تابعت باحترام شديد، وعرفان، مسيرة ومعاناة أغلب المشاركين فيما يسمى "شريان الحياة"، كما تابعت تداعيات ما حدث. هؤلاء الخواجات الطيبون لا يمكن أن يشك، أو يشكك، أحد في موقفهم النبيل، وتضحياتهم، ثم رجعت إلى ما كتبت في الأسبوع الماضي، ورفضه الكثيرون، ظنا منهم أنني أدافع عن الجدار، فخطر لي خاطر (نتيجة جهلي بالسياسة والحمد لله)، قلت أقدمه للمسئولين والناس.
مذكرة تمهيدية:
أقدم اعتراضي ابتداء على اسم القافلة "شريان الحياة": إن شريان الحياة، مع جزيل الشكر للكرم وحسن النية، لا تجري فيه معونات غذائية، ولا أدوية إسعافية (برغم أهمية وجوهرية هذا وذاك)، إن شريان الحياة تجري فيه دماء العدل، وبلازما الحقوق الإنسانية الأساسية جدا، أن يكون لكل إنسان وطن واحترام متساو، وقد خطر لي أن الاسم الأنسب هو: "معونة الشتاء من الجمعية الخيرية العالمية"، وعلى كل المشاركين -إذا تكرموا- حين يرجعون إلى بلادهم أن يغيروا موقف حكوماتهم الظالم وعندهم آلية ذلك حسب زعمهم: الديمقراطية، فإن لم يستطيعوا، فليغيروا حكامهم بالديمقراطية أيضا حتى يجري شريان الحياة الأولى والأبقى.
معاهدة السلام (واسمها عندي: "وثيقة استسلام مهزوم امتلك الشجاعة ليعلن هزيمته أخيرا"!!) لا أعتقد ]ن من بين شروطها حظر التجارة على المهزوم، ولا تحديد لنوع البضاعة التي يتاجر فيها، ولما كان الواقع الحالي يقول إن مصر قد سمحت بكرمها أن تمارَس التجارة على أرضها، إلى الزبون المناسب عبر الأنفاق، وبالذات تجارة السلاح، (دع جانبا المخدرات وما شابه) حدث ذلك عيني عينك، ولم تجرؤ إسرائيل أن تحول دونه، ما دام المنع ليس من شروط المعاهدة، لا مباشرة ولا عن طريق "كفيلها" أمريكا، فقد آن الأوان أن يتم تأميم هذه التجارة، فتتولاها الدولة بنفسها، خاصة وأن من يمارسها الآن لا يدفع عنها ضرائب، وهكذا نبيع السلاح، سرا أو علانية، أيهما أكسب، عبر المنافذ فوق الأرض، دون زيادة جندي واحد في سيناء عن الذي نصت عليه معاهدة السلام، "تجار يا رجل"!! يلبسون حللا وسراويل أو عقالات وغطف!!!!، أنت مالك؟
هناك شروط يحق لكل تاجر أن يضعها في صفقته، واستكمالا للاقتراح أضع الشروط المكملة التالية:
1- أن تدفع دول الخليج، خصوصا الذين يعايروننا ليل نهار بكذا وكيت، ثمن السلاح كاملا غير منقوص، ونقبض نحن المكسب، مقابل التسهيلات والمخاطرة.
2- أن يصدر السلاح لكل من يثبت أنه سوف يستعمله ضد إسرائيل وليس ضد أي فلسطيني، مع التوصية بعدم استعماله ضد المدنيين أيا كانوا.
3- ألا يوجه هذا السلاح بطريق مباشر أو غير مباشر إلى أي حاكم عربي يواصل تمويل هذه التجارة المشروعة
وبعد (1)
لم تغب عني المخاطر المحتملة المترتبة على هذا الاقتراح، فوجدت لزاما علي أن أعددها، وأقول كيفية التعامل معها:
٠ إذا أخذت إسرائيل على خاطرها، تتفلق، فنحن لم نخالف المعاهدة، وهذه التجارة أصبحت أمرا واقعا، وكل ما حدث أن انتقلت نفعيتها إلى الدولة: صاحبة الحق.
٠ إذا لجأت إسرائيل إلى الأمم المتحدة، نلجأ نحن إلى محكمة العدل الدولية.
٠ إذا لجأت إلى مجلس الأمن، نشتري الأسلحة من الصين، مقابل أن تستعمل حق الفيتو
٠ إذا صدر قرار باللوم من مجلس الأمن، نعتذر جدا، ونواصل ما نفعل، اقتداء بإسرائيل.
٠ إذا نددت بنا إسرائيل في العالم، نعمل نفسنا غير آخذين بالنا.
٠ إذا توقفت الدول الممولة، فقرا أو جبنا، نتوقف بدورنا، فنحن الأفقر مع أننا الأشجع.
٠ إذا أعلنت إسرائيل الحرب، فالويل لها، نحارب كلنا، نحن ومن هاجمنا وعايرنا، وعلى من تخلى عن خوض الحرب فعلا، لا فضائيا، أن يراجع نفسه وما يقوله هذه الأيام، وسوف ننتصر حتما إذا تخطت إسرائيل حدودنا، فجيشنا على أتم استعداد، ورجالنا البواسل مشهود لهم أنهم من أشجع المقاتلين في العالم حالا وتاريخا، (لو لم يأتهم أمر بالانسحاب)
٠ إذا انتصرنا نواصل التجارة ونمول المقاتلين داخل أراضيهم علانية، ولا نتعدى حدودنا.
٠ إذا انهزمنا، نعلن الاستسلام بشجاعة أكبر من شجاعة كامب ديفيد، ونبدأ من جديد، وهكذا.
وبعد (2)
إن الذي يعتقد أنني أسخر، عليه أن يراجع نفسه، فيتذكر أولا أنني لا أفهم في السياسة كما ذكرت من البداية، ثم يسأل نفسه: أيهما أكثر سخرية، أنا بما اقترحت حالا، أم الذي يعتقد أن الوطنية والشهامة والشجاعة يمكن أن تختزل في مواصلة الطنبلة (= التطنيش بالعامية) على ما يجري فوق أراضينا وعبر حدودنا، ونحن نخدع أنفسنا ونتصور أننا بذلك أبرأنا ذمتنا بدعم المحاربين، فأعفينا أنفسنا من الحرب بكل تشكيلاتها؟؟!!.
نشرت في الدستور بتاريخ 13-1-2010
اقرأ أيضا:
كيف استطاع نجيب محفوظ أن يحِب: كل هذا الحب؟!! / المشاركة في الحلول التسكينية،.....يميّع المسائل بلا حل!! / الإبداع المغامرة، والإبداع المؤامرة في السلم والحرب