حسب الثقافة، السعادة إحساس بالراحة والهناء، وذلك عندما يحدث حدث سعيد لنا كزواج أو ولادة مولود، أو الحصول على عمل أو ترقية في العمل، بناء منزل أو شراء سيارة.. إلخ.
ترتبط السعادة إذن بأحداث خارجية عنا، فماذا يحدث إذا توالت علينا أحداث غير سعيدة؟ سيختفي الإحساس بالسعادة وراء كثافة الأحداث التعيسة.
بعد مدة معينة، ستختفي الإحساسات التعيسة، لكن ليس الحال دائماً كذلك، لأنه تتولد لدينا تخوفات كآلية حماية ضد أحداث مستقبلية محتملة؛ محدثين أنفسنا بأحاديث من قبيل: "لم أعد قادرة على الارتباط بشخص قصد الزواج مخافة ألم الطلاق من جديد!" أو "سأفشل في عملي لا محالة كما في العمل الأول.."
عندما تتخفى السعادة بين خفايا أحداث تعيسة، تصبح غير قابلة لإدراكها. وفيما بعض الناس يتخلصون من شقاءهم، آخرون يبقون محاصرين فيه لمدة سنوات!.
ما يُعتبر حدثاً تعيساً لأحد ما ليس بالضرورة تعيساً لآخر. ضياع بعض المال قد يكون تجربة أليمة بالنسبة لفرد متواضع الدخل، وهو غير ذي بال لفرد آخر واسع الثراء.
الهناء والراحة البدنية، العاطفية، الذهنية والروحية لشخص ما تعتمد على تصوراته، والتصورات بدورها تعتمد على المعتقدات.
المعتقد هو أساس الحياة. الفرد نتاج معتقداته، بل تعتمد درجة سعادته وشقائه على معتقداته.. ولو غير الفرد معتقداته فقد يلج عالم السعادة.
كلما كان الفرد سعيداً داخلياً كلما قلّ استشعاره للأحداث التعيسة، ولو وقعت أحداث تعيسة فستكون له القوة لاجتيازها بهدوء وشجاعة.
الأشخاص الذين لديهم تقدير ذاتي ضعيف تجاه أنفسهم هم أكثر نزوعاً للتعاسة من أولئك الذين لديهم تقدير ذاتي قوي تجاه أنفسهم. فمشكل بسيط في نظر شخص شديد التقدير الذاتي يتضخم لدى شخص ضعيف التقدير ويصير جبلاً شاهقاً لا يمكن اجتيازه، بل ويكون فرصة سانحة للأول لتحقيق إنجازات ما.
فقد شادي عمله وسقط في حالة انهيار منذ سنة. سعيد، صديقه الحميم، فقد أيضاً عمله وأسس مقاولته الخاصة. تصورك لما يحدث لك يخضع لمعتقداتك، ترى ماذا يعتقد الناس حول سعادتهم الخاصة؟ من الذي يصنعها؟ الآخرون أم الناس بأنفسهم؟.
هناك من يعتقد أنه مع كل هذه الآلام التي يعيشها العالم، السعادة ليست إلا وهماً. آخرون يدعون إلى اقتسام هذه الآلام مع الناس لفهمها وأداء الواجب الإنساني تجاههم، وبالتالي لا مكان للسعادة على هذه الأرض. هل هذا صحيح؟
الشيء الأقرب إلى الصواب، أن نقول أن السعادة حق للجميع منذ الولادة، وأنه بإحساس السعادة ستشيع في حياة الآخرين أيضاً، وهكذا يتم اقتسامها معهم جميعاً.
عندما نتجول في المدينة، أي الوجوه تلاحظ أكثر ويعلق في ذهنك إلى آخر اليوم؟ الوجه البارد المتجهم أم الوجه الدافئ المبتسم البشوش؟
لنتذكر حديث الرّسول العظيم "تبسمك في وجه أخيك صدقة".
هل كونك سعيداً سينزع شيئاً من سعادة الآخرين؟ هل كونك سعيداً سيولد المعاناة في العالم؟ أم على العكس غياب السعادة هو الذي يولّد وينتج المعاناة.
يقال أيضاً أن السعادة وليدة وثمرة السعادة. مجرد فكرة سعيدة تبتدئ بها في الصباح قد تضيء اليوم كله عليك وعلى من تعاشرهم. في كتابه الذي حقق أفضل المبيعات "حياتك... انعكاس لاعتقاداتك" يقول ريتشارد تيبودو "أخصائي نفساني كندي" كل سعادة تمنحها هي سعادة إضافية لهذا العالم، وكل نزاع تحله في ذاتك هو نزاع ينقص من هذا العالم. وبالتالي، إذا أردت أن تساهم في السلام في العالم صر أكثر سعادة وحل نزاعاتك الداخلية؛ لأنه ليس بمشاركة المعاناة والآلام سيتم تغيير العالم، ولكن بتعويض هذه بسعادة داخلية. وضع حد للشقاء والتعاسة يمكن أن يقع عبر جلب السعادة لحياة الناس والأفضل أيضاً مساعدتهم في إيجادها داخل أنفسهم ذاتها.
صحيح أن هناك كثير من الحالات غير السعيدة في العالم، غير أن السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو: "هل يمكننا فعل شيء لتحسين الأوضاع؟".
بعبارة أخرى هل يمكن لنا تحويل صحراء قاحلة إلى جنة خضراء؟
وفق هذا المنظور قد يمتلك الشقاء بذور السعادة؛ إذا رأيت أن هناك ما هو في حاجة لأن يُنجز، فأنت الشخص المناسب لذلك، ضع لائحة بكل ما لا يمشي جيداً أو يشتغل جيداً، واطرح السؤال التالي:"ما يمكنني فعله لتحسين الأوضاع؟"
مثلاً بعض سائقي السيارات تنقصهم اللباقة والأدب، لأعطي المثال وأكون أنا لبقاً مع الآخرين.
المصائب تحدث لأغلبية الناس ولا يمكن محوها بجرة قلم، إلا أنه يمكننا تغيير نظرتنا وتصورنا لما نعيشه أو عشناه. يقال أن ما يعيشه الناس من معاناة يصبح حكياً وفكاهة. ليُطرح السؤال: "لماذا لا أعيش الحالة ذاتها في هذه اللحظة؟".
سيعترض البعض ويقول أن الأمر سيتطلب الكثير من الوقت للشفاء من الجراح. هل هذا صحيح أم أن الأمر ليس إلا اعتقاداً قديماً. هناك كثير من الناس الذين يقدرون المعاناة كأفضل طريق نحو الروحانية. لنتذكر فضائل الصبر في ديننا وجزاء الصبر والفرج واليسر بعد العسر التي تزخر بها أدبيات ديننا الحنيف.
هناك الرأي الشعبي القائل بأن السعادة تُدرك بشيء خارج عن ذواتنا. والإشهار انتهز الفرصة مطبقاً هذا المفهوم للترويج لمواد تصنع السعادة؛ فبعض المعطرات لها القدرة على جعل الشباب جد مثيرين وجذابين، وبعض المشروبات ستمنحك النشاط الدائم والحيوية.. ناهيك عن الأدوية والمخدرات.. تصبح السعادة مرتبطة بشدة باستهلاك المواد وفي بعض الحالات إدماناً قوياً بين مادة وما تزود به كالسعادة، المتعة، الثقة في الذات.. إلخ.
وتبين بعض الأبحاث العلمية أن بعض المواد المخدرة تنشط إفراز هرمونات داخل الجسم مرتبطة بالمتعة. وما يبحث عنه المدمنون من استهلاكهم للمخدرات أساساً لحظات قصيرة من السعادة، غير أن ثمن هذه اللحظات باهظ جداً.
من هؤلاء الناس الذين تشع وجوههم بالسعادة؟ في غالب الأحيان يتعلق الأمر بأناس سعادتهم داخلية، نابعة من ذواتهم.. ليسأل كل واحد نفسه عن السعادة هل هي متوقفة على ما يريده من العالم المحيط به أم أن سعادته نهر هادئ يجري في حياته؟
إذا كانت سعادة الفرد تعتمد على المكتسبات المادية أو أيضاً على تجلّي الروح التوأم -النصف الآخر- في حياته، فكيف سيشعر إذا لم يحصل على ما يريد؟
هناك من الناس الأشقياء جداً إلى حد لا وجود للحظات سعادة في حياتهم.
إذا أراد الفرد أن يكون سعيداً في المستقبل، فليكنه أولاً في الحاضر عبر إدراكه أن السعادة بداخله، هذا إن لم يكن ذلك ممكناً في اللحظة الراهنة.
لن تجعل الخيرات المادية أو المرأة الجميلة الفرد سعيداً، على العكس، إنها السعادة التي تمَكّن المرء من الحصول على ما يريد ولقاء الروح التوأم.
لا تنبني السعادة بالشقاء. تنبني السعادة باللحظات السعيدة المتراكمة، كتلك الشجرة الكبيرة التي لم تكن يوماً ما إلا بذرة صغيرة. إذن كيف نعيش لحظات سعيدة يومية؟
عبر التركيز كل يوم حول ما يمشي جيداً في حياتنا وحياة الآخرين؛ أن نضع نصب أعيننا أن السعادة هي التي تغذي السعادة، وليست التعاسة والمعاناة والآلام. هذه الأخيرة توجد حقيقة فعلاً، لكن مهمتنا تتمثل في صراعها وتعويضها برشات السعادة. رحلة الحياة لن تكون ممتعة إلا بتبني السعادة.
"لقد قررت أن أكون سعيداً لأن ذلك مفيد لصحتي" هكذا كان يرى فولتير.
إذا شعرت أنك لست سعيداً بالقدر الذي ترغب فيه، إسأل اعتقاداتك، ربما قد انتهت مدة صلاحيتها ووجب تجديدها. وفيما يخص القول: مصائب قوم عند قوم فوائد، نقول أن مصائب الآخرين هي فرصة لنا لنساعدهم كي يحيوا حياة أفضل. علينا نشر السعادة حولنا، كل بطريقته!.
لنتذكر أن أفضل طريقة لمساعدة إنسان تعيس هي ألا تكون مثله!.
واقرأ أيضاً:
السياسة ترى على الوجوه / الكوميديا في رمضان: لماذا هذه الهزالة؟