تدق الساعة عند انتصاف الليل، ليت الليل يمضي ولا يعود!
كان الليل مساحتي من الزمن ومنك؛ جَدَلُنا ليليٌّ يحلّه ضوء النهار في كل مرة تتقاطع فيها ظلالنا للحظات، لا نحتاج لأكثر من لحظات، ألا تهتز الأرض فتخرّ الجبال في لحظات؟ ألا تدهم السماءُ الصحراءَ بمائها فتسيل أودية بفيضٍ هادرٍ في لحظات؟ ألا يومض البرق في لحظات فينفجر رعداً يشق السماوات؟ تلك اللحظات دوماً أغرتنا بالعودة ليلنا فنستأنف الجدال ونسمع الموسيقى.
قل لي بالله عليك: لِمَ يأتي الليل الآن؟ أتتحدانا الليالي الخرساء بأن تَعودَ ونحن لا نعود؟ أتطول حتى يقلّبنا السهاد على مهل فلا نطيق نور النهار بعده؟ ترمي بعتمتها في أحداقنا فلا نرى إلاها، وتلفّنا بثوب حِدَادِها دون أن نجد من يعزّينا، تعزلنا عن أرواحنا وتّحِلُّ فينا فنهجر ضجة الحياة طوعاً إلى صمتها الثقيل... ليس الليل ليلاً بل ظلمة صماء لا يهزها أنين المضجعين على شوك الأمل الملتحفين برد الحال، ليس النهار نهاراً بل نار لافحة تحرق لحظات تلاقينا وتسفها رماداً في مآقينا.
نسير مسرِعَين وكأننا نلحق شيئاً لاح في الأفق، لكننا لا نصل! نفرد أسئلتنا ونرتبها ثم نبحث عن أجوبة في وجوهنا، لكننا لا نجد! نعرف أن بعد الحافة جرف هاوٍ من الأحزان، لكننا لا نقف! لسنا مراهِقَين فقد أنضجتنا.
الأيام بصنوف عذاباتها وبأوجاعها من كل لون، روَّضَتنا فلا نتمرد وإن أجرعتنا سُمّاً، نصبر ونتجلد وإن ألهبت ظهرينا بسوط خيباتها... كلا لسنا مراهقين، لكن الأفئدة عصيٌّة على الترويض، عنود لا تلجمها الدربة وطول المِران.
النوم لا يخاصم إلا العيون الوحيدة، والحسرات لا تجالس إلا القلوب الوحيدة، والوحدة لا تقيم إلا لدى الفاقدين...
اقرأ أيضاً:
في التفاصيل / التقرير