الجائع الذي يتضور جوعا، والمريض الذي لا يجد دواء، والطالب الذي لا يجد لمبة كهربائية يذاكر في ضوئها دروسه، كل هؤلاء لا أحد يجرؤ أن يطالبهم بأن ينتظروا، لو سمحوا!!، حتى نعرف نتائج المفاوضات المعلنة، والمفاوضات الحقيقية تحت المائدة، في الغرف المغلقة، ومع ذلك، فلا ينبغي أن يكون كل همنا هو أن يأكل هذا الجائع، أو يقف نزيف هذا المجروح أو أن يذاكر هذا الطالب، فنتلهى بذلك عن الاحتلال المتمادي، والإبادة المنظمة، ومن ثم عن حتمية الحرب من الجميع، طول الوقت، كل أنواع الحرب الحقيقية أو على الأقل أن نعطي الفرصة الحقيقية لمن يريد أن يحارب ولو دفع الثمن وحده، فلا نكمل عليه ونطعنه في ظهره.
ترددت في الكتابة في هذا الموضوع الشائك، خوفا من سوء الفهم والهجوم. حين أيدت معاهدة السلام كنت في موقف مشابه، لقد أيدتها لأنني كنت أعلن لنفسي الاستسلام، وهو ليس عيبا لأي مقاتل شجاع، ينوي أن يكمل مع أنه مؤلم وقبيح، أن تستسلم لمثل هذا العدو بالذات، وحين صوروا لنا السلام على أنه النصر المبين، قلت ليكن، فليخدعوا غيري، فأنا معهم لأنني قررت أن أدفع ثمن هزيمتي، حتى لو أعلنت هذه الهزيمة مؤخرا بعد نصر مؤزر، فهي هزيمة، ولم أرفض في المعاهدة أو ملحقاتها إلا أن تكون حرب أكتوبر هي آخر الحروب ومع ذلك ساورني أمل أن هذا المصري الذكي المندفع الذي لعبها بالفلح المصري اللئيم، سوف يقدم على خطوات أذكى فأذكى، فهو أقدر، مثل فلاحي بلدنا، أن "يوعد ويخلف"، بفخر مناسب وتبرير جاهز، وبما أنني ممن يمارسون بوعي ما يسمى بالتفكير التآمري، فقد قبلت الرأي القائل أن الأمريكيين هم الذين قتلوا الرجل، لأنهم عرفوا أن من استطاع أن يقدم كل هذا الإقدام، لابد أنه قادر أن يقدم نفس الإقدام الناحية الأخرى، فقتلوه، ما علينا، الذي حدث قد حدث، وتمادت إسرائيل –وتتمادى- فيما تفعل بنا كيف شاءت وقتما تشاء، وتحسس عليها حكومات الغرب بطولها وعرضها –دون بعض شعوبهم- طول الوقت، و"عيب كده، وما يصحش، وممكن والله تقتلوهم بالراحة شوية، طيب ممكن توقف توسيع المستوطنات وحياة والدك"، وهو اعتراف ضمي بأن الموجود أصبح أمرا واقعا، وأن القضية هي توسيع المستوطنات، وليست أن المستوطنات عمل غير شرعي أصلا وتماما.
وتتمادى عملية الإلهاء ليحولوا أنظارنا عن جدارهم داخل وطن غيرهم، لا على حدودهم لأن وطنهم بلا حدود، وعن جرائمهم، وأنهم الأصل في هذه الكارثة الجماعية، وأن علينا نحن أن نعاون المظلومين في تحمل الظلم، ليعفوا أنفسهم من مسئولية رفعه، ويأتي الأجانب الطيبون إلى القاهرة، وليس إلى تل أبيب والقدس، ليمرروا المعونات حتى يرتاح ضمير الإسرائيليين الذين حرموا الضحايا من أبسط حقوق الحياة، وكأنه تمهيد لضم غزة إلى مصر مقابل ضم الضفة إلى إسرائيل. ما هذا بالله عليكم؟ وكيف ننساق إلى تحويل الأنظار من جدار إلى جدار، ومن معركة حياة أو موت، إلى جمعية خيرية لمساعدة المساكين؟
أنا لا أعرف بلدا بلا حدود، مهما كانت المبررات!! في بلدتي كانت الحدود بين حقل وحقل تتحدد بجدار من التراب والطين بارتفاع ثلاثين سنتيمترا تقريبا، ولا يجوز اختراق هذا الجدار إلا بإذن الجار، وكان جزاء من يعتدي على جدار الطين هذا قاسيا حتى القتل، وليقل لنا أي من هؤلاء الخواجات الطيبين إن كان يمكن أن يخطو خطوة واحدة داخل أي بلد، دون تأشيرة دخول، فما هذا الذي يجري؟ أم أننا شربنا اللعبة والذي كان قد كان؟.
في بلدنا أيضا يقولون، "ما أقدرش على الحمار أتشطر على البردعة"، وأظن أن على الطيبين الأوربيين أن يتشطروا على الحمار، وأعترف أنهم يفعلون ذلك "على ما قُسم"، لكن المطلوب أن يضغطوا على حكوماتهم لإقامة العدل، أو يغيروهم، وعندهم آلية لذلك، حسرة علينا!!!.
تصورت أن هناك خطأ مطبعيا في صحف هذه الأيام، فأرجوك أن تصححه معي، وقد وضعت خطا تحت الخطأ، لتضع مكان القاهرة "تل أبيب"، ومكان العريش "القدس" ، شكرا.
٠ القاهرة تشتعل بمظاهرات النشطاء الأجانب دعماً لغزة
٠ ..لافتات في العريش تطالب بفتح المعابر
٠ النشطاء الأجانب يتظاهرون أمام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، ضد تجويع غزة
٠ مظاهرات أمام سفارات وقنصليات مصر بأوروبا اليوم
٠ نشطاء يضربون عن الطعام في القاهرة للمطالبة بـ "الإفراج" عن سكان غزة
بالله عليكم هل هذا اسمه كلام؟
نحن المتهمون بتجويع الفلسطينيين، ونحن المطالبون بالإفراج عن غزة؟
رأيت كيف؟!!!!
شكر الله سعيكم
نشرت في الدستور بتاريخ 6-1-2010
اقرأ أيضا:
كل عام ونحن، وأنتم، من جنس البشر العظيم! / كيف استطاع نجيب محفوظ أن يحِب: كل هذا الحب؟!! / اقتراح: تأميم تجارة السلاح عبر الحدود!!