أجمل شيء في الكون هو متعة الاكتشاف... ساعات الدنيا بتبان مقفلة وغامقة وكأننا جبنا آخرها ودي بتكون من أصعب لحظات عمرنا.. منذ أيام كان لدي متعة اكتشاف شيء جديد، التأمل علي الطريقة الصينية "تشي كونج" أي التفكير العميق.. كنت مدعوة لجلسة التأمل بحديقة الأزهر بمعرفة أحد المدربين المتخصصين الذي كان ضيفا علي في إحدى حلقات أرجوك افهمني. وكان الترتيب أن يتم عقد حلقات التأمل في كل مكان في العالم في ذات الوقت بحيث يصبح هناك مجموعة من البشر في حالة تأمل على مدى أربع وعشرين ساعة متواصلة نظرا لفروق التوقيت.
لم يكن ذلك الترتيب فقط هو ما جذبني للحضور رغم عدم معرفتي السابقة بتلك الممارسة ولكن أيضا الشهادات التي قدمها ممارسون سابقون عبر البرنامج عن التأثيرات الإيجابية نفسيا وجسديا من خلال ممارستهم لذلك النوع من التأمل المعروف لدينا باليوجا.
واكتشفت حالة من السكينة الداخلية خلال ساعة الصمت التي خضتها على الطريقة الصينية وأخذ مدربنا يشرح لنا كيف أن طاقتنا الإيجابية ستجذب إلينا الطيور والفراشات وحدث بالفعل، رأيت الفراشات تحلق بيننا وكان شعورا لذيذا فتح نفسي وجعلني أطمع في إفطار شهي أنا وصديقتي على ضفاف البحيرة. ولكن من سبقونا قالوا لنا "الطمع يقل ما جمع" وعلى الأقل فقد صدقوا هذه المرة.فعندما دخلنا مطعم البحيرة لنطلب الإفطار أبلغنا المسئول بأن المطعم يفتح أبوابه في الثانية عشرة ظهرا وكنا الثانية عشرة إلا خمس دقائق، فنبهناه إلى ذلك فانسحب وأرسل لنا شابا يافعا أعطانا قائمة الطعام فاخترنا اتنين فول بزيت الزيتون فاعترض موضحا أن الإفطار ينتهي في الثانية عشرة فاعترضنا مبلغين إياه أن رئيسه سبق وأخبرنا أن المطعم لا يفتح إلا الثانية عشرة أصلا...
وعندما ارتفع الصوت جاء شاب مهذب معلنا سعادته بوجودنا في حديقة الأزهر وسألنا عن طلباتنا وقيدها بوجه بشوش وانطلق لتنفيذها... فإذا بالرئيس الذي ظهر في أول مشهد المطعم يأتينا سائلا عن سبب ضيقنا معتذرا بأنه كان يصلي... وما كدنا نشرح له فإذا به لا يعطينا الفرصة كي يعطينا هو درسا في القراءة وقوة الملاحظة وبأن الخطأ يركبنا من ساسنا لراسنا لأن التعليمات واضحة وجلية على القائمة المطبوعة "وجبة الإفطار تنتهي في الثانية عشرة" وهكذا تحول الاعتذار إلى محاكمة من السيد المتر شعرنا بعدها بالشبع الكامل وسدة النفس وقمنا معتذرين لتطفلنا على المطعم الذي هو لبناني ومعظم قائمته عبارة عن مزات ومنها الفول بالطبع... وفي طريق خروجنا حاول الشاب الذي أخذ منا الطلبات أن يعيدنا إلى المائدة معلنا أنه أبلغ الأوردر للمطبخ بالفعل وهو في طريقه إلينا... فقررنا إن نفسنا اتسدت وأن رئيسه قد أتى إلينا برسالة مفادها أن طلباتنا غير قابلة للتحقق.
وهكذا ساهم هذا العبقري الذي يتوافر في الكثير من الأماكن في مصر في إخراجنا بكفاءة نادرة من حالة السكينة التي ما أن اكتسبتها حتى طارت فقط لأني أردت أن أضيف لها طبق فول بزيت الزيتون: لا توجد خسارة كاملة فقد دخلت المطعم جائعة وخرجت منه شبعانة دون أن يكلفني ذلك مليما واحدا.
اقرأ أيضاً:
قبلت، ثم امتنعت، ثم منعت/ أغنية العمال