"حضرات السادة الركاب، برجاء ربط الأحزمة استعدادا للهبوط في مطار القاهرة الدولي"
مع كلمات كابتن الطائرة التي تعلن وصولنا لأرض "الوطن" ثارت في نفسي الخواطر والأفكار، والتي كنت أستعجل الوقت لأسجلها على الورق حتى حانت لي هذه الفرصة الآن، وهي خواطر مختلفة، وربما يمكنني تسميتها لقطات أحب أن أسجلها، وأن يشاركني فيها أصدقائي الذين لم يملوا خواطري يوم : الورق والأقلام، الكلمات والحروف.
خاطرتي الأولى: واكتشفت هوايتي
منذ كنا صغارا اعتدنا أن يسألنا الكبار، "ما هوايتك؟" وكنت أسأل من حولي ما هي الهوايات؟، فيقال لي: هناك هوايات كثيرة فمثلا هناك من يهوى جمع الطوابع، وهناك من يهوى جمع العملات، وهناك من يهوى القراءة وهكذا "فكنت أفكر: ترى ما هي هوايتي؟ وعادة ما كنت أجيب حين أسأل عن هوايتي أنني أهوى القراءة، غير أني بعد العودة من هذه الرحلة أستطيع أن أقول أنني اكتشفت هوايتي المحببة لنفسي".
أستطيع أن أقول أنني بلا مبالغة من هواة: التعلم، واكتشاف العالم والآخرين. ليس التعلم الأكاديمي، أو العلوم الطبيعية البحتة، بل التعلم بالتجربة والمشاهدة والإبحار في ملك الله الواسع وفي العقول والنفوس البشرية.
نعم، حقيقة كنت أسير خلال جولتي في كندا وأمريكا أنظر وأستمتع بالمشاهدة، ومحاولة الفهم، بالتأكيد استمتعت بمشاهدة أماكن جديدة وتجربة أنواع جديدة ومختلفة من الطعام، وزيارة متاحف وأماكن طبيعية، بل حتى باللعب في ملاهي الأطفال، غير أنني وجدت أن أكثر ما كان يشعرني بالسعادة ويجذب انتباهي، هو مشاهدة الناس وأسلوب حياتهم، والحديث مع أناس من خلفيات مختلفة ولغات مختلفة، كنت أحاول خلال حديثي معهم أن أسأل عن أي تفاصيل تتعلق بشكل حياتهم، ورؤيتهم للحياة، فالحكمة ضالة المؤمن.
خاطرتي الثانية: عائشة
دعيت لحفل أقامته الجالية المسلمة في كندا للاحتفال بمولود جديد لإحدى العائلات، وهناك، قابلتها............ قابلت..... عائشة
وعائشة هي فتاة أمريكية تبلغ من العمر 20 عاما، أسلمت وتزوجت من مهندس مصري وأنجبت منه: يوسف، وكانت فتاة لطيفة جذبت انتباهي منذ دخلت، وعند الطعام اقتربت منها وتعرفت عليها، وبدأت أتجاذب معها الحديث، وسألتها عن قصتها، وكنت أحسب أنها أسلمت بسبب زواجها بالمهندس المصري، غير أن المفاجأة ظهرت حينما حكت لي أنها أسلمت قبل التعرف على زوجها، وربما ليس هذا هو العجيب في القصة، بل العجيب هو أنها أسلمت بدون أن يدعوها أحد للإسلام أو يحدثها أحد عنه، بل إن قصة إسلامها تحمل معنى قويا جدا.
لماذا أسلمت عائشة؟؟ (وبالمناسبة أنا أتحدث عن قصة حقيقية وليست قصة للإثارة الإعلامية أو للتضخيم).
حكت تقول: حينما بلغت سن 17-18 كنت أعيش في منهاتن كبرى أجزاء نيويورك، وكنت أعيش في منزل قريب من منازل بعض المسلمين، وكنت ألاحظ أمرا لفت انتباهي جدا، أن البيوت الوحيدة التي لا أسمع فيها صوت ضرب أو سباب للمرأة بداخله من قبل الرجل هي بيوت المسلمين، البيوت الوحيدة التي لم أجد الرجل يطرد الزوجة من المنزل، أو يهجر المنزل بلا عودة، هي بيوت المسلمين، وكنت أسير في الشارع فألاحظ أن النساء المسلمات هن الوحيدات اللاتي لا يعاكسهن الرجال في الشوارع، ولا يطلقون تجاههم الألفاظ البذيئة، كما لاحظت أن الزوج المسلم خلال سيره مع زوجته في الشارع يحميها، ولا يسمح لأحد بالتعرض لها أو بلمسها، ويطمئن لركوبها قبل أن يركب، وكنت أراهم يحملون الأطفال مثلا ويحملون الحقائب الثقيلة بدلا من نسائهم، وكنت وقتها لا أعرف أن هؤلاء اسمهم مسلمون فسألت هذه الكرامة للمرأة أين فقيل لي أنهم مسلمون فقالت "إذا كانت كرامة المرأة بأن تكون مسلمة فإذن أنا مسلمة" "Where women dignity is, so I am there. If it is in being a Muslim so simply I will be".
وأكملت: فبدأت أقرأ عن الإسلام (لاحظوا أنها كانت فتاة في 17 من عمرها) وقررت أن أصبح مسلمة، وعندما علمت أمي بالأمر خافت وطردتني من المنزل، فاستضافتني إحدى الأسر المسلمة في نيويورك وبحثوا لي عن زوج مسلم، وكان هو زوجي.
وسافرت معه إلى الحج، وأشد ما أبكاني (والحديث لعائشة) هو هذه الروح من التكافل بين المسلمين، فقد كنت أنا وزوجي نسكن في فندق خمس نجوم شديد القرب من الحرم المكي ولدينا بوفيه مفتوح لجميع الوجبات، بينما كان صديق زوجي يسكن في فندق متواضع بعيد عن الحرم المكي ولا يقدم وجبات، فقالت كنا نسير يوما فقابلناه وكان قد اشترى شطيرة من اللحم لغدائه فأصر أن يقتسمها معنا رغم أنه لم يكن يمتلك غيرها كما أننا لسنا محتاجين، وظل يصر على ذلك بشكل أسال دموعي.
تبسمت بداخلي (خاصة حينما لاحظت أن كل من قصصت عليهم القصة من صديقاتي كن يغمغمن: "نعم، ولكن ليس كل الرجال المسلمين كذلك) وقلت، إن عائشة ترسل رسالة قوية أصوغها للأزواج المسلمين فأقول لهم.
سادتي.. إن تصرف زوج المسلم قد يكون سببا في دخول امرأة في الإسلام (كما في هذه الحالة)، وكذلك فإن سلوك زوج مسلم أيضا قد..... يخرج امرأة من الإسلام، فما هو اختياركم؟
اقرأ أيضاً:
وتبقى التجربة...... / التحسينات / ليلة في العناية المركزة / توفيق إدريس