قصة قصيرة: أوباما
-1-
الحكاية أن سائق السيارة الأجرة، كان قد أغفى إلا قليلاً، فانحرفت السيارة إلا قليلاً، فمـّد الراكب الأمامي يده إلى عجلة القيادة في نفس الثانية، فانحرفت السيارة في الاتجاه الآخر، بنفس سرعة المفاجأة.
صاحت المرأة الغريبة في المقعد الخلفي، وبكى الطفلان. رفض السائق الاعتراف أنه أغفى، ورفض الراكب الأمامي الاعتراف بأنه تدخل هلعاً لا حكمة، وأضاف السائق أنه: حتى لو نام، فهي مسؤوليته. فانتفض الراكب متسائلاً أنه: وبماذا ستنفعه مسؤوليته هذه، بعد أن يتوفاه الله؟
تدخلت المرأة، أنه لا داعي لهذه السيرة وأن الله قـدّر ولطف، وصلّى السائق على رسول الله -عليه الصلاة والسلام– وفشل أن يتذكر شيئاً مُهِمًّا استعصى عليه، على الرغم من الصلاة على النبي.
-2-
وكان راجلٌ يقف على الرصيف قرب الإشارة، وهو يحمل كيساً ممتلئاً بأشياء، كان قد أشار للسائق أن يأخذه في طريقه، في المقعد الخلفي الآخر بجوار الأم وابنتيها، وأخذ يشرح بيديه كيف أن المقعد الخلفي يكفيه هو وقرطاسه، لكن رجل البوليس لوّح للسيارات بالحركة فقد اخضرت الإشارة في اللحظة ذاتها.
-3-
راحت أضواء الإعلانات تتغير برشاقة، باخت لما تكررت.
-4-
وقفت السيارة في الإشارة، فاقتحمت يد الولد نافذة السائق بالمناديل الورق حتى كاد يُسقط نظارته الطبية، وراح الولد يؤكد بإصرار لحوح أن العلبتين بثمن علبة واحدة. أزاح السائقُ يد الولد بحزم، ولعن أباه في سره، فقال الراكب محتجاً:
- حرام عليك يا أسطه، ماله أبوه.
تعجب السائق من فضول الراكب وحدْسه معاً، وسأله فجأة:
- ما حكاية الضريبة الموحدة هذه؟.
فتساءل الراكب:
- إيش عرفك أنني محاسب؟؟
فقال السائق:
- وإيش عرفك أنني لعنت أبا الولد؟.
-5-
قال السائق فجأة:
- ما معنى تلك الزفة التي يوزعون شرباتها والعريس واقف وحده، والكوشة بدون عروس؟
قال الراكب للسائق: يبدو أننا استعدناهما معاً
قال السائق: استعدنا ماذا "معاً"؟
قال الراكب: "كرامتنا" و"الأرض"
قال السائق: هل تصدق؟
قال الراكب: لا
قال السائق: فلماذا إذن؟
قال الراكب: أدّعي أنني أصدق ما لا أصدقه، حتى أصدقه.
داس السائق فجأة على الكابح (الفرامل) فانكفأت المرأة في المقعد الخلفي إلى الأمام حتى لمست جبهتها ظهر كرسي السائق، وتدحرج الطفل الأكبر إلى الأرضية الخلفية بينما تشبث الأصغر برقبة أمه وهو يبكي. صاحت المرأة بالسائق أن كفى هذا، وطلبت منه أن تنزل هي وطفلاها، اعتذر السائق وأقسم أنه لن يفعلها ثانية حتى لو دهس أيـّاً مَنْ كان، انزعجت المرأة أكثر وهي تقول إنها تفضل أن تنكسر رقبتها على أن يدهس بريئاً يمرّ، دعى لها السائق ولطفليها بالسلامة، فدعت له أن يسلـّك الله له طريقه، وابتسما.
التفت السائق للراكب وراح يكمل وكأن شيئاً لم يحدث، قال:
- ولماذا تريد أن تصدق مالا تصدقه
قال الراكب: هذا أسهل، أريد أن أعيش.
قال السائق: وهل هذه حياة؟ أنا أفضل أن أرى "الأمور كما هي"، حتى لو...
قال الراكب: حتى لو ماذا؟
قال السائق: حتى ولو انطبقت السماء على الأرض، أنا لا أصدّقه...
قال الراكب: لا تصدق من؟
قال السائق: أوباما
قال الراكب: لكنني أشعر أنه ابن عمي جدَّا
قال السائق: لهذا لا أصدقه
انحرفت السيارة مرة أخرى انحرافة أكبر، لكن الانحراف لم يكن بسبب الإغفاءة هذه المرة وإنما بسبب إفاقة مفاجئة أنقذت طفلاً كان يمرّ سريعاً أمام السيارة.
قال الراكب فرحاً بنجاة الطفل: الله نوّر
جاء صوت المرأة من الخلف وهي تحتضن طفليها: يحميك يا ابني.
أشار الراكب للسائق أنه سينزل الناصية القادمة، والتفت للخلف يحيي السيدة وطفليها مودعاً، وقبل أن ينزل مد يده للسائق وتصافحا بحرارة وكأنهما أبرما "اتفاقية حياة"، أو كأن أحدهما حكى نكتة مصرية جداً، فاستحسنها الآخر جداً جداً.
نشرت في الدستور بعنوان "قصة قصيرة" بتاريخ 17-6-2009.
اقرأ أيضا:
تعتعة: أنفلونزا الخنازير: بين الإرعاب والإلهاء...!!! / تعتعة: الفجوة تتسع بين الحكومة والناس!! / تعتعة: لو أشوف عمايلكْ‘ أصدّقكْ..! أسمعْ كلامَـكْ: أسْتَنّى!!