كتب أستاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور سيد عويس كتابا جميلا اسمه "هتاف الصامتين" جمع فيه تلك العبارات الطريفة والجذابة التي يكتبها سائقوا السيارات، النقل بالذات والنصف نقل، وأحيانا التاكسي (والآن الميكروباصات والمقطورات) على مؤخرة عرباتهم، قام فيه بدراسة بالغة الأهمية لهذه العبارات. رحت مؤخرا أتابع بعض ذلك سواء وردت في الكتاب أم لا، معتمدا على ذاكرتي، فوجدتها تحتاج إلى دراسة جديدة وتفسير مغامر، مثل: "ما تبصش كده يا عبيط، دانا جاية بالتقسيط"، أو "ما تبصليس بعين رضية، بص للي اندفع فيـّه"، نبهني ذلك إلى البحث في وظيفة كتابة هذه العبارات، وليس محاولة تفسير محتواها اللفظي ودلالاته، فرجحت أنها مكتوبة لتكسرعين الحسود، (العين الشريرةevil eye عموما)، وهو موضوع علمي لا يريد الجهابذة أن يدرسوه، لكنني وصلت فيه إلى فرض لا يقبله العلماء العظام جدا، فكتمته في نفسي، وأكتفي هنا بالتلميح إليه سرا: ذلك أنني افترضت أن عين الحسود قادرة على إطلاق طاقة حيوية ما، تستطيع أن تكسر بها هارمونية الاتساق المسئول عن الصحة والتوازن في داخل الإنسان مع نفسه أو مع خارجه، لا عليك، لا تدقّ كثيرا؛
ونكمل: بناء على هذا الفرض المهزوز تصورت أن المُعَرّض للحسد يحاول أن يكسر حدة اختراق هذه الطاقة النشاز بعيدا عن لحن تناغمه مع بعضه ومع ما حوله، بأن يحوّل مسارها، ومن هنا فهمت وظيفة عبارات غريبة ليس لمضمونها المباشر، وإنما لوظيفتها التحويلية، مثلا: حين كنت أقرأ عبارة تقول: "سميحة أخت محاسن"، كنت أهمس لنفسي "طيب وأنا مالي"، لكنني انتبهت أنني بمجرد أنني فكرت في فك هذه الطلاسم، انتقل انتباهي بعيدا عن الهدف المعرض للحسد. ثم إني قرأت مرة هذه العبارة: "هذه العربة مصرح لها بالسير في الممنوع" فتصورت أن هذا استثناء خاص لمثل هذه العربة، لأنها تابعة للأمن مثلا، لكنها كانت عربات ربع نقل قديمة، عرجاء، فاستبعدت ذلك، ثم رجحت أن "السير في الممنوع" هو استثناء يمكن الحصول عليه بشروط ما، وعند تجديد رخصة سيارتي، سألت المسئول عن الشروط الواجب توافرها لمن يريد أن يحصل على هذا الاستثناء، فنظر إلى حضرة الضابط، وتعرّف على وجهي، فرجح أنني أمزح، فخجلت، وضحكت متصنعا أني فعلا أمزح.
أظن أن ما يجري مع الجماعة، (ولا مؤاخذة المحظورة)، هو شيء أشبه بذلك، فلم يعد ينقص خبر انتخاب المرشد الجديد، إلا أن يضيفوا بأنفسهم كلمة "المحظورة" على بياناتهم "الرسمية"، مثل الإخبار الرسمي عنها:
مثلا: "أسدل الستار يوم السبت 16 يناير على واحدة من أعنف الأزمات الداخلية التي شهدتها جماعة الإخوان المسلمين (المحظورة)، بانتخاب الدكتور محمد بديع مرشدا عاما جديدا للجماعة (المحظورة) مما يعد انتصارا للتيار الأصيل على التيار المعارض داخل الجماعة (المحظورة)....إلخ.
ثم لا مانع من ذكر أسماء الناخبين كل واحد باسمه الرسمي، وربما التعريف باسمه الحركي "المحظوري".
أليس من المحتمل أن تخفف هذه التعديلات اللفظية من جانب الجماعة حرج السلطات الرسمية مما هي فيه هكذا!!. ثم قد يتطور الأمر (فالصلح خير) إلى تحقيق التهادن بينهما، ما دامت الجماعة (المحظورة)، قد أقرت بنفسها أنها محظورة كما تريد السلطة، وهذا يكفي لإثبات حسن النية وطبيعة الحظر في آن، كما أنه قد يكسر عين الحسود الذي "ينق" على شعبيتها، ومقاعدها في مجلس الشعب؟
أشعر أنني عقــّدت المسألة وقد تناولها غيري أكثر مباشرة، لكني أظن أنه كان ينقصها أمثلة توضيحية، تبين، ولو لأطفالنا، معنى الكلمات التي نستعملها، فقد خِفت عليهم من البلبلة، سألني حفيدي: "محظورة" يعني ماذا يا جدي؟، فخجلت واستعبطت، وقبـّلته حتى يسكت، وحين انصرف حضرني ما يلي:
لو أن طفلا شقيا ذهب يطلب من أبيه زيادة استثنائية في مصروف اليوم، لأن "نـِفسه" في العسلية "الممنوعة"، فأعطاه والده ما طلب دون تردد، وهو يقول له: ولكن لا تنسى يا حبيبي أنها "ممنوعة"، وأنني نبهتك إلى ذلك، فيجيب الطفل مطيعا أنه يتذكر تعليمات أبيه جيدا، وأنه لذلك أعلن أن ما سيشتريه هو من نوع "الممنوع"، فهو لم يكذب، أو يدعي أنه نسي أن العسلية "ممنوعة"، فيفرح والده بصدقه وأمانته، ويعطيه مصروفه مضافا إليه الزيادة التي طلبها، فينصرف الطفل شاكرا وهو يدعو ربنا أن يزيد الممنوع، ويطول عمر والده، لو حدث ذلك، ماذا يصل للطفل عن معنى كلمة "ممنوعة"؟!
تذكرة خاتمة: البقاء لله، انتقلت القضية الفلسطينية إلى رحمة الله، ومازالت إسرائيل "مزعومة"، ولا عزاء للسيدات (خاصة وزيرات الخارجية) ولا للرجال!!!(خاصة رؤساء الدول).
نشرت في الدستور بتاريخ 3-2-2010
اقرأ أيضا:
الإبداع المغامرة، والإبداع المؤامرة في السلم والحرب / هل ثبت أنه المسيخ الدجال؟؟ يا رب سترك...!! / عن عمق الفرحة، وسرقة النجاح!