ولأنه مصري الجنسية، فإنه حلال فيه أن يفعل ضابط الشرطة المصري به ما يشاء وهو مطمئن على الآخر وآمن أنه فوق أي مراجعة أو محاسبة، ولن يشفع لكريم أنه محام ابن ناس، فذلك لن يحميه من شتائم وإهانات الباشا الضابط ابن قانون الطوارئ ودولة مكافحة الإرهاب، لن يشفع لكريم كارنيه نقابة المحامين الذي ألقاه ضابط الشرطة على الأرض على طول ذراعه ثم داس عليه بالحذاء في دولة القانون!
ورغم أن كريم لم يكن في حالة تلبس (حسبما ضحكوا علينا في كتب القانون) فإن هذا لم يشفع لكريم أن يتلقى من الضابط وخادمه الوفي أمين الشرطة عددا لا بأس به من الصفعات واللكمات على وجهه (رغم أن هذا حسبما تقول الكتب التي تضحك علينا، ليس مسموحا به حتى في حالات التلبس)، ورغم أن كريم لم يرتكب أية جريمة أصلا سوى أنه كان في حفل زفاف شعبي استخرجت له كافة التصاريح القانونية عندما هجمت على خلق الله دون أسباب قوة الشرطة إياها، فإن هذا لم يشفع له أيضا، فاستولى الضابط على أوراقه ومستنداته وتليفونه ثم ألقى به في الحجز ليلة ثم تركه في الصباح بعد أن راق مزاجه العالي وبعد أن هدده بأنه لا يريد أن يراه في دائرة القسم مرة أخرى (الدائرة التي ورثها الباشا عن أبوه بمن عليها من حجر وبشر بعقد بيع ابتدائي)، وفي دولة القانون التي فيها الجميع سواء أمام القانون حسبما يكرر سيادة الرئيس والسادة المسئولون، فإن كريم شاب مصري شريف من أب مصري شريف، ولو كان كريم هو ابن الرئيس لما وجد نفسه أسير هذا القهر والغيظ والعجز أمام بلطجة رجل السلطة، بل لوجد نفسه يحكم ويأمر وينهى على راحة راحته ويرأس لجنة سياسات على سن ورمح كمان!
غلطة كريم الوحيدة هو أنه ظن أنه يستطيع أن يكون حاملا للجنسية المصرية، وأن تكون له حقوق أو كرامة أو اعتبار في ذات الوقت، هذا مع ذاك، يعني الشيء لزوم الشيء!، ولكن في هذا الزمان الأغبر فإن الاثنين لا يجتمعان! غلطته أنه لم يلتق بأحد من حكماء هذا البلد من المروضين لينصحه تلك النصيحة الغالية المكررة على مر تاريخ هذا البلد من أيام المماليك بأن يمشي جنب الحيط (وجوا الحيط كمان كما يقول بعض من يعشقون الاستظراف)، وأن يتنازل للدولة عن إنسانيته وحقوقه بالجملة، وأن ينسى نهائيا أن له كرامة من الأصل وأن يعيش ويموت مثل ال.. وللا بلاش! لكن كريم يبالغ في تقديره لذاته فيرفع شكوى (بالقانون!!) ضد الضابط، حضرة سيادة الضابط الذي سأذكر اسم سيادته دون تردد، هو حضرة صاحب المعالي الباشا محمد مختار بقسم إمبابة الجيزة، الشكوى معروضة والله يعلم إذا كانت ستحقق من عدمه في دولة يريد قضاؤها أن يستقل، ما حدث ليس سوى ثمن بسيط لاختيار تاريخي خاطئ بل كارثي، اختيار شعب يفضّل سواده الأعظم أن يقف من حياته ومصيره ومستقبله وانتخاباته موقف المتفرج فقط لأنه يريد أن يأكل وخلاص، شعب اختار ألا يغضب أبدا، ومهما كان الثمن من فقر وذل وجوع وعطش وتلوث ومرض وهوان بين الأمم وفي مطارات العالم ودوله، شعب فضّل أن يغرق في البحر على أن يواجه! وما أعجبه من اختيار، وما أبشعه من ثمن!
اقرأ أيضاً:
هل أنا عبيطة فعلا؟/ نداء إلى قضاة مجلس الدولة