هل هناك وجه شبه بين المرحوم مايكل جاكسون، وبين الرئيس الجليل باراك أوباما؟ كلاهما نجم، وكلاهما أمريكي، وكلاهما أسود (يعني). ظهر نجم أوباما منذ شهور، ولمع عندنا منذ أيام، ومات مايكل جاكسون أول أمس، فقفزت إليّ صورة دوريان جراي (أوسكار وايلد)، فما الحكاية؟ لكن دعونا نبدأ من البداية:
كنت أنوي أن أعود للكتابة عن أوباما بعد أن شاهدت فيلم "أوباما: الخدعة"، وهو فيلم وثائقي رائع، شديد الأمانة، بالغ المصداقية، أخرجه المخرج والمذيع الناشط السياسي "جونز أليكس"، إنتاج مستقل، سنة 2009 في محاولة إفاقة العالم من خدعة تغيير الشكل لصالح خدمة نفس الموضوع.
الخطر ليس فقط في استمرار نفس سياسة أمريكا الإمبراطورية الاستغلالية الاستعمارية تحت عنوان النظام العالمي الجديد، الذي هو أشرس وأخبث من النظام الاستعماري الإمبراطوري القديم، وإنما الأخطر هو تصوير منظومة القيم المعروضة على البشر المعاصرين بأسماء براقة (الحرية كما يصنفوها، حقوق الإنسان المكتوبة بمعرفتهم... إلخ) باعتبارها التطور الطبيعي لصالح البشرية، مع أنه قد يثبت أنها تخدم العكس تماماً. لو صح ذلك، فهي خدعة أكبر لا تهدد ناس العالم دون أمريكا وحلفائها فحسب، وإنما، هي تهدد الجنس البشري بالانقراض الكامل، وليس فقط بالدمار الشامل القابل لإعادة الإعمار مهما كان.
تساءلت كثيراً، وكتبت مراراً، عن: ماذا يفيد هذه الشركات التي تحكم العالم من القضاء على البشرية هكذا؟ هذه الشركات تعيّن رؤساء الدول سراً وعلانية، بالديمقراطية الملعوبة وبالثورات الشوارعية الملونة، ثم إنها تلمّعهم وتحفـّظهم أدوارهم قبل وبعد أن يعتلوا العرش، حتى إذا أساء أحدهم أداء دوره، أو ثبت لهم أنهم أساؤوا اختياره -مثلما حدث في غلطة دبليو بوش- فإنهم سرعان ما يصححون أخطاءهم بممثل أقدر، وقد يغيرون المخرج، لكن يظل الهدف هو الهدف.
التساؤل الساذج الذي يلاحقني يقول: أي مكسب سيكسبه أصحاب أو مدراء هذه الشركات شخصياً إذا انقرض الإنسان ضمن 99.9 % من الأحياء الذين انقرضوا عبر التاريخ؟ هل هم يتصورون أنهم سيبقون دوننا جنساً آخر؟ لم أنجح أبداً في تقمص هذه القوى التحتية التي تحكم العالم، وفرحت بذلك لكنني ازددت حيرة وجهلاً، ثم ازددت غضباً وألماً، يبدو أنني أحب هذا النوع الشهير باسم "الإنسان" حباً جمّاً، وبالتالي أنا أستخسره في الانقراض، هو لا يستحق، يكفي الدم الخفيف لبعض أفراده مثل شارلي شابلن، أوكليفتون ويب أو هالة فاخر أو نجيب الريحاني، تكفي المصداقية التي أخرَجَ بها جونز أليكس أو مايكل مور أفلامهما! تكفي حلاوة لقاء أربعة أعين لاثنين من البشر فيتحاوران دون إشارة أو لفظ واحد.. كيف نسمح بانقراض هذا النوع الفائق الجودة (البشر) لمجرد أن فئة غبية انفصلت عنه وراحت تمارس غرائز بدائية تحطيمية أدنى من غرائز النمل البقائية أو حتى الصراصير- تذكرة: النملة والصرصور الحاليين هما من ضمن الواحد في الألف الذين نجحوا في الاستمرار جنباً إلى جنب مع الكائن البشري-، أعتقد أن أي صرصور وحيد هو حريص على بقاء نوعه، وليس فقط ذاته، أكثر من حرص هؤلاء الناس الحكام التحتيين الحقيقيين على بقاء حياتهم وحياتنا واستمرار نوعنا.
كنت أنوي أن أوجز فيلم أوباما في هذه التعتعة الحالية، لكن موت جاكسون جعلني أؤجل ذلك لصالح هذا الاستطراد، ثم إنني اكتشفت أنني سبق أن أوجزت ما جاء في الفيلم في تعتعة سابقة بتاريخ 7 مارس، بعنوان "لكن دس السم في نبض الكلام، قتلٌ جبان"، قلت في آخرها: "... إن علينا أن نحذر تماماً، وأكيداً، ودائماً، من نسيان القواعد التحتية التي تحكم العالم فعلاً، سواء على رأسه بوش أم تاتشر أم ميركل أم أوباما،" لم تمض أسابيع حتى تحقق حدسي هذا في جامعة القاهرة، برغم أنني تركت لحسن النية مساحة محدودة في تعقيبي على خطابه في تعتعة لاحقة (بتاريخ:10/6)، وقد أنهيتها بقولي: "إن من السهل علينا وعلى أي أحد أن يكره ذاك الدبليو بوش ويحذره، أما أنت (يا أوباما)، فإذا استعملوك، حتى من وراء ظهرك، فسوف تكون أخبث وأخطر"، ثم رجح لي من هذا الفيلم الرائع، أنهم لا يستعملونه من وراء ظهره، بل هو مشارك أساسي في اللعبة، حتى لينطبق عليه ما جاء في شعري "الحلمنتيشي" في تعتعة أسبق حين قلت: "صلّ الجمعة بينا إمامَا... وارقص في سيرك الإعلامَا"، يبدو أن الطبخة كانت متقنة حتى اختفى السم فيها أخبث دهاء، وألذ مذاقاً.
أما علاقة كل هذا بمايكل جاكسون وموته، و صورة دوريان جراي، فهو ما سوف نعود إليه في الأسبوع القادم.
نشرت في الدستور بتاريخ 1-7-2009
ويتبع >>>>>>: جاكسون: الجسدُ المبدِع، والألم الراقص!! (2من3)
اقرأ أيضا:
تعتعة: لؤلؤة غامضة وسط كومة قش مشبوهة!! / تعتعة: المأزق الانتحاري، وأن تولد من جديد! / اختزالٌ لا يليق برمضان وصومه!