كلااااام جميل، وكلااااام معقول، ما أقدرشى أقول حاجة عنّه (ليلى مراد)، يا هلترى اللب جىْ بالطولْ، حانلاقي فيه حاجة منّه؟، لم نر عمايله بعد حتى أستشهد بالمثل القديم: "أسمع كلامك أصدقك، أشوف عمايلك أستعجب"، السيد دبليو غير المأسوف على رحيله كان وغداً صادقاً صريحاً، قال إنها حرب صليبية، وقد كان، قال إن ثمة محاور للشر، حسب تعليمات أسياده، وقام جنابه باللازم وقتل من قتل، وجبـُنَ أمام من خاف منه. رجل متسق مع نفسه، قاتل غبي ذاهل مبتسم ببلاهة ملعونة منفرة، هل تريدون مصداقية أكثر من ذلك؟!!
أما هذا الشاب الأسمر الرشيق الراقص الخفيف الذكي المتحمس، فلا يمكن لمثلي أن يكرهه لله في الله؛ لم يصدر منه حتى الآن ما يجعلني أتنازل عن حقي في استقباله شاباً نوبياً من بلدنا، أنا حر، "كل واحد وعلامُه".
شاهدت بعض خطابه، وقرأت وجهه، واحترمت تلقائيته، ورفضت توقيت التصفيق له، لم أحرم نفسي من التمتع بالأمل، وساورتني شكوكي، فلم أمنع نفسي من التمادي في التفكير التآمري المشروع، سألت نفسي: "ماذا يفيدني لو أنني صدقت كل حرف قاله، ثم أردفت: وماذا يفيدني لو شككت في قدرته على تنفيذ أي حرف مما قاله؟ هذا الرجل شديد الذكاء، مخترق الحضور، يمثل لي وجهه ورقصته، وقفزاته، وعوده السمهري، وضحكته، وطلاقته، ويقظته، يمثل لي كل ذلك أن الإنسان يمكن "أن يكون إنساناً إذا أراد"، فأجرّب أن أصدق أنه "يريد أن يكون بشراً بحق"، لكن!! هل يستطيع؟ وهل سيتركونه؟ هل سيسمحون أن يجلس على كرسي عرش مملكة العالم اليوم إنسان حقيقي كما خلقه الله، الجواب عندي أن ذلك هو عاشر المستحيلات،
"تفكير تآمري؟!"، ليكن، هذا حقي!.
ولكن مَنْ هؤلاء الذين لن يتركوه؟
هم هم الذين لا يتركون رئيساً عبر العالم إلا ويحاولون تسخيره لحسابهم، بوعي أو بغير وعي، هم هم الذين يموّلون المؤتمرات، ويشعلون الحروب الظاهرة والخفية، ويتلاعبون بالبورصات، ويتاجرون في البشر. هم هم الذين أشعلوا حرب العراق، وموّلوا بن لادن شخصياً ليحارب السوفييت، ثم ليعترف مثل الأبله بما لا يقدر عليه ولو بعد قرن من الزمان. (عذراً يا سيدى أوباما، لقد فوّتُ لك فقرة 11/9، وفقرة الهولوكوست وتركتك لذكائك وللتاريخ، بعد أن اتهمتـَني وجارودي وآخرين بالكراهية).
في نفس الصباح (الخميس) في فندق سميراميس إنتركونتتنتال، (لاحظ فخامة الفندق) كان المؤتمر السنوي للجمعية المصرية للطب النفسي منعقداً، قرأت ورقتي عن "الأيديولوجيا والممارسة الطبية النفسية"، بينت فيها كيف أن الممارسة في الطب النفسي تعتمد بشكل أو بآخر على "أيديولوجية" الطبيب، بوعي أو بغير وعي، أنا أعلم تلك الدعاوى التي تزعم حياد الطبيب النفسي جداً، وأنه يمارس مهمته بكل برود، أو بتعبير أرق: بالشفقة اللازمة، حتى أن المريض قد يدع الحياة ويتفرغ للعلاج، (الترجمة: يدع القلق ويبدأ الحياة)، حاولت أن أبيّن للحضور القلائل (الباقون كانوا ينتظرون خطاب أوباما، أو يخشون غلق الشوارع)، أن ممارستنا لا تتم إلا بالطبيب نفسه علماً وفكراً وموقفاً وأيديولجية، أشفقت على موقف زملائنا في الخارج حين يمنع القانون أو التقاليد أن يعرف الطبيب دين مريضه وبالعكس، ناهيك عن أن يحدثه فيه، وقلت لهم أني أذيب تعصب أي طبيب أدرِّبُهُ، أو مريض أشرف على علاجه، بأن يتصارحا كل بدينه، فيتقاربا على كل المستويات بصدق يساعد على الشفاء الحقيقي، إذ كيف تقوم علاقة شديدة العمق لدرجة إعادة تشكيلهما فيخرج منها الطبيب أعمق خبرة ومسؤولية، والمريض أصح عقلاً وإبداعاً، في حين يخفي كل منهما عن الآخر أيديولوجيته -التي يشوه بها دينه- يلقي بالآخر في جهنم في نهاية النهاية؟
بعد عودتي مباشرة، سمعت أوباما يقول ما معناه "إن علينا أن نبحث عن عمل علاقة مع من يختلف عنا، وليس مع من يشبهنا"، افتقدت هذه الجملة في نص ترجمة الخطاب كما نشر بالأهرام، مع أنها كانت أقرب الجمل إلى ما قلتُ في المحاضرة- وأقرب إلى رأيي في رفض سياسة النعام بحذف خانة الديانة، أياً كانت، من خانة البطاقة.
شكراً يا أوباما، شكراً أيها النوبي الرشيق، ونحن في انتظار أفعالك، حفظك الله من نفسك، ومنهم، ومنا.
إن من السهل علينا وعلى أي أحد أن يكره ذاك الدبليو بوش ويحذره، أما أنت، فإذا استعملوك، حتى من وراء ظهرك، فسوف تكون أخبث وأخطر، حين يجعلونك تعمل عكس كل ما قلت، وأنت تدري، أو لا تدري.
حاذرْ إن استطعت، أو استقلْ، ودعهم لنا، وللتاريخ.
نشرت في الدستور بتاريخ 10-6-2009
اقرأ أيضا:
تعتعة: الفجوة تتسع بين الحكومة والناس!! / إغفاءة فإفاقة / تعتعة: لو...!!! ...IF للشاعر الإنجليزى رديارد كبلنج