لا زال عشقي لأمنا الحبيبة هاجر يزداد يوما بعد يوم الأمر الذي جعلني اسمي صغرى بناتي على اسمها. أوقاتاً كثيرة كنت أفكر في تلك الزوجة والأم التي ضربت لنا أروع مثل يجسد الأمومة الحقيقية والوفاء النادر للزوج الغائب. ولكنني الآن استوقفتني هاجر الإنسانة المصرية بطبيعتها الجميلة.... إني أعتز ككل مصري بوطنيته وأفتخر دوما بانتمائي لتراب ذلك الوطن الحبيب، ويزداد فخري واعتزازي به كلما وجدت في آيات الله الكريمة أو سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم الشريفة ما يمدحه هو أو أهله. ولكن أمام اختيار المولى عز وجل هاجر المصرية لتلك المهمة التاريخية العظيمة أكاد أطير فخرا بكوني امرأة مصرية. فالله عز وجل (يخلق ما يشاء ويختار) ولا شك أن إرادة المولى أن تكون صاحبة تلك المهمة الشاقة امرأة مصرية وراءه معاني كثيرة.
لماذا هاجر المصرية؟ لقد طاف سيدنا إبراهيم ببلدان كثيرة قبل أن يصل لمصر فلماذا اختار الله له تلك الزوجة المصرية؟
المصرية: لأنها الأقدر على تحمل الصعاب ومشقة السفر وعنائه.
المصرية: لأنها تعشق وتقدس الحياة الزوجية حتى وأن كانت الظروف قاسية والمتع قليلة.
المصرية: لأنها تستطيع الصبر على بعد الزوج المسافر سعيا لرزقه وتتحمل المسؤولية عنه وتقوم بواجباته.
المصرية: لأنها الآم التي لا تتحمل أن ترى طفلها يحتاج لشيء وتتركه، بل تدمي أقدامها وتلهب جسدها سعيا وراء ما يسد جوعه.
المصرية: لأنها الصبورة المكافحة. عنيدة مع ظروف الحياة،لا تستسلم بسهولة ولا تضع يدها على خدها حزنا على زوج تركها وتترك صغارها يقتلهم الجوع. لقد سعت سبعة أشواط وكانت على استعداد أن تظل تسعى حتى تسقط من التعب ولا تستسلم للجوع الذي يهدد رضيعها.
المصرية: لأنها التي تخرج للعمل وقلبها معلق بأولادها، لا يشغلها عنهم ولا يلهيها سعي وراء الرزق، فكانت كلما اقتربت من المكان الذي تركت عنده إسماعيل وتسمع صراخه، تهرول مسرعة لتعود له بالطعام ظنا منها أن هرولتها ستسرع بحصولها على الطعام.
المصرية: لأنها المرأة الأكثر حرصا ومحافظة على نعم الله، فهي التي تدخر القروش القليلة لشراء كسوة العيد، وتجمع بقايا الطعام وتصنع منه طبقا جديدا، وهي التي تصنع من ملابس الابن الأكبر ثوبا جميلا للابن الأصغر، فعندما انطلق الماء من تحت قدم إسماعيل وشرب وارتوى وشربت هي الأخرى وارتوت. أحاطت الماء بيدها وأمرته أن يزم، ولو لم تفعل ذلك لأغرق الماء مكة وما حولها وما انتفع به أحد. وهكذا دائما المصرية اقتصادية وليست استهلاكية حتى وإن كانت النعم من حولها كثيرة.
المصرية: لأنها المرأة المضيافة التي ترحب بكل من يطرق بابها، تحسن استقبال من ينزل عليها ولا تضن بما لديها من نعم.. ولو فعلت ذلك هاجر ورفضت استضافة قبيلة جرهم التي طلبت أن تجاورها وتستفيد من الماء لما كان للعرب وجود ولظلت مكة خاوية وربما كانت لغير العرب ولكنها إرادة الله الذي يخلق ما يشاء ويختار.
المصرية: لأنها صاحبة اللسان الحلو والخلق الحسن والعشرة الطيبة، يأنس بها من يجاورها لا يملها ولا يشكو منها، وهكذا كانت هاجر لقبيلة جرهم فأقاموا بجوارها وتكاثروا حتى جاء العرب.
المصرية: لأنها بطبيعتها تنخرط وتندمج مع أي مجتمع، تؤثر وتتأثر، لا تنعزل وتنزوي عن الآخرين، فشب إسماعيل في وسطهم وتعلم منهم ركوب الخيل والفروسية وتعلمت منهم الغزل وكانت ترسل بهداياها لزوجها إبراهيم وزوجته سارة ليطمئن قلبه عليها وعلى ولده ويعلم أن الله استجاب لدعوته وجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، ورزقهم من رزقه الواسع.
المصرية: لأنها التي تحفظ غيبة زوجها وإن طال سفره، لا تفتح باب قلبها لغيره ولا تعطي أذنها لأحد يذمه أو يغيرها من ناحيته... فعاشت هاجر وابنها بعيدا عن حضن الزوج والأب ولكنه كان غائبا حاضرا في قلبها وكلامها وحكاياتها فشب إسماعيل على حب الأب الغائب واحترامه.
هكذا كانت هاجر المصرية..... وهكذا صارت بابا للخير يغمر ببركته كل من يقصده، فكان زمزم من أجلها وابنها، وصار شفاءً وهناءً من بعدهما لكل من يقصده ويأتي من أجله من آخر البلدان.
هكذا ظلت ذكراها وبصمتها هناك في المسعى يتفقد خطاها كل من يزور البيت ويفعل ما فعلته تلك المصرية القديمة، هكذا كانت هاجر المصرية التي أحسنت استقبال جرهم فتزوج منهم إسماعيل ليصير من ذريته خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم وتظل هاجر أم الخير كله، وليظل للمصرين صهرا ونسبا مع جزيرة العرب وكيف لا وإسماعيل أخواله مصريون.
إنني حقا أفتخر بكوني مصرية فرعونية، ولكن من الفراعنة الذين صاروا على نهج الله وشريعته أمثال هاجر وآسيا زوجة فرعون وليس الفراعنة الذين طغوا في البلاد... كم كنت أتمنى أن يفهم الشباب الذي رفع لافتات أحفاد الفراعنة في مباريات الكرة وغيرها ذلك المعنى... وكم كنت أشتاق أن أسمع تلك الكلمات عن الفراعنة الموحدين الذين نصروا موسى عليه السلام، والتفوا حول يوسف عليه السلام وفتحوا قلوبهم لمريم الصديقة..... المصريين الفراعين الذين علموا العالم ونصروا رسل الله...
إن لكل شعب طبائع وصفات وربما يكون هناك من الشعوب من هم أفضل من المصريين ولكن لم يكن يصلح لتلك المهمة سوى هاجر المصرية فاختارها الله وهو الحكيم الخبير.
وربما يكون الزمن قد غير في صفات بعض المصريين ولكنها دعوة لكل مصرية أن تسير على نهج هاجر وتعود لطبيعتها النيلية الخيرة المليئة بالحب والعطاء. فتكون كهاجر الأم والزوجة. أما أنت يا هاجر فكفاك فخرا المسعى الذي كان من أجلك وكفاك أن نصلي عليك وعلى آل إبراهيم في كل صلاة. اللهم اجمعنا بأمنا هاجر في جنتك مع النبيين والصديقين يا رب العالمين.....
ويتبع >>>>: هاجر (أم الخير) المصرية مشاركة
واقرأ أيضًا:
جعلني ناشزا / قصّةُ دمعة / الجنس في حياتنا