من العبارات التي عرفت أنها متداولة في الأوساط الصوفية قولهم: أنه "من لا شيخ له، فالشيطان شيخه"، وكنت أفكر مؤخرا عن أحوالنا، ونظرت من زاوية من يتصدى لقيادة الناس، وصياغة عقولهم، وتوجيه أفكارهم، وبناء نفوسهم وشخصيتهم فوجدت أنني غاضب جدا لأن الواحد فينا يعطي رأسه/ عقله/ دماغه، وبكل طواعيه، لإنسان لا يعرف أصله ولا مؤهلاته، ولم يطمئن لسلامة تكوينه العلمي، ولا صحته النفسية والعقلية، وأحيانا نعطي أولادنا لمدارس، أو ما نعتقد أنها مدارس، لنضعهم بين أيدي معلمين، أو من نعتقد أنهم كذلك، رغم أنه لا يوجد دليل منطقي ولا علمي ولا عقلي واحد يدل على أن هذه مدارس فعلا "غير اللافتات"، أو أن هؤلاء معلمين فعلا "غير المسمى الوظيفي"، أو أن هؤلاء آباء أو أمهات غير كونهم جهلة أو مجرمون بلا وعي ولا تدريب، قاموا بالوظيفة البيولوجية في التلقيح والتخصيب والحمل والإرضاع مثل أي حيوان من فصيلة الثدييات!!
من هم شيوخنا؟!
ما هي مؤهلاتهم؟!
لحية طويلة، وديباجات مكررة من آيات وأحاديث يرددونها ولا يكادون يفقهون معانيها أو مقاصدها!!!
هل أتعب أحدنا نفسه فنظر في السيرة الذاتية لمعلمه، أو أستاذه في مدرسة أو جامعة، أو شيخه الذي يسير وراءه مغمض العينين، طالما سيكون عيبا أن يقول لأبيه:
بمناسبة إيه حضرتك عامل لي فيها أب، وبتشخط وتضرب؟!
ما هي مؤهلاتك يا سيدي؟!
أو ما هي مؤهلات الأم الغبية ـ ومنهن كثيرات ـ التي تساهم بكل دأب في تشويه الأبناء منذ نعومة الأظفار، فأي أساس وأية مؤهلات تجعل الجنة تحت أقدام هذه المتخلفة جزاءا لما تقترفه يداها؟ وهل الأمومة حمل وإرضاع وولادة ودم نفاس؟!!
إذا كانوا هؤلاء هم قادة التوجيه والتربية وصياغة العقول، أي تلك النخبة والكوكبة من المعقدين نفسيا، الجاهلين بالدين والدنيا، وأبسط بديهيات تنمية العقول، وربما حتى تربية العجول!!
آباء وأمهات جهلة، وصحفيون ضلوا طريقهم، ولم يجدوا مهنة غير استعراض الجهل على صفحات الجرائد، أو شاشات الفضائيات، ومعلمون هواة تعلموا في كليات منهكة على أيدي أدعياء الأستاذية فخرجوا ليردوا الجميل تخريبا وتجهيلا لأجيال مشوهة أصلا في بيوتها، وعلى شاشات إعلامها!! هل وضعنا المنحط مدهش لأحد؟!
ووعاظ يحسبون أنفسهم فقهاء لأنهم يجيدون الكلام في جمهور جاهل بالدنيا والدين لا يعرف الفارق بين الألف وكوز الذرة، وهو لا يبذل جهدا أو يتعب نفسه قليلا ليعلم نفسه، أو يدقق أو يتحرى عمن يعتقده شيخا يقوده بينما هو مجرد أعمى بصيرة يحتاج إلى من يرشده!!
وأقرأ في أحاديث من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم من أن العلم لا ينتزع انتزاعا، ولكن يموت العلماء والفقهاء الحقيقيون، ويتصدر الجهال، ويسألهم الجمهور الجاهل فيفتونه على جهل، ويحرمون ويحللون!!
من لا شيخ له فالشيطان شيخه، فمن منا يسأل نفسه عن شيخه وموهلاته وخلفياته؟!!
ومن منا يجهد نفسه في تحصيل العلم بنفسه بما هو متاح من مصادر متعددة اليوم؟!
ومن يمارس مسئوليته الإنسانية عن أكرم ما ميزه الله به عن الحيوانات الأعجمية، وعن الأنعام والبهائم، وهو العقل بالمناسبة، فيهتم بهذا العقل وتنميته، ويمنع عنه ما يضره من كلام مضلل، أو حديث متخلف، أو صحبة من يهرفون بما لا يعرفون؟!
إن أمة يتصدر فيها للتوجيه والقيادة من يتصدر فينا، أحسب أنه لا أمل لها ولا مستقبل، وطبيعي أن يكون حالها هو ما نحن عليه، وهي مقدمات واضحة تؤدي إلى نتائج محققة، ومتوقعة جدا!!
أعيد التأمل وأكتشف أن غياب الشيخ أو معناه لا يقتصر فقط على عدم وجوده، ولكن أيضا يمكن أن تجعل لك شيخا وهو ليس بشيخ، ولكنه شيء أقل من هذا بكثر، فيصبح وجوده في الحقيقة مثل عدمه، بل ربما يكون وجوده الخادع أسوأ من عدمه، لأنه ـ يجعلك تعتقد أن لك شيخا بينما هو محض شيطان يضلك، وأنت تحسبه عاديا ومرشدا ونبراسا وقدوة!!
يوجعني أن أتابع عن مراجعات أفكار الجماعة الإسلامية والجهاد، ومصدر الوجع ليس مبدأ المراجعة نفسه لأنه خير، ولكن لأن نفس هؤلاء الذين يقولون اليوم كلاما هم أنفسهم من قالوا بالأمس عكسه تماما، وكانوا يقولون وقتها: نحن وحدنا على صواب، وجميع الآخرين على خطأ!!!
قيادات إسلامية أو هكذا قدمت نفسها منذ عقود تصدرت بلا مؤهلات كافية غير لحية، وكلام معسول يؤثر في جمهور جاهل طفولي التفكير والاختيار، وقادت جموع الأمة إلى محن ودماء وأشلاء وهدر موارد ووقت وطاقات، ولم يحاسبهم أحد، بل لم ينتقدهم أحد بإخلاص وعمق، على الأقل كما انتقد البعض جلاوزة الاستبداد، وجزاري التعذيب والقهر من قادة السياسة والسلطة!!
الكبراء يضلون القطيع، والسادة يخدعون الجمهور، وهو غارق في جهلة وحماقاته قليل الفقه والحيلة، كسول العقل فلا مراجعة ولا تعلم ولا تدقيق ولا جهد هناك في عمل أو اختيار على أساس!!
وكل هذا يتكرر بحذافيره حتى الآن:
شباب متحمس أهوج بلا فقه ولا عقل ولا إنصات، وشيوخ بضاعتهم من فقه الدنيا والدين متواضعة، وكاسدة لولا أن من يشتري لا يعرف شيئا من السوق، ولا يفهم في أية مقاييس أو معايير لاختبار جودة ما يشتريه!!
ومناخ عام يرتع فيه الجهل كابرا عن كابر، في المدرسة والبيت، والمذياع والشاشات، وزاد الإنترنت طيننا بللا فصرنا فريسة سهلة لشياطين الإنس والجن حين رضينا لأنفسنا أن نكون بلا شيوخ، أو أن يقودنا هؤلاء الذين يحسبون أنفسهم شيوخا!!!
تترامى إلى أسماعي أنباء تصويت أغلبية في سويسرا ضد رفع المآذن، وبدأت الأبواق الجاهلة عندنا تردد كلاما عن التعصب ومعاداة الإسلام...إلخ
ولم أقرأ حتى الآن أحدا يضع النقاط فوق الحروف، ويواجه العامة أو الخاصة بأخطائهم وخطاياهم، من تقاعسٍ عن فهم الدين الحنيف، وبالتالي عن تفهيمه للعالمين، وتقصير فادح في حركة جاليات خرجت بحثا عن حياة أفضل، ونصيبها من هذه الحياة الأفضل غالبا محض منزل جميل، وسيارة في المرآب (الجراج)، ووظيفة أفضل، وحقوق مواطنة لا يفهمونها، ولا يمارسون منها غير جلب المال، والصراخ أحيانا دون عميق فهم!!!
الجاليات الإسلامية كارثة لا يتحدث عنها أحد، والجهل المحلي لا يوجد أسوا منه غير أوضاع الجاليات الإسلامية في الغربة جهلا وتشتتا وتخلفا عن صحيح الدين، وعن حركة الدنيا!!
هل يعني كلامي أن لا يوجد خير في هذه الأمة؟!!
اللهم لا... فالخير في أمة الحبيب حتى يوم القيامة، ولكن من يعلمون يتخارسون حبا في العيش، شياطين التخلف!!
من يعلمون يتخارسون خوفا على رقابهم وأعراضهم، وسمعتهم، ويكتفون بالطبطبة على المشكلات، والكلام غير المفهوم أحيانا، أو الحديث المتخصص أحيانا أخرى، أو غير ذلك من طرق الهروب، وهي كثيرة!!
وصدق حبيبي، ونور قلبي، محمد طب القلوب ودواؤها، وعافية الأبصار والبصائر ونورها إذا أظلمت الدروب، أسمعه وهو يقول لأصحابه عن زمان نعيش فيه وتدمرنا سكرتان: الجهل وحب العيش!!
سلام عليك يا أنيس الغرباء في ظلمة الدرب العسير، وقد طالت لياليه!!
حين يتخذ الإنسان من الشيطان شيخا فإنه يحكم على نفسه بالموت، ولو عاش يأكل ويشرب وظن أنه كائن حي أو بشر ممن كرمهم الله!!
هي عملية إعادة إنتاج الجهل والتخلف التي نعيشها، والتي يشير إليها الحديث الشريف الذي ذكرته عن ضياع العلم، وسيادة الجهل والغباء الذي يحكم حياتنا!! هكذا تنغلق دائرة الجهل وإنتاجه تسلمنا حلقة لما بعدها، ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولأن من يختار شيخا يسير وراءه فإنه سيصير مشحونا بما تعلمه من شيخه،ـ وسيمارس أدواره في حياته كلها عاملا أو معلما أو أبا أو موجها أو مديرا أو.. أو... سيمارس أدواره هذه بنفس شحنة الجهل الذي يحسبه علما، والتخلف وضعف الفقه والبصر والبصيرة مما يحسبه بجهله تنويرا، وقمة الدراية، ولو تأمل لحظة، أو تدبر برهة، أو انتبه من غفلته، أو حاول ليكتشف أنه أسلم قياده لجاهل أو سلسلة جهلاء، وهم بدورهم يسلمونه فريسة وصيدا يسقط في براثن تعصب أعمى، أو سطحية فهم، أو مقولات تبدو ضخمة وهي محض كليشيهات لا قيمة لها!!
وحتى أكون صادقا فإن الخروج من هذه الحالة العامة يبدو صعبا حيث الأغلبية الساحقة مطمئنة لهذا الوضع البائس، ربما لأنها لا تعرف ولا تريد بالتالي غيره!! ولا تتحرك لطلب فهم مختلف، أو فقه آخر، أو حتى وجهة نظر، أو وضوح رؤية، أو هداية بصيرة، وإذا كان الناس قد استحبوا الضلال على الهدى، والعمى على البصر، ورضوا بهذا وتواطؤا عليه فإن مخالفة هذا صعبة، ومن أجل ذلك كان أجر الواحد من هؤلاء الذين يخالفون القطيع بأجر خمسين من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لأن هؤلاء الغرباء المخالفين لما عليه الجاهلية المعاصرة لا يجدون أعوانا على ذلك إنما يجدون أنفسهم محاصرين بالجهلاء ويحسبون أنفسهم على علم، أتباع شياطين الجهل من شيوخهم المختارين بمحض إرادتهم!!
واقرأ أيضًا
على باب الله: ضحايا النوايا الحسنة: مشاركة/ على باب الله: الأمة هي الحل: مشاركة، ودعوة للاجتهاد