معهما القدر من بين الملايين قلبين يقودان الحياة بكلمة من الله يشتركان في المأكل والمسكن في الحزن والفرح وفي المواقف الحياتية وفي رعاية الأولاد، فأصبح كل منهما يشعر بالآخر بدون أن يتحدث إليه وكأن قلبهما أصبح قلباً واحداً.
* إن التواصل والمشاركة الايجابية الفعالة بين الزوجين لنسيج مركب يحقق الإشباع العاطفي والنفسي والجنسي ويحقق التوازن النفسي والاجتماعي للزوجين قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21)، فقد جعل الله الزواج ميثاقا غليظا يحقق التوازن للإنسان في جميع مناحي الحياة، فإذا همت بك مشكلة ترهقك فكرياً ونفسياُ وتصيبك بالقلق والتوتر... فتأمل معي سلوك وتفاعل شريك حياتك مع مشكلتك وقارنه بتفاعل الآخرين تجاه مشكلتك؛
تفكر الزوجة أو الزوج في أمر المشكلة التي ألمت بأحدهما بكل لهفة وشغف، ثم يصيبهما القلق أثناء النوم معاً فلا يستطيع أحدهم أن ينام بينما الآخر في مشكلة، ثم يحاول كلا الزوجين معاً حل هذه المشكلة برأيه أو بمساعدة المقربين إليه، وتحاول الزوجة الحنونة أن تشعر زوجها بأنها بجانبه وحاسة بأوجاعه باللمسات الرقيقة والكلام العذب، وتتابع الزوجة تطورات الموقف أو المشكلة فتتصل بزوجها في العمل أو في المكان الذي يقصده لحل المشكلة أولا بأول وبشكل مستمر لتطمئن عليه وتقول له (أنت كويس ماتزعلش نفسك واشتغل وربنا هيفرجها).
وتطمئن على حل تلك المشكلة ثم تستقبل زوجها بالسعادة عندما تحل المشكلة أو تهون عليه بالحضن الحاني إذا لم تحل وتقوله (بإذن الله خير ماتزعلش أنت طيب وبإذن الله ربنا هيعوضك)، وكذلك يفعل الزوج المخلص عندما تقع الزوجة في مشكلة. ويحكي كل منهم عن مشكلته بلا خجل وبلا خوف لأنه يثق أن شريكه يحبه بلا مقابل، فبكلمات صغيرة ولمسات لا تستغرق دقائق يكون لها مفعول السحر في وسط الأزمة وتشعر الزوجين بقيمته في حياه الأخر.
وتأمل معي موقف صديق أو زميل أو قريب سيسألك مرة مثلا في أول الأمر ثم بعد أيام يتصل بك ليسألك عن آخر التطورات بشكل عام أي لا يكون بنفس الشغف واللهفة التي تراها في أهل بيتك ولا يتابع ولا يشارك في المشكلة أولاً بأول أو ربما تخجل أن تحكي لصديق أو قريب عن مشكلتك.
التواصل الفعال بين الزوجين لا يعني أن يكونا متطابقين في كل المستويات بل الهدف من التواصل أن يكمل كل منهما الآخر لصناعة منهج للحياة الزوجية يحميها من المشاكل والانهيار ويحقق السعادة للأسرة والإشباع لكلا الزوجين لا أن يحقق منفعة شخصية لأحدهم على حساب الآخر.... ومن فوائد التواصل بين الزوجين:
- التواصل الفكري يساعد الزوجين في اتخاذ قرارات أسرية أو شخصية بشكل أكثر حكمة وأكثر إرضاءاً للطرفين وأكثر منفعة للأسرة.
- التواصل العاطفي يزيد من مشاعر الرحمة والتسامح والأمان والحب والاحترام والمشاركة الوجدانية بين الزوجين ويجعل كلا منهما يشعر بأن هناك من يحمل همه ويهمه أمره.
- التواصل الاجتماعي يجعل كلا من الزوجين شكلاً ومضموناً اجتماعياً للآخر ويقسم المهام بينهما، فأدوار الزوج الاجتماعية ستعبر عن زوجته وكذلك العكس وهذا يزيد التقارب الاجتماعي في المجتمع.
- التوافق الجنسي يحقق الإشباع الجنسي والعاطفي والجسدي لكلا الزوجين.
* تواصل مركب دقيقة بدقيقة -هامة جدا-:
مما سبق يتضح أن التواصل بين الزوجين أكثر عمقاً وأكثر تشعباً وأكثر صدقاً وأكثر تأثيراً من أي تواصل آخر فنستطيع أن نقول أن التواصل بين الزوجين تواصل بمتابعة الأفكار والأحاسيس دقيقة بدقيقة بمشاركتك الفكرة والشعور والسلوك وهو تواصل مركب يحقق لك الإشباع والتوازن النفسي والجسدي والاجتماعي الذي يلزم لحياة سعيدة ومثمرة، قال رسول الله (الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة) صحيح مسلم.
أما التواصل مع الآخرين فهو إما تواصل بسيط غير مركب أي يحقق إشباعا في جانب محدد من نواحي الحياة أو تواصل مؤقت أو عام بلا مشاركة في تفاصيل الموقف أو تواصل غير صادق لتحقيق منفعة شخصية.
* تنمية التواصل بين الزوجين:
هذه بعض النصائح والفوائد الأساسية التي تساعد في تنمية التواصل الفعال بين الزوجين.
(1) على الزوجين أن يسأل كل منهما الآخر كيف كان يومه بكل تفاصيله ثم يستمع له باهتمام فهذا في حد ذاته يشعر الزوجين بأهميته في حياة الآخر.
(2) عقد جلسات سنسميها جلسات تفريغ الانطباعات ويخصص لها وقت محدد وثابت، وفيها يتحدث كل طرف للآخر عن انطباعاته ومشاعره وعن ما أغضبه وما أقلقه وما أسعده تجاه المواقف الحياتية والأسرية والزوجية خلال اليوم أو الأسبوع وهذا له فائدة مزدوجة فهو نوع من الفضفضة وأيضاُ ينمي فن الحوار بين الزوجين وطريق جيد لتحليل وحل المشاكل.
(3) مشاركة الزوجين في نشاط اجتماعي أو ثقافي أو ديني أو ترفيهي محبب لكليهما.
(4) احترام وتقدير كل من الزوجين أنشطة واهتمامات الآخر ما دامت حلالا ومفيدة والتي ربما تختلف مع اهتمامات أحدهم وبذلك تعطي رسالة لشريك حياتك أنك تحب هذا النشاط لأنه يحبه.
(5) التفاعل مع اهتمامات وأنشطة شريك حياتك، يعني لو زوجك يحب الشعر حاولي أن تشتري له ديوان شعر لشاعر يحبه، لو يحب قراءة نوع معين من الكتب فحاولي أن تشتري له تلك الكتب، وإذا كانت زوجتك تحب مكانا معينا فلتصحبها إليه لتقضيا وقتاً ممتعاً، ولو شاهد أحد الزوجين برنامجاً تليفزيونياً يتكلم عن أشياء تفيد أو تمتع الآخر فليشاهداه سوياً أو يكتب للآخر ملخصا عما قيل.
(6) لا يذكر أحد الزوجين عيوب الآخر ولا تتم مناقشة المشاكل أمام الأصدقاء أو الأهل أو الأبناء.
(7) على الزوجين اختيار الوقت المناسب في ساعات الصفاء لمناقشة مشاكل أو طلبات الأسرة ولا تتم المناقشة أثناء الإرهاق النفسي والجسدي أو وجود مشكلة أخرى.
(8) يتفق كلا الزوجين على أيام معينة في الأسبوع يشتركان فيها معاً في نشاط فكري ثقافي، كأن يقوما بقراءة كتاب أو بحضور ندوة أو بمشاهدة برنامج حواري هادف في أي مجال، ثم:
(أ) يتناقشان مع بعضهما في الموضوع المطروح.
(ب) يذكر كل منهم انطباعاته ومشاعره تجاه هذا الموضوع.
(ج) يذكر كل منهما اقتراحاته في هذا الموضوع، وهذا ينمي التواصل الفكري بين الزوجين
(9) ركز وطور من إيجابيات ومميزات شريك حياتك قبل أن تنظر إلى سلبياته وعلى الزوجين الاجتهاد في التخلص من العادات والسلوكيات السيئة التي تهدد الكيان الزوجي، ففي الحديث الشريف من حديث أبو هريرة قال رسول الله (لا يفرك مؤمن مؤمنة. إن كره منها خلقا رضي منها آخر) (صحيح مسلم).
(10) اختيار أساليب وكلمات مهذبة ورقيقة للحوار وفي نفس الوقت توصل المعنى، ففي كثير من الأحيان يكون سبب الخلاف بين الزوجين هي طريقة وأسلوب وكلمات الحوار لا طبيعة المشكلة، فالكلمات الجافة الجارحة والوجه العبوس وأسلوب العناد والصوت القاسي المرتفع لا يحل المشكلة بل يزيد الأمر سوءاً لذلك على الزوجين ألا يستسلما للغضب والعناد والعتاب الجارح، ويستبدلان ذلك بأسلوب أكثر رقة وأكثر تأثيرا فمثلاً قبل يد زوجتك واحضنها ثم قل لها (يا حبيبتي أنا تضايقت منك لأنك نسيت ما قلته ولماذا قلت وفعلت كذا يا روحي أنت تعلمين أن هذا يزعجني ويوجد ما هو أفضل من ذلك وأعرف أنك أكثر حكمة من هذا وأن هذا لا يرضيك فلنتفق على حل وسط)؛
وأنتي أيتها الزوجة قبلي رأس زوجك واستعملي رقة وحنان الأنوثة وقولي له بابتسامة (حبيبي لماذا فعلت هذا هل لك رؤية لم أفهمها؟ فأعلم أنك أكثر حكمة من هذا وأعلم أنك ربما كنت مرهقاً من العمل أو هناك سبب لا أعلمه جعلك تقول وتفعل ذلك يا روحي أنت كل حياتي ودائماً أنتظر منك أفضل الأمور لأنك قائد هذا البيت)، هذا الأسلوب الرقيق المهذب يزيل مشاعر التوتر والغضب والعناد التي تسيطر على الزوجين أثناء الحوار.
(11) على الزوجين ربط وجودهما في البيت بالمرح وبالرومانسية والحنان وليكن بالقبلات والأحضان عند الاستيقاظ من النوم وعلى الزوج أن يقبل ويحضن زوجته، عندما يخرج من العمل وعندما يرجع ويقول لها مثلاً (بحبك يا روحي)، خلق روح المرح والدعابة بين الزوجين ولا تقل أن ذلك يقلل الوقار والاحترام بينكم أو أنه مضيعة للوقت فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسابق السيدة عائشة ويدعوها بعائش.
(12) شاور واستشرْ زوجتك في أمور حياتك وخذ برأيها إن كان صواباً ولا تستند بحديث شاوروهن وخالفوهن فإنه موضوع عند علماء الحديث.
(13) عدم الإفراط في الأنشطة التي تأخذ الوقت كمشاهدة التلفاز والجلوس على الشبكة العنكبوتية فهذا الإفراط يقلل من الحوار والتواصل بين الزوجين.
(14) لابد أن تكون العلاقة الخاصة بين الزوجين في وقت وجو مناسب بعيداُ عن مشاكل الأسرة وبعيداً عن أي إرهاق نفسي أو جسدي للطرفين وأن تكون العلاقة تعبيراً عن أقصى درجات الحب والقرب، فالحياة الزوجية مليئة بالأفكار والمشاعر والمواقف والمشاكل الأسرية والزوجية والتي لا يكفي الحديث فيها لمقال أو عدم مقالات لذلك سوف نتكلم فيما بعد في مقالات أخرى بإذن الله عن بعض مشاكل ومواقف معينة في الحياة الزوجية وكيف نتعامل معها.
واقرأ أيضاً:
فن إدارة الخلافات الزوجية / أسباب فشل الحياة الزوجية / التكافؤ بين الزوجين أحد مقومات الرباط الزوجي / الرضا الجنسي بين الزوجين؟؟