لا يوجد أجمل من الفرحة الحقيقية، بمشاركة حقيقية، لنجاح حقيقي، ومع ذلك فمسئولية ما بعد النجاح قد تكون أكبر من مسئولية ما بعد الفشل، والتمتع بالحق في الفرح قد يكون أصعب من الاستغراق في "زن الغم"!!
تعودنا في مصر بالذات ألا نفرح طويلا، وربما هذا ما يجعلنا نردد بسرعة حين نضبط أنفسنا متلبسين بالفرحة "اللهم اجعله خير"، وهذا ليس عيبا في ذاته، ربما كان فيه بعض التذكرة بألا نتمادى في فرحة غير مبررة، أو تنبيها ألا نفرح جدا على حساب الغير، أنا لا أحاول أن أحرم أحدا من فرحته بالفوز، لكنني فقط أتمنى أن نحجّم قيمتها، ونعمق آثارها إلى ما بعدها.
كثيرا ما أسأل بعض أصدقائي المرضى: "إنت آخر مرة ضحكت من قلبك إمتى؟"، وعادة ما يفاجأ المريض بالسؤال برغم بساطته، وقد يسأل "ماذا تعني بـ "من قلبك"؟ فأقول له من قلبك يعني من قلبك، يعني ضحك بفرحة، حتى بدون سبب، فيسكت ويتردد، وقد لا يجيب بعد أن كان مستعدا للإجابة بتحديد وقت آخر ضحكة وعادة سببها، لأنه يكتشف أن الضحك من القلب يحتاج لفرحة تملؤه أكثر مما يحتاج إلى قهقهة ترجرجه، أو قفزة تنط به.
هذا يجعلنا نقف طويلا أما هذه المظاهر الزائطة الغامرة، لا لنرفضها أو لنحرم أصحابها من حقهم فيها، لكن لنرى كيف يمكن أن ينقلب الصراخ والتنطيط رقصا جميلا، وأن نتمسك بفرحة تملؤنا حياة نابضة قادرة فاعلة ونحن معا. إن لم يحدث ذلك، ولم نر أثره في سائر ما بعد النجاح والفرحة، فعلينا أن نعيد النظر في أمور كثيرة.
ننظر مثلا معا الآن في قيمة النجاح، ونأخذ هذا المثل الأخير وهو الفوز بكأس الأمم الإفريقية فهو نجاح بكل المقاييس، سواء كنتَ كرويا وشاهدت جمال الأداء، وقوة العزم، وتكاتف الجماعة، وأبوة القائد، أو كنت مثلي منتسبا لما يجري يحصل على النتيجة من أصوات الشارع تصله رغما عنه كلما سجل فريقنا هدفا، فيشارك ناسه بما تيسر، نتأمل ما جرى ويجري بعد النجاح فنكتشف أن الناجح إن لم تتح له الفرص ليستثمر عائد نجاحه لنفسه ولناسه، فهو عرضة لأن تنقض عليه قوى سلطة ما، شبه دينية (فريق الساجدين) أو سياسية، أو انتهازية تجارية كمية (المكافآت العملاقة وسوق رقيق اللاعبين)، وكل ذلك خليق بأن يسحب الفرحة من تحت قدمي ويحرمه من امتلائه بإنجازه وإنسانيته لنفسه، وناسه.
هذه القضية، سرقة النجاح من صاحبه، وتشويه الفرحة دون تعميقها بما تستحقه، ليست قاصرة على مجال معين، إنها شديدة التواتر مثلا فيما نسميه أزمة التوقف أو الفشل الدراسي لطالب (أو طالبة) كان متفوقا جدا (وهي تظهر بوجه خاص فيما نسميه أزمة الثانوية العامة). التفسير الأغلب لهذه الوقفة المتفوقة هذا هو أن الوالدين (السلطة) كانوا يستعملون هذا الابن كمشروع استثماري، وكانوا يقبضون عائد تفوقه أولا بأول، منذ السنين الأولى في الدراسة، دون أن يعود عليه نجاحه هو ليملأه بحقه في أن يُرى بما هو، وليس فقط باعتباره كتابا مصقولا، وحين يكتشف داخل هذا الفتى تلك الخدعة، (لا شعوريا)، ينام في الخلط، ليكف أهله عن استعماله هكذا، فيفشل، لكنه للأسف هو الذي يدفع ثمن فشله، وهات يا مرض، وهات يا أزمة ثانوية عامة... إلخ
هذا ما صورته يوما في أرجوزة للأطفال، وقد اقتطفت نهايتها بعد أن حوّرتُها إلى ما يناسب الجاري من اقتناص فوز فريقنا لأغراض سلطوية، (دينية أو سياسية أو... كما ذكرت في البداية):
...............
النجاح دا زي عربيَّة جميلة
تبقى حلوة، لو أسوقها،
مش تدوسني
نفِسي فِي عواطف أصيلة
مش تبوسني:
لما أنجح
وأبقى صفر عالشمال
لو في يوم جه بختي مال
أنا مش مشروع تجاري
خللي بالك ماللي جاري
أنا مش شقة وعاوزة خلو رجل
جهدي مش صندوق علف تسمين لعجل
لو تبيعني وتشتريني
أنا مش لاعب. وديني
أنا حاهدمها عالِيهـَا فْي واطيها
بس يا خسارة!! دانا اللي كنت فيها
كنت فاكر إني لمّا أسحبْ نجاحي
من جنابك لما سلمتـك سلاحي
إن أنا بالشكل ده خلصت تاري
أتاريها جت في قلبي، آه يا ناري
أنا نفسي إني أنجح، آهْ لـِنَفْسِي،
وإنت تفرحْ، عـَاليَ حسِّي
بس لو حاولت تأخد مني جهدي
لجل ما ترسم لنفسك صورة قدّي
تبقى مش واخد لي بالك
إن ما ينفعشي أنجحْ لـَكْ بدالكْ
العرق عمرهْ ما يتحول لبودرةْ
حتى لو شرَّبت ناسْـنا حاجة صفرةْ
.....
نشرت في الدستور بتاريخ 10-2-2010
اقرأ أيضا:
هل ثبت أنه المسيخ الدجال؟؟ يا رب سترك...!! / هذه المحظورة: مصرح لها بالسير في الممنوع!!! / قصة قصيرة (جديدة)