كان سكوت هاينر في السابعة من عمره، عندما أصابه كسر في الجمجمة وثلاث ارتجاجات كبيرة من جراء سقوطه عن الخيول. ولا أحد ربط هذه الحوادث بالصعوبات التي واجهها في المدرسة، فقد توقف عن الكلام لمدة ثلاثة أشهر وكان يبكي يوميا لمدة عامين.
لما صار كبيرا، بدا أنه يتحسن، كان وسيطا ماليا ناجحا، إلى أن حدثت إصابة الدماغ من لعب كرة القدم عام 1999 فأدت إلى نوبات مرضية وهمشت قدرته على التحدث إلى الناس؛ فبدا الأمر جديا هذه المرة.
إنجازان حولا حياته في حوالي سن ال 42.
أولا، أنه أدرك أن إصابات الدماغ كانت وراء الاضطرابات إنه عاناها طوال حياته. والثانية، أنه قرأ عن ليونة الدماغ – مفهوم مفاده أن الدماغ يمكن أن يلتئم ويتعلم في جميع الأعمار.
"لقد كان مصدر ارتياح"، يقول هاينر، الذي أدى تدريبه لسنة 2008 في جامعة تكساس في دالاس مركز صحة الدماغ للمساعدة على استعادة قدراته التي يعتقد أنها كانت قد انتهت منذ فترة طويلة. "لقد ساعدتني التداريب على استعادة احترام الذات والثقة بالنفس، وأعطتني الأمل".
المرونة العصبية، أو قدرة الدماغ على التكيف والتغيير خلال الحياة، تحظى بانجذاب متزايد في الأوساط الطبية.
الدكتور نورمان دويدج، مؤلف الكتاب الذي حقق أفضل المبيعات "الدماغ الذي يغير ذاته": قصص عن انتصار شخصي من حدود علوم الدماغ، يشير إلى المرونة العصبية بأنها "أهم تغيير في فهمنا للدماغ في أربعة مائة سنة".
"لوقت طويل اعتقد أفضل وألمع علماء الأعصاب أن الدماغ كآلة، مع أجزاء، كل جزء يؤدي وظيفة عقلية واحدة في موضع واحد"، كما كتب رسالة بالبريد الإلكتروني من جامعة تورونتو (وهو يدرس أيضا في جامعة كولومبيا). "كنا نعتقد أن دوائره كانت ماثلة وراثيا، تم تشكيلها، وصياغتها نهائيا في مرحلة الطفولة"، وهذا كان يعني أن الأطباء لم يكن من المفترض بإمكانهم فعل الكثير لمساعدة ذوي الإعاقات العقلية أو التلف في الدماغ، كما يقول -لأن الآلات لا تنمي أجزاء جديدة. التفكير الجديد غير ذلك-: "وهذا يعني أن العديد من الاضطرابات التي اعتقدنا أنه لا يمكن التعامل معها يجب أن يعاد النظر فيها".
الدكتور جيريمي دينينغ جراح الأعصاب في فريق بلانو بايلور الطبي، شاهد ذلك خلال ممارسته الخاصة:
"لدى الدماغ قدرة مذهلة على إعادة تنظيم نفسه من خلال تشكيل وصلات جديدة بين خلايا الدماغ"، يقول دينينغ. وقال "كان لدي مريض أجريت له عملية جراحية قبل عام الذي كاد أن يتوفى من جراء إصابته بجلطة في الدماغ في إحدى شقي الدماغ، وقد تعافى بالفعل من الغيبوبة إلى الشلل النصفي إلى حد خروجه من المستشفى في غضون أربعة أو خمسة أسابيع". وهناك دراسات عديدة تبحث في التغييرات التي تحدث على المستوى الجزيئي في موقع اتصالات الخلايا العصبية. إنها ظاهرة معقدة جدا، ونحن لا نزال في مرحلة الطفولة في الفهم التام لها.
وتعتقد الدكتورة ساندرا تشابمان في المرونة مدى الحياة. كإحدى مؤسسات لمركز صحة الدماغ، قالت أنها صممت العديد من الدراسات لاستكشاف الكيفية التي يمكن لهذا المفهوم أن يساعد أولئك المصابين بتلف الدماغ وكل فرد، بمن فيهم ذوي دماغ كبار السن، والتلاميذ المتوسطي المستوى الذين يحتاجون إلى دفعة دماغ والأطفال المصابين بالتوحد والذين يحتاجون إلى مساعدة تجديد نشاط الدماغ من أجل تحسين الإدراك الاجتماعي.
أشخاص مثل هاينر كان بإمكانهم الاستفادة من بعض هذه الدراسات، على الرغم من أن مركز صحة الدماغ هو في المقام الأول معهد بحثي صرف.
"إن الدماغ هو واحد من أكثر الأجزاء القابلة للتعديل في كل جسمنا"، تقول تشابمان.
هذا يعني أن ممارسة الرياضة البدنية تماما كما تحافظ على الجسم السليم، النوع السليم من التعلم سوف يجعله أكثر احتمالا لأدمغتنا لمواكبة التوسع المستمر لنا مدى الحياة، تلاحظ الباحثة.
حتى مع استخدام أحدث أجهزة المسح الضوئي عالية التقنية لرصد النتائج في دراساتها، وعندما يتعلق الأمر بصحة الدماغ تركز تشابمان أكبر التركيز على اختبار اللياقة البدنية للدماغ، الذي يجري عبر مقابلات شخصا لشخص مع استخدام الألغاز، الورق، القلم، قلم الرصاص وفقط بعض أسئلة الكمبيوتر القليلة.
يكلف "الفحص الدماغي" في المركز 600 دولار. استنادا إلى النتائج، يوصي الخبراء بإستراتيجية و فردية بسيطة عادة ما تركز على ثلاثة مجالات رئيسية هي:
- الاهتمام الاستراتيجي: المهارة لحجب التشتت والتركيز على ما هو مهم. يمكن للتمارين أن تشمل الاهتمام بالمحيط الخاص بك، وتحديد ما يصرف الانتباه والقضاء على تلك الأشياء أو الحد منها، وإنشاء قوائم أولوية يومية.
- الاستدلال المتكامل: القدرة على العثور على الرسالة أو الموضوع الذي تشاهده، تقرأه أو العمل الذي تعمله. يمكن للتمارين أن تشمل تلخيص لمعنى كتاب قرأته أو فيلم شاهدته وكتابة تفسيركم.
- الابتكار: الرؤية لتحديد الأنماط والخروج بأفكار جديدة، ومنظورات جديدة وحلول متعددة للمشاكل. يمكن للتمارين أن تشمل التفكير في حلول متعددة لمشاكل كلما طرحت، والتحدث إلى أشخاص آخرين للحصول على وجهة نظر مختلفة، وأخذ الوقت للابتعاد عن مشكلة ما لإعطاء الذات فرصة للأفكار الإبداعية. ويقول هاينر عن جلسات التدريب التي حضرها لمدة شهرين وأكمل تدريبات منزلية -إنها لا تقدر بثمن-.
فقد استخدم الكثير من العقاقير والأدوية، التي لم تحقق أية فائدة مرجوة. فالراشد المصاب بإصابات الدماغ الناجمة عن صدمات يميل إلى الانغلاق والتقوقع، ليدخل دوامة من الانهيار والخوف، ليكون الاتجاه نحو التوقف التام.
ويتشبث هاينر بأعمال المركز عبر تعلمه غربلة المعلومات والتفكير الابتكاري وما هو مهم وما هو غير مهم، وتطبيق ذلك على الحياة الحقيقية، لا يخلط بين الأمور ولا تشوشه.. مستطيعا اتخاذ القرار على الأمور الهامة التي ينبغي القيام به كل يوم.
ولا فوات للأوان من أجل التعلم، كما أن بعض التغييرات الفسيولوجية في الدماغ تأتي مع التقدم في السن.
الفصوص الجبهية، والتي تتحكم في التفكير النقدي، إصدار الأحكام، الاستدلال، وحل المشاكل، يتسارع نموها ب من 16 إلى 25 سنة، ويمكن أن تبدأ في الانخفاض بعد سن أل 30، لا سيما إذا لم تبذل الجهود للحفاظ على لياقة الدماغ، كما أن الذاكرة وقدرات المعالجة قد تتباطأ مع تقدم السن أيضا.
في الوقت نفسه، الدماغ، مثل الجسد، لا يمكن أن يظل محافظا على لياقته في المجالات الأساسية وعلى مر السنين، فمن الممكن أن الاتصالات التي يصنعها الدماغ قد تصبح أكثر عمقا مع التقدم في السن.
وبإمكان الأشخاص في الثمانين والتسعين من العمر أن يفعلوا أشياء عظيمة، ربما يفعلون ذلك بشكل أبطأ قليلا، ولكن يمكن القيام بها على مستوى أعمق بكثير.
ما يجب تفاديه من أجل دماغ صحي
٠ الحرمان من النوم
٠ تعدد المهام
٠ الإجهاد
٠ الارتجاجات
٠ الاكتئاب
٠ بعض الأدوية والمعينات على النوم
٠ التخدير العام
٠ الفشل في الحصول على المساعدة إذا لاحظت الصعوبات مثل فقدان الذاكرة، عدم القدرة على التركيز واتخاذ القرارات، والتعب من أجل الفهم.
واقرأ أيضاً:
الإيمان بالله يحدث تغييرات في الدماغ / اختيار الدراسة الجامعية ليس مرتبطا بالشخصية