسي لو عشت في مكان كهذا كيف علي أن أفتح شباك غرفتي في الصباح لأطل على المارة "وهم في الحقيقة نادرون" فجاءت بعض الإجابات بأن لا أحد هنا يهتم بما يفعله الآخرون وأن الناس قد يغيرون ملابسهم في الشارع كما حصلت على إجابة أخرى مضمونها أن وجود رب المنزل على المدخل إنما هو لتأمين الحماية للصغار.. إجابات لم تفك حيرتي من وجود غرفة النوم على قارعة الطريق..
هي إذن تقاليد استرالي، ولكني أريدها مصرية وعلى طريقتنا، النظافة واحترام حقوق الآخر.. أتمنى!
اقرأ أيضاً:
ماذا لو كان رئيس الجمهورية مسيحيا؟/ سألوني:مصر وحشتك؟