أرسلت أم جهاد (44 سنة، موظفة، مصر) تقول:
ماذا تفعل لو كنت مكاني?!!
الجميع يهتم بحالة المريض النفسي ولا أحد يفكر في حالة الزوجة أو الأبناء الذين يخالطون هذا المريض أو تأثير هذا المرض عليهم فزوجي المريض العنيد الذي لا يريد أخذ الدواء أو العلاج السليم يضغط علينا جميعا لدرجة أن ابني الصغير أصيب بتلعثم في الكلام والآخرون يريدون ترك المنزل حتى أنا أتمنى الموت لأتخلص من حياتي.
14/7/2009
الأخت الفاضلة أم جهاد أهلا وسهلا بك على مجانين... عندك كل الحق أن هناك تقصيرا بل إغفالا لما يجب أن يقدم من الرعاية النفسية الاجتماعية لأفراد أسرة المريض النفسي وهذا التقصير أسبابه كثيرة ومتداخلة ومتشعبة، من أهمها الوصمة الاجتماعية التي يتعرض لها المريض النفسي وأسرته وبالتالي أصبحنا كأسر وعائلات –إلا في أضيق الحدود- نواجه ابتلاءات مرضانا النفسية وحدنا ودون كلام ربما مع أحد من خارج أفراد الأسرة، ودائما لا يحدث هذا إلا بعد فترة من النكران وعدم التصديق ومحاولة احتواء أعراض الاضطراب النفسي داخل النسق الاجتماعي للسلوك...... وحين تصل الأمور ذروتها ويصبح لابد من اللجوء للطبيب النفساني غالبا تتحرك الأسرة وحدها إلا في حالات الهياج التي أحيانا ما تجد الجيران أو أصدقاء العمل مرافقين لذويهم.
المفترض أن المرض النفسي هو أحد أنواع الأمراض وللمجتمع البشري دور في التعامل مع مرض أحد أفراده، لكن هذا الدور لا يقوم به أحد في حالة المرض النفسي.... ولكي يتضح لك ما أقصده أضرب لك مثلا بأسرة أصيب أحد أفرادها بنزلة معوية أو بمرض في الصدر أو القلب أو حتى السرطان أو غيره من الأمراض الجسدية، ماذا سيحدث؟ سيقصد الطبيب وحيدا أو ومعه أحد من أهله وسيبلغ زملاءه في العمل بأنه مريض وسيلازم الفراش بأمر الطبيب أسبوعا أو أكثر وسوف يأتي أفراد العائلة لزيارته وكذلك بعض أو كل أصحابه في العمل وربما بعض الجيران،... ولن يكون حرج من أن يشتري من الصيدلية المجاورة لمنزله كل العقاقير العلاجية التي يكتبها الطبيب على وصفة فيها اسم المريض.... هذا مستحيل في حالة مرض الاكتئاب أو الوسواس أو القلق أو الرهاب أو أيا من الأمراض النفسية لماذا؟ لأن كل ما سبق إذا تم فسيتم في سرية كاملة خشية الفضيحة، إذن فالمجتمع لن يكون داعما ليس فقط لأنه لم يعرف أحد، وإنما أيضًا لأن معرفة الجهلاء في مجتمعاتنا وهم الأغلبية الساحقة سيكون أثرها سلبيا بحق ولدرجة تجعلني –رغم كوني طبيب نفساني يحارب الوصمة بكل قوته- لا أسمح لمرضاي بتعريض أنفسهم لذلك فإذا قال لي أحدهم أو قالت لي إحداهن بأنها تصرح باضطرابها النفسي وعلاجها المعرفي السلوكي ولا تبالي أنصحها صادقا بألا تفعل! ....
إذن أحد أهم أسباب وحدتكم في معاناتكم مع مرض أحد أفراد أسرتكم هو كونكم تخافون وصمة المرض النفسي، ولكن هذا ليس كل الأسباب فهناك أيضًا قصور من جهة الأطباء النفسانيين ومعاونيهم فالطبيب عادة لا يضيع وقتا في مثل هذا وإذا وجد أن التعايش مع بعض الأعراض سيكون صعبا داخل نطاق العائلة فما أسهل أن ينصح بإيداع المريض مؤقتا في إحدى المستشفيات ويكون كأنما أخلى مسئوليته بذلك!.... وحقيقة الأمر أن أطباءنا النفسانيين العاملين في المستشفيات الحكومية في معظم الأحوال معذورون بسبب أنهم يعملون كل منهم وحده وليس ضمن فريق علاجي وليست هذه أصول العمل العلاجي المناسب للمرضى النفسانيين.... حيث يتعاون كل من الطبيب النفساني والأخصائي النفساني في مناجزة مشكلات المريض المباشرة العلاقة بحالته ويتعاون الأخصائي النفساني والأخصائي الاجتماعي وربما المعالج الأسري في حل مشكلات المريض ذات العلاقة بكيانه وتفاعلاته داخل الأسرة... هذا الجانب الأخير مفتقد وهو أهم كثيرا.... كثيرا مما نتصور بدءًا من كونه قيام بدورنا النفسي الاجتماعي كفريق متخصصين في الصحة النفسية الاجتماعية في نشر الوعي وتعليم الناس ودعمهم مرورا بحماية المرضى من المضي في طريق الخرافات وأساليب العلاج غير المدروسة بطرق رصينة ووصولاً إلى الارتقاء بالمريض والأسرة إلى أفراد قادرين على الاستمتاع بالسواء النفسي والقدرة على مجابهة الكروب المستقبلية مع إحسان استعمال أساليب منع الانتكاس!! كل هذا يمكن تحققه إذا عملنا كفريق
يضاف كذلك غياب وظيفة الاختصاصي الاجتماعي والمعالج الأسري أو الديني حسب الحاجة وكل منهم يمكن أن يكون معينا للأسرة في كيفية التعامل مع المريض النفسي الذي لم تتحسن أعراض اضطرابه سواء لأنه لم يتناول العقاقير لمدة كافية أو لأنه يرفض تناولها.
وأنا أرى الأمور متأزمة جدا لديكم فابنك اضطرب وأنت والعياذ بالله تتمنين الموت وهذا ما لا يصح السكوت عليه خاصة وأنتم تعيشون في مناخ مصر 2009 وهو مناخ مفجر للعنف مع شديد وبالغ الأسف.. ومعنى ذلك أن عليكم الاستعانة بمن يقنع الزوج أو يجبره حتى بداية على تناول العقاقير وهذا لا يحتمل انتظارا...... وهذا هو ردي على سؤالك: ماذا تفعل لو كنت مكاني؟
إذن معك كل الحق والله وأتفق معك تمام الاتفاق في أن أفراد أسر المرضى النفسانيين هم ضحايا يتم تجاهلهم، وأتمنى أن تكون بعض المستشفيات الخاصة في أي مكان من العالم العربي تستخدم العلاج المتكامل بالشكل الذي أصف فتهتم بأفراد الأسرة ولا تتجاهلهم.....
من جانبنا في مجانين بدأنا نحاول تقديم بعض الدعم المعرفي السلوكي إليكترونيا بل وخصصنا تصنيفا من تصنيفات استشارات مجانين هو تصنيف نفسي عائلي: أسر المرضى النفسيين Patient Families حيث نحاول المساعدة قدر إمكاننا... ونسأل الله أن يصبح كل الأطباء النفسانيين يوما قادرين ومقتنعين على العمل ضمن فريق بحق وحقيق فهذا يصب في راحة المريض وأهله بلا شك..... شكرا... شكرا يا أم جهاد.
واقرأ أيضًا:
اقتراحات... وردود / ماذا جرى يا ترى؟! اليوم بجنيه! مشاركة