دائماُ ما يرحل النسيم العطر والمذاق العذب ولكنه يجدد الحياة في العقل والقلب رحل الدكتور مصطفى محمود كأي شيء جميل نفقده رحل بعد مسيرة من العلم ظل يبحث خلالها عن المنهج الأكثر إصلاحا وتنمية للإنسان والمجتمع والحديث يطول عن رحلة ومسيرة الدكتور والعالم والمفكر مصطفى محمود ولن يكفي مقال واحد لنتحدث عن مسيرته الفكرية لذلك لن أسرد في ذكر سيرته الذاتية بشكل كلاسيكي بسرد الأحداث والتواريخ فهذا موجود ومتاح وتكلمنا عنه من قبل ولكن سأتحدث عن تأملات وفوائد فكرية وسلوكية في حياته ينبغي أن نقف عندها ونحللها لأنها ترسخ وتجسد مفاهيم هامة تفيد كتابنا وشبابنا وعلمائنا ورغم أننا نختلف معه في بعض المسائل والأفكار ولكن حياته ومسيرته بمجملها بها تأملات ينبغي أن نقف عندها لنتعلم من قيمه وأفكاره وأعماله الهادفة ونلاحظ ما فشل أو أخطأ فيه فنتجنبه بمعرفة الأصوب والأرجح ثم نحاول أن نكمل أحلامه الخيرية والعلمية التي تخدم المسلمين.
* المزج بين العلم والعمل
قال الدكتور مصطفى في إحدى الحوارات التليفزيونية يتحدث عن مسيرته (سألت نفسي هو أنا (هقابل ربنا ورصيدي في الحياة شوية كلام ففكرت في العمل بجانب الكتابة والعلم لأن هناك قول وعمل والعمل يعني مثلا إطعام مسكين إسعاف محتاج) وتلي قول الله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سديداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (الأحزاب آيه 70 ,71)
من هنا بدأ يفكر الدكتور مصطفى محمود في الأعمال الخيرية والثقافية والعلمية التي تخدم أهل مصر وتشارك في حل بعض مشاكل المجتمع ليرى أثرها على المواطن المصري والعربي فأنشأ جمعية مساعدة الفقراء والأرامل في مسجده بالمهندسين وأنشأ مركز مصطفى محمود الطبي لمساعدة المرضى المحتاجين.
الفائدة من ذلك، ينبغي على كل عالم ألا يكتفي بالعلم وينسى العبادات والمعاملات والأعمال الخيرية لذلك ينبغي على كل عالم قادر أو رجل أعمال أو مسئول قادر على مساعدة الآخرين أن يزيد من الأعمال الخيرية ما أمكن فتكون له صدقه جارية وزكاة عن علمه وصحته وماله.
* الاعتراف بالخطأ
كان كثيرا ما يعترف أنه مخطئ في مسألة ما ويرجع عنها أو يوضح ما يقصده مما قال فقد قال مثلا بالنسبة لكتاب القران محاولة لفهم عصري عندما هوجم قال (أنها كما قلت محاولة تحتمل الصواب والخطأ) وقد رجع عن بعض اتجاهاته وأفكاره بل واهتماماته ثم اختار منهجاً معيناً كما فعل في كتاب لماذا رفضت الماركسية الفائدة من ذلك على كل من يتكبر على الاعتراف بالخطأ أن يرجع عن الخطأ ما تبين له الصواب فيا من تسب الصحابة وتهجم على البخاري أرجع عما أنت عليه وكفاك تكبراً وتعنتاً البحث في الآراء والأفكار من كافه الاتجاهات للوصول لمنهج ورأي أرجح سالت الأفكار والأسئلة على عقل وفكر الدكتور مصطفى محمود كالمطر بين أفكار عقائدية وأفكار سلوكية وأفكار علمية وأفكار سياسية وفلسفية في رحلة كشف الحقيقة واختيار المنهج فهب يتعلم ويقرأ في كثير من فنون العلم الأخرى خاصة العقائدية والدينية والفلسفية وكان لا يعرف عنها إلا القليل وقال (بدأت وأنا أبيض واستمر ذلك قرابة عشرة سنوات) ولم يتعصب لمذهب واحد أو اتجاه واحد يحجبه عن معرفة الصواب فماذا لو تعصب للماركسية فقط أو للنظريات الفلسفية بدون أن يقرأ في علوم القرآن والتاريخ؟؟؟؟؟؟
ثم توصل إلى أن المنهج الإسلامي والنص القرآني أكمل وأشمل وأنفع في معرفة دوافع وسلوك وكيفية استقامة حياته الإنسان من العلم المادي وأن القران هو المنهج الأكثر إصلاحا وتنمية للإنسان نفسياً واجتماعياً.
الفائدة على طالب العلم أن يبحر في فنون العلم التي تخدم فكره ليصل لمنهج أرجح وأقرب للصواب مثلما فعل الدكتور مصطفى محمود وغيره من العلماء على مر الزمان ولا يكتفي ببعض الكتب والشخصيات فيا من ينادي بالعلمانية والماركسية هلا اطلعت على أضرار العلمانية والماركسية وهل قرأت عن آثر المنهج الإسلامي في المجتمع قبل أن تدعوا لتغييره؟؟؟؟؟؟
* التواصل الاجتماعي والأسلوب العذب
قدم الراحل برنامج العلم والإيمان (400حلقة) وهو برنامج تأملات في عظمة الله في الكون بشكل علمي وإيماني منظم بأسلوب يسير شيق وصوت حاني يخترق القلب يلتف حوله كل أفراد الأسرة وهو بذلك برنامج شعبي عائلي علمي ديني وطريق جديد للتواصل مع الناس وهذا لم يكن مسبوقاً لمثله من البرامج العلمية.
* إنشاء جمعية مصطفى محمود لخدمة الفقراء والأرامل وإنشاء المركز الطبي
كان له دور في تنشيط تفاعل المفكر مصطفى محمود مع المجتمع والمحتاجين وأصحاب المشكلات وهذا ما جعل الكثيرين يلتفون حوله ويتواصلون معه تواصلاُ مثمر حتى وافته المنية فأصبح الدكتور مصطفى عالم ومفكر قريب من العامة يساعد المحتاج ويشارك الضعيف تواصل مثمر بعيد عن الأضواء، يعتقد البعض أنك مادمت نجماً في وسائل الإعلام فأنك ناجح ونافع للمجتمع ومادام حولك المشاهير وتسلط عليك الأضواء فأنك متميز وهذا ليس بشرط بل ربما يكون التواصل مع فئات ليس لها وجهه إعلامية يكون مثمراً وأكثر صدقاً من غيره فالفيصل هو سلوك الإنسان وضميره وقدرته على الإنتاج والعطاء ومساعدة الغير فقد غاب المشاهير وكبار رجال الدولة والإعلام وكل من يبحثون عن الأضواء.
عن جنازة الدكتور مصطفى محمود وحضرها الفقراء الذي عاش من أجلهم والأطباء والناشطين في الجمعية والمشاركين في هذا العمل الخيري وأيضا بعض الكتاب والعلماء والصحفيين الذين يحترمون قلمهم وينفعون بعلمهم ويعترفون بفضل وعلم الراحل مصطفى محمود فكانت دموعهم أكثر صدقاً لذلك جعل الله مشهده الأخير بين هذه النفوس الطيبة ورأينا جمهور من الناس يبكون بحرقة على فراق الدكتور مصطفى، ورأينا الأرملة التي تبكي وتقول كنت أصرف على أولادي اليتامى من الجمعية فقد كان لهم مصطفى محمود الأب الروحي والأمان الاجتماعي والصحي وبفقده كانوا كالذي يضل الطريق لا يدري من أين أو أين يمضي يعني بالعامية كما يقول المصريون كان لهم ربنا ثم الدكتور مصطفى.
وتجاهل الإعلام الساقط والنفوس التي تبحث عن الأضواء مرضه ولم يزوره إلا القليل كما صرح بذلك أبناء الدكتور مصطفى فلتفرح يا دكتور مصطفى فقد حضر جنازتك وأخذ عزائك محبيك وأصحاب النفوس الشريفة.
الفائدة: ليس كل ما يلمع ذهبا فدعك من من يجرون وراء الإعلام المزين ويفعلون ليقال عنهم كذا وكذا فهم أول من يبعدون عنك ما بعدت عنك الأضواء وابحث عن القيمة الحقيقية والعلم النافع والعلماء الحقيقيين والعطاء الحقيقي والناس الطيبين الذين يحملون همك.
* خير الناس أنفعهم للناس
كم من أناس كانت لهم شهرة إعلامية كبيرة بلا إنتاج حقيقي مفيد للناس وبدون تواصل مثمر معهم وكم من كاتب ومفكر يعيش داخل قوقعه الكتب والمقالات ولا يتواصل مع العوام ولا يعرف مشاكلهم فماتوا فنسيهم الناس فور دفنهم ولم يستفيدوا منهم أما من يعيش ليفيد ويتواصل مع الناس بعلم نافع أو بحل مشكلة يحفر في قلوب الناس أجيال بعد أجيال.
* الإيمان والقرآن قاعدة للعلم وقوى محركة للعمل (شهادة من عالم متبحر)
تحصن بالإيمان والقرآن فهما قاعدة أساسية لا غنى عنها للانطلاق للعلوم الأخرى حتى يتم تقييم هذه العلوم بميزان الإيمان والشرع الإسلامي فيكون ذلك أحصن لدينك وأوفر للوقت بدلاُ من تضييعه في علم محرم لا ينفع وبعدها سيحركك الإيمان نحو العمل الصالح ومسيرة الدكتور مصطفى محمود أكدت ذلك فقد بحث مصطفى محمود في شتى العلوم الكونية ومختلف الاتجاهات والمذاهب الفلسفية والعقائدية وتبين له الأثر القوي للإيمان والقرآن في استقامة حياة البشر فبهما تتم الأمور والأحداث على الوجه الأمثل والأفضل في شتى المجالات ثم بدأ الإيمان يحركه نحو الأعمال الخيرية.
* العدو الصهيوني يقتل كل محاولة لتنمية العلم وإظهار الحقائق وتجديد الإيمان
فجرت أسرة الدكتور مصطفى محمود مفاجأة كبيرة «عندما صرح ابنه أدهم في برنامج الحقيقة مع الإعلامي الكبير وائل الإبراشي ونقلاً عن جريدة المصري اليوم أن السبب وراء اعتلال صحة والده هو جواب أرسله الدكتور أسامة الباز»، مدير مكتب رئيس الجمهورية للشؤون السياسية، عقب نشر الفيلسوف الراحل مقالاً أثار استياء القيادات الإسرائيلية والمنظمات اليهودية «المعادية للتشهير»، وهو ما جعل الباز يرسل الخطاب إلى رئيس مجلس إدارة الجريدة ـ آنذاك ـ طالباً منه لفت نظر مصطفى محمود إلى حساسية الكتابة في هذه الموضوعات، وأن تأثيرها لا يقتصر على الإسرائيليين فقط بل على اليهود أيضاً وأوضح أيضاً إن الخطاب كان له بالغ الأثر على صحة والده، الذي دخل بعدها في نوبة حزن شديدة أثرت على صحته بشكل واضح، خاصة أن الخطاب عبر عن توبيخ سياسي واضح من الدولة لم يقتصر فقط على كتابات الفيلسوف الراحل، بل امتد إلى الاعتراض على محتوى ومضمون برنامجه «العلم والإيمان»، كاشفاً أن إسرائيل لعبت دوراً رئيسياً في توقف عرض البرنامج على القنوات الأرضية. وقال الإبراشي للمصري اليوم ((إن مصطفى محمود كان يمثل خطراً على إسرائيل لأنه كان الوحيد الذي يرد على ادعاءاتهم من خلال قراءته المتأنية في العقائد والتاريخ والعلوم، وأن سلوكه هذا تسبب في حرج شديد للمسئولين في الدولة، وهو ما يفسر تخليهم عنه في محنة مرضه وحتى لحظة وفاته)).
حقاُ كما قال الإبراشي وأنا أزيد أن هذا البرنامج أيضاُ ينمي الثقافة العلمية عند الشباب ويثير الحافز نحو البحث العلمي وهو أيضاُ تأملات في عظمة الله في الكون بشكل علمي وروحاني مصبوغ بتعاليم الإسلام ويحث على تجديد الإيمان وهذا يضر بمصلحة الكيان الصهيوني الذي يريدنا أمة بلا علم وبلا منهج وبلا إيمان رحم الله الدكتور مصطفى محمود رجل العلم والإيمان الذي سوف يظل نموذجًا مختلفاً ينبغي أن نتعلم من قيمه وأفكاره وأعماله الهادفة ونلاحظ ما فشل أو أخطأ فيه فنتجنبه بمعرفة لأصوب والأرجح ثم نحاول أن نكمل أحلامه الخيرية كتوسيع أنشطة الجمعية الخيرية وأحلامه العلمية كتطوير علم نفس قرآني يقوم على تعاليم القرآن وعزائي لكل عالم ومواطن وكاتب وشيخ مصري شريف.
واقرأ أيضاً:
المعايشة الوجدانية للأحداث / عاجزة وروايات الدكتور مصطفى محمود / ابتسامة جريح يعمل بالإرادة