(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً......)(البقرة:143)
نعم نحن أمة الوسط ..هكذا وصفنا رب العزة سبحانه في كتابه الكريم وميزنا عن سائر الأمم بتلك الوسطية الجميلة.... وسطية أخلاق ووسطية دين وفكر، حتى العادات ديننا فيها دين الوسط... ولكن هل نحن حقا امة وسط كما وصفنا رب العزة؟..... للأسف بعدت الأمة كثيرا وأصبحنا دائما في الأطراف فأما مغالاة وتشدد وأما تهاون وتراخي..
وقد بدأ هذا التطرف الفكري والديني في الظهور بشدة في السنوات الأخيرة وخاصة بعد ظهور الانفتاح الفكري عبر النت والفضائيات... وأنا لن أناقش هنا التطرف الديني فلست أهلا له ولكني سأطرح بعض الأسئلة التي استوقفتني لظهور المواقف المتطرفة في الأفكار والعادات.
* كنا في الماضي (قبل ظهور النت والفضائيات) نربي أبناءنا على التهويل والتشديد في طل ما يتعلق بالجنس... وكانت الفتيات تتربى على الرعب من البكارة وما يتعلق بها مما أدى إلى خوف ورعب الفتاة من كل ما يتعلق بالجنس وإهمال العلاقة الزوجية والتركيز فقط على شؤون البيت والأولاد. والتشدد في كل حركة تؤديها خوفا من فقد بكارتها (تطرف)، ثم فاجأنا الإعلام والمجتمع بعد ذلك بنشر الثقافة الجنسية ومناقشتها عبر الفضائيات مع التهوين الشديد حول كل ما يتعلق بالعذرية وتصوير البكارة على أنها شيء تافه ولا ضرورة لوجوده (تطرف) وما ترتب عليه من تهاون بعض الفتيات في ممارسة العلاقات المحرمة واللجوء إلى إعادة البكارة والتحايل على الشرع لصدور الفتاوى التي تبيحه واستهتار بعض الأطباء في عمليات البكارة المزيفة لكل من تطرق باب العيادة وتدفع المال؟..
إلى جانب تصوير العلاقة الزوجية على أنها أهم شيء في الزواج وتتبارى مراكز التدريب لتثقيف الفتيات عن تفاصيل العلاقة وأهميتها وعدم نجاح الزواج بدونها بتدخل العروسة عالمها الجديد بدورات تدريبية في المكياج والعلاقة الزوجية وشنط من المكياج وملابس صارخة وكأنها مقبلة على عالم لا يعرف سوى الجنس، دون الانتباه إلى أن ذلك الكائن الجنسي سوف يحتاج إلى من يرتب له بيته ويصلح طعامه وشرابه ويربي أولاده...
* شدد المجتمع قديما في التفرقة بين الجنسين وإعطاء حقوق ومزايا للذكر دون الأنثى حتى وإن كان على حساب الدين والأخلاق والقيم (تطرف) ثم أصبحنا الآن نطالب الفتاة بأن لها كافة الحقوق مثل الولد تماما من أول الوقوف على نواصي الشوارع والتجول في المولات دون هدف والجلوس على المقاهي إلى ممارسة العلاقات المحرمة قبل الزواج بحجة أنها تملك شهوة مثل الولد (تطرف).
* بالغ المجتمع قديما في علاقة المدرس والتلميذ فكان التلميذ لا يجرؤ على مراجعة المدرس أو مناقشته وبالغ في العقاب في المدارس بالضرب والمد وصور العقاب المخيفة (تطرف) فتربى الأبناء على الخوف والسلبية وعدم التعبير عن الرأي ثم أصبح يتهاون في عرض صورة المدرس الهزيل الذي يتطاول عليه الطلاب ولا يملك عقابهم وهدد التلميذ المدرس في بعض الأحيان بشكواه لو فكر أن يعاقبه بمجرد التذنيب وسارعت الأسر بالشكاوى ضد المدرسين وإهانتهم لمجرد أن يلوح المدرس بالعصا في الهواء في وجه التلميذ المشاغب (تطرف) نشأ عنه استهزاء التلميذ بمدرسه وتطاوله عليه وضربه في بعض الأحيان.
* لم يكن يعرف التلاميذ سابقا شيء اسمه النشاط الصيفي وكانت شهور الصيف يقضيها التلاميذ في الشوارع أو البيوت بلا ممارسة لأي هواية أو نشاط (تطرف). انتشرت بعد ذلك ثقافة الأندية الصيفية وركز المجتمع على ضرورة تنمية مهارات الأطفال واستغلال الصيف لذلك فسارعت الأسر بالاشتراك لأبنائها في السباحة والكاراتيه وحفظ القرآن والرسم والمكتبة دون النظر لاهتمامات الطفل أو إمكانياته العضلية والذهنية ولا حتى الوقت الذي سيمارس فيه تلك الأنشطة؟ (تطرف) وقد رأيت أما طيبة سارعت بتنفيذ ما طالبها به المجتمع عبر الإعلام وغيره بالاشتراك لطفل عمره أربع سنوات في السباحة وكرة القدم والكاراتيه في نفس اليوم وكانت تدفع في فم الصغير الذي أصبح كالكرة المقذوفة بين الأقدام الطعام وهي تنهره ليبلع طعامه بسرعة ليلحق بتدريب الكاراتيه وهو يرتجف بجسده الضعيف داخل الفوطة التي لفته بها فور خروجه من المسبح.
* تربى الأطفال في البيوت في الماضي على السيطرة والكبت وعدم التعبير عن الرأي أو مراجعة الآباء وعلى العقاب البدني الشديد (تطرف)، فنشأ عنه الشخصيات الغير سوية
ومهزوزي الثقة والسلبيين...ثم انتقلنا فجأة إلى عصر الطفل الحر الذي يناقش ويعبر عن رأيه ولا ينفذ أمرا دون إقناع وشرح تفصيلي من الأم أو الأب وأصبحت البيوت تضج بالمجادلات والمناقشات التي تنتهي غالبا بنزول الآباء على رغبة أبنائهم وتنفيذها وهم كارهون (تطرف).
بالغ المجتمع في الماضي في قلة تعليم الفتيات والتحاقهم بالوظائف ومشاركتهم في تنمية المجتمع وكان الإعلام ذات نفسه يركز في أفلامه القديمة على صورة المرأة التي تجلس في البيت ولم يتعرض إلا قليلا للمرأة العاملة وكانت غالبا ما تكون ممرضة (تطرف).... انتقلنا بعده إلى أفلام الفتاة الجامعية التي تصر على إكمال التعليم ورفض الخطاب وإلى عمل المرأة في كل المجالات ومزاحمتها للرجل وبالغ الآباء في تعليم بناتهم فبعض الأسر لم تكتفي بالشهادات الجامعية بل أصرت أن تكمل بناتها الماجستير أو الدكتوراه أولا واستدان بعض الآباء لتأخذ البنت شهادة أوربية أو أجنبية الأمر الذي ترتب عليه أن تركز الفتيات كل تفكيرها في التعليم فقط دون الانتباه إلى السن الذي تحتاج فيه الفتاة إلى من يشاركها المشاعر والحياة وارتفع بالتالي سن الزواج وبالغت الأسر في مواصفات من يتقدم لبناتهن وفي المهور المدفوعة والتي تليق بما تكبده الأب على تعليم ابنته وازداد بالتالي فارق الشهادات بين البنات والبنتين (تطرف).
إنها مفارقات عجيبة إن دلت على شيء فإنها تدل على عدم نضج المجتمع وعدم المقدرة على مواكبة التغيير بطريقة منهجية سليمة وفي النهاية أصبح علينا أن نظل دائما في الأطراف إما أقصى اليمين أو أقصى اليسار وأصبحت أمة الوسط لا تعرف الوسط؟
واقرأ أيضاً:
غزة صمود وأمل / ((جدد سكنك)) / جعلني ناشزا / قصّةُ دمعة / الجنس في حياتنا