أمواج متلاطمة من الأفكار في ذهني، تهيجها عواصف من الأحداث المعروفة والمآسي المعهودة، تمنع إبحاري في محيط الكتابة وتجعل كلماتي تهتز يمنة ويسرة.... فيكتب قلمي كلمة من هنا وكلمة من هناك، ويلتقط حدثًا يعلق عليه، فما إن يظن نفسه استرسل فيه، حتى يأتي حدث آخر يعصف به باتجاه آخر ليكتب فيه، وإذ به يتركه مرة أخرى مكرهًا، وتتقاذفه عواصف الأحداث إلى مكان آخر...
أتمنى أن أكتب فأصف ذلك البحر الهائج...
أتمنى أن أنقذ الغرقى من حولي...
أتمنى أن أخبر الغافلين في السفينة، والمتمددين على الشاطئ تحت الشمس الدافئة...، أتمنى أن أخبرهم بحال السفينة علّهم يهبون للمساعدة، ويهرعون للإنقاذ...
ماذا أقول؟
ومن يسمع لي؟
وهل يستطيع صوتي أن يغلب صوت الرياح العاتية التي تصم الآذان؟
لا بأس، لي أسوة في إبراهيم الخليل الذي أذن في الناس بالحج فجاؤوه من كل فج عميق...، عليّ الكلام وعلى الله البلاغ والإسماع...
عن ماذا أكتب؟
عمن يفعل ما يبدو له، فلا يلتزم بآداب، ولا أخلاق، ولا قانون... ويقول: أنا حرّ... ثم تنظر إليه فتجده عاجزًا حتى عن أن يختار ثيابه حسب حريته الشخصية!!
الكل مجبر أن يلبس البنطال الضيق، الذي كاد أن يصبح أرجلاً فقط (دون ما فوقها)!!.. وتبحث في السوق فلا تجد غيره!! وماذا لو رغب أحدهم يومًا أن يلبس البنطال العادي؟ أو الواسع؟ أليس حرًا في أن يلبس ما يريد؟!! لكن.. لا تجد إلا الضيِّق! ولو قام فخاط ثوبًا حسب حريته الشخصية لنظر الناس إليه نظرة استغراب، واستهزاء، وأشاروا إليه بالبنان، أن انظروا ماذا يلبس!!
ثم يقولون: نحن أحرار نلبس ما يحلو لنا!! لماذا الإسلام يحرم المرأة من لبس ما يحلو لها، ويأمرها أن تلتزم لباسًا معينًا؟؟ لماذا يحدد لباس الرجل أيضًا؟؟ فلنلبس ما يحلو لنا!! ثم تراهم لا يلبسون إلا ما يحلو لأعدائهم الذين يكيدون بهم من الإنس والجن!! وهم عن ما يصنع بهم غافلون!!
على الأقل لباس الإسلام يستند إلى مبدأ... على الأقل يرعى المصالح الأخلاقية للمجتمع... على الأقل أمر به خالق الكون، الذي يريد الخير للبشر... وكل هذا مفقود في ألبسة الحرية المزعومة!!
عن ماذا أكتب؟
عن النفوس المريضة، التي لم يبقَ مرض إلا وحلّ فيها!
عن ماذا أكتب؟
عن مراقبة النفس المفقودة عند المسلمين؟ بل عند الملتزمين منهم؟
عن ماذا أكتب؟
عن الذي يضرب أخته، ويهين أمه، قبل أن يذهب لدفن قريبه بدقائق؟!! ولماذا تدفنه أيها الغافل؟؟ غدًا يصنع بك ما صنع به... وأنت غافل لاهٍ!! ثم تنظر أمامك فلا تجد إلا عملك ودخانه الأسود... أتنتظر ذلك اليوم حتى تبصر وتسمع؟ ولو سألناك: ألن تموت: لقلت بلى، نسأل الله الرحمة!! اذهب فارحم نفسك أيها المسكين...
عن ماذا أكتب؟
عن أشعث أغبر مدفوع بالأبواب...عاجز مريض... فاحت العطور من سريره لما مات وهو في ريعان الشباب!!
أين أنتم يا أصحاب الأموال والكراسي؟ أين أنتم يا من كنتم تحتقرونه؟ أين أنتم يا من تعتقدون أنكم أسياده، وأنه لا يليق بكم محادثته؟ أين أنتم وبضاعتكم في الدنيا كره الناس لكم... ودعاؤهم عليكم!! فما بالكم بحصاد الآخرة؟ والله أعلم بعباده، نسأل الله العافية...
أين أنتم أيها الناس؟؟ لا أدري كيف حريتكم الشخصية تجعلكم تختارون الشقاء لأنفسكم؟ افعلوا ما بدا لكم... فأنتم أحرار!!
عن ماذا أكتب؟
عن حيرتي في كيف أخاطب الناس؟ عن حيرتي كيف أفهم شبابنا أن يرأفوا بأنفسهم... أن يبتعدوا عن المحرمات التي تحرقهم في الدنيا قبل الآخرة؟
كم وكم وكم سمعنا الفتاة تقول في أول روايتها: تعرفت عليه... هو توأم روحي... هو المناسب لي... ثم... بعد فترة وجيزة... تراها تقول: الخائن...الكذاب... ضحك عليّ ورماني... وتبدأ تغني أغنيات العتاب... وتبث أحزانها... ثم تعيد الكرَّة مرّات ومرّات... أو تذهب إلى الطبيب بمئات الآهات والآهات!!
كم وكم وكم سمعنا الشاب يذهب ويجيء معها.. وتستهويه حتى يفلت منه الزمام ويقعا في معصية نكراء... ثم يفيق ويقول: لا يمكن أن أرتبط بها... كيف أطمئن غدًا أنها لن تخونني!!
يا أحرار... اختاروا لأنفسكم ما يليق بها!! يا أحرار... كل هذه العبر من حولكم وتنتظرون أن تجربوا بأنفسكم؟!! والسعيد من اتعظ بغيره!
تصرخون: أشعر بظمأ للزواج... وتملؤن الدنيا صراخًا... وتلقون باللوم على المجتمع، ثم على العلماء الذين لا يجدون الحلول... ثم نبحث عنكم فنجدكم خلف المواقع الإباحية، أو قنوات العهر... أو في الزوايا المظلمة مع الإدمان ... والشذوذ... وووو.... فأين دوركم في الحلّ؟؟ ألا تمتنعون عن إثارة أنفسكم؟ ألا تشغلون أنفسكم بالنافع؟ ألا تسألون من هو مالك أمركم أن يفرّج عنكم؟ أم ألقيتم أنفسكم في النار... وأبيتم الخروج... ثم جئتم تصرخون وتشتكون الآلام...وتلقون باللوم على من حولكم... أنتم أحرار!!! ذوقوا ما اخترتموه لأنفسكم!! ذوقوا ما أنتم تكسبون...!
تدّعون الحرّية، ثم تستعبدكم شهواتكم فلا تستطيعون قول: لا.. عندما تأمركم بما يضرّكم!! أنتم أحرار... فافعلوا ما بدا لكم...
عن ماذا أكتب؟
عن دعاة يربون النفوس... ثم يفور أحدهم ويغضب إذا نُصح ووعظ... إذا جودل في زلة زلَّها... إذا كان عدد الحضور في مجلس غيره من الدعاة، أكثر من عدد الحضور في مجلسه!! ثم هو الطبيب الذي يداوي أمراض النفوس!!!
قد ترفعون حاجبكم استغرابًا.. كيف أتكلم عن الدعاة؟!! بل وأتكلم عن نفسي أولاً!!
آهٍ..
أنا السبب... لو كنت أحسن الوقوف بين يدي الله تعالى... سنوات وسنوات من الركوع والسجود... ثم لا أحسن ركعتين دون أن أشرد!! سنوات وسنوات من التفكير... ثم لم أتعلم سباحة أنقذ بها الغرقى... كيف بي وقد تعلقوا بي يوم القيامة غدًا يصرخون بي: لمَ لم تخبرينا؟؟
ماذا أقول؟ الحق على من؟ عليّ أنا؟
أم على من لا يريد أن يسمع؟
أضع رأسي على الوسادة وأنا أفكر: كيف أتكلم؟؟ وماذا أكتب؟؟ ومن أين أبدأ؟؟ وماذا أفعل؟؟
وأستيقظ وأنا أنظر... وأحلل.. وأفكر... ثم ماذا؟؟
هل تشعرون يا ناس بحبي لكم؟ ورغبتي في إسعادكم؟ هل تسمعون صوتي؟ أم ماذا؟
الحق على جهاز الإرسال أم على جهاز الاستقبال؟؟ .... أم على كليهما معًا؟
أنا معكم، الحقّ عليّ أنا....
لكن هل تهلكون أنفسكم بسبب تقصيري؟! الذنب ذنبي... فما عذركم؟ ألا تنقذون أنفسكم إذ أذنبت أنا؟؟
لا مفرّ لكم!! إن كان الذنب ذنبكم فعودوا....
وإن كان ذنبي، فلا مسوغ لإهلاك أنفسكم بسبب ذنبي!! وليس أمامكم إلا أن تعودوا...
إلا أن تفروا إلا الله تعالى...
وتعودوا أحرارًا كما خلقكم....
واقرأ أيضاً:
مهلاً... أنا عندي مشكلة أيضاً... / فيلليني مشاركة1