نعتني صديقي بالعبيطة، في البداية توترت ثم قررت أن أكتب مقالي كي أعرف نفسي، تهمة العبط جاءت لأني أري أن أي مسئول في مصر يسرق وينهب ويظلم ويستن قوانين جائرة لابد أن يعاني نفسيا وهذا ما اختلف معي صديقي عليه برؤيته أن هؤلاء المسئولين ليس لديهم إحساس من أصله وأنهم يفكرون بطريقة مختلفة تماما فهم يرون أن خيرهم على البلاد والعباد قد زاد وأننا شعب جاحد كسول لا يستأهل أن نرفل في نعيم حكم هؤلاء الفاسدين. وما زلت مصممة حتى الآن على أن الضمير لا ينام مهما طال الزمان وهذا ما تعلمته عبر قراءاتي في مجال علم النفس وبالذات من خلال الكتابات المختلفة عن اللاوعي وكيف يطاردنا في منامنا وفي خيالنا ويظهر في صورة كوابيس وأحلام مزعجة وأنا على يقين من أن هؤلاء المسئولين لا ينامون إلا بالمهدئات أما أنا العبيطة فأضع رأسي على مخدتي أجيب الصبح.
وفي زمن توافرت فيه الدراسات النفسية لم نعد نجهل أن الآلام التي ليس لها سبب مفهوم، وزلات اللسان والسلوكيات المتكررة هي رسائل مشفرة صادرة من لا وعينا وأن هذا الجزء الغامض من نفسنا يشكل الجزء الأكبر من حياتنا. وأتذكر أني في يوم كنت مسئولة عن افتتاح مؤتمر، فصدرت مني بطريقة عفوية "إلى اللقاء، أعزائي المستمعين". كنت أعترف بدون أن أصرح بذلك برغبتي الحقيقية في الانصراف عن كل هؤلاء الأشخاص المملين- فخففت عن نفسي داخلياً... لكني أعود كي أتفق مع صديقي جزئيا في أن اللاوعي موجود كي يحمينا من العنف والرغبات التي لا نعترف بها وتقلقنا لأنها لا تتماشى مع أخلاقياتنا ومثلنا العليا.. وبالتأكيد بين مسئولينا من لا يملك مثلا عليا ولا منظومة قيم على نحو كبير وهؤلاء بالطبع لا يحسون.
باختصار، نحن "نصنع" لأنفسنا لاوعي لنحيا في أمان، ويعيش ضميرنا في "سلام!" وعند هذا الحد اكتشفت أن صديقي لم يقصد إهانتي عندما نعتني بالعبيطة بل هو قصد أن يصم هؤلاء المسئولين بانعدام الضمير الذي لن يجعلهم بحاجة إلى تجنب القلق أو التحرر من تأنيب الضمير. ولكن أتصور أيضا أن كل وقفة احتجاجية عمالية وكل بطانية مفروشة بالليل على الرصيف وكل هتاف يخرج من تلافيف قلب المحتجين "بأن يدوروا على النوم مايلاقوهوش" لابد أن يأتي مفعوله وقناعتي تلك ليست عن عبط ولكن عن علم فنحن الذين سنعيد تربية هؤلاء بإصرارنا على أن يروا ما تعاموا عنه لسنوات.. فهل أنا عبيطة؟
واقرأ أيضاً:
أغنية العمال/ المصري الجنسية كريم درويش