طريق الإسماعيلية الفسيح والسيارات ذاهبة آتية في ساعة جميلة من ساعات العصرية. وأنا في السيارة في طريقي لحضور مهرجان الإسماعيلية للسينما التسجيلية، رائقة المزاج، سعيدة بالإحساس بالاتساع وصفاء الجو الذي لا يشبه معاناة السحابة السوداء التي كبست على أنفاسنا في القاهرة منذ الأسبوع الماضي حيث أصبحنا نتنفس هواء أسود. ولكن الاتساع الذي سعدت به ظهرت عيوبه فجأة عندما رأيت على البعد حمارا طائرا!!. كان الحمار يحاول عبور الطريق من الاتجاه المعاكس وهو يعرج، وصل إلى الجزيرة في المنتصف، حاول العبور إلى الناحية الأخرى فطار في الهواء بعد أن صدمته سيارة في رأسه فسقط على الأرض ثم قام يعرج. حمار لا صاحب له بعد أن انتهى نفعه بساقه المصابة، فاستحق أن يترك لمصيره، كما استحقت السيارة التي صدمته أن تتحطم وأن يتعرض كل من هو على الطريق للخطر. اضطررنا للتوقف وقمنا بتنبيه السيارات القادمة للحادث من على مسافة كافية.
أخيرا تمكن الحمار من العبور بإصابته القديمة والجديدة. حاولنا الاطمئنان عليه وإعطاءه بعض الماء. شاركنا في ذلك أصحاب السيارة المحطمة والتي تبين أن ركابها عبارة عن ابن شاب وأم وأخت شقيقة. شعرت بالألم لحال هذا الكائن المسكين الذي قضى حياته خادما لأصحابه يستغلونه كيف شاءوا، وما أن انتهى النفع منه حتى ترك لمصيره في الصحراء الواسعة ليموت من الجوع والعطش أو لينتهي مصدوما على قارعة الطريق بعد أن يأخذ معه روحا بشرية أو أكثر. سلوك بشري مصري تماما بمعايير هذا الزمان. لا مبالاة قاتلة مصحوبة بتبلد في المشاعر وانعدام الرحمة بالمخلوقات أو حتى بحياة البشر جعلني أتساءل، لماذا أصبحت المشاهد الموجعة في هذا البلد متكررة وإجبارية منذ أن نستيقظ وحتى ننام ولماذا يجب أن نتنفس هواء أسود في القاهرة ثم نمضي في محاولاتنا للتعامل مع كل أشكال وألوان المعاناة؟
بالطبع نسيت المهرجان ولو إلى حين وانشغلت بهذا الحيوان المسكين عن كل ماعداه. حاولنا الاتصال بإسعاف الحيوانات الوحيد في مصر "مستشفي بروك الخيري" ولا رد. حاولنا الاتصال بعدد من المعنيين بالرفق بالحيوان ولا إمكانيات. ولم يعد أمامنا سوى أن نسلم الحمار لأحد الخفراء في المنطقة مع مبلغ من المال يساهم في إطعامه حتى الصباح بعد أن نجحنا في الاتصال بالجمعية الخيرية المصرية للمحافظة على الدواب والتي أبلغتنا أنها ستتجه للمكان لتسلمه في الثامنة من صباح اليوم التالي. وهكذا تابعت طريقي إلى الإسماعيلية منشغلة البال. في اليوم التالي تلقيت اتصالا من الدكتور مراد من الجمعية ليبلغني بأنهم لم يتمكنوا من العثور على الحيوان المسكين حيث أبلغهم الخفير الذي تسلم الوردية في الصباح بأن الحمار قد فك وثاقه وانطلق في بهيم الليل ليلقى مصيره وحيدا لتنتهي القصة المؤلمة عند هذا الحد.. ولكن هل يجب أن تنسينا مشاكلنا اليومية ومعاناتنا المستمرة من أجل العيش معنى الرحمة في القلوب ومعنى الإحساس بالغير حتى لو كان هذا الغير حيوانا أبكم. إن المنظمات الدولية غير الحكومية أصبحت هي مصدر الإنفاق شبه الوحيد على الحيوانات في مصر وتقوم بتمويل بعض المؤسسات الخيرية المصرية ذات الصلة. ولا نملك إلا إطلاق صرخة مناشدة لتلك المنظمات التابعة للدول المتقدمة أن تساعدنا في علاج هذه المشكلة. أما الإنسانية والرحمة التي غابت عن القلوب في هذا البلد وحلت محلها معاني القسوة واللا مبالاة والتطرف فلا أعرف ما الطريق إلى علاجها.
اقرأ أيضاً:
قانون الغاب/ عندما لبست النقاب