لو كان خالد ابني ما رضيت بأقل من إقالة وزير الداخلية ولن يكفيني. لا أستطيع إلا أن أضع نفسي مكان تلك الأم المصرية، قال لها ابنها أنه خارج ورايح كافيه، وبعد ساعتين تعرف أنه نائم مشوه في مشرحة على يد قسم سيدي جابر الذي تولى ضربه وتشويه وجهه وكسر رأسه حتى الموت، ثم أعرف أنه قتل "تحت البيت" وألقيت جثته في الشارع من سيارة الشرطة "تحت البيت".."آه"، وأن بعض الجيران كانوا قد شاهدوه وهم يسحبونه لمدخل عمارة مجاورة فتركوه ظنا منهم أنها "علقة وتفوت" إنهم جيران السوء، ثم تقوم النيابة بإخلاء سبيل القتلة بضمان محل إقامتهم.
أحاول أن أضع نفسي مكانها تلك الأم، ابنها الذي راح ضربا بدون دية. الشرطة؟ المفروض أنها تحمي الأمن، اليافطات تقول إن الشرطة في خدمة القانون، يطلقون عليهم رجال الأمن. نكتة مضحكة صحيح، هل من المعقول أن نشعر أن الشرطة اليوم هي أكبر خطر على أمن المجتمع؟! هذا هو شعوري الحقيقي، هل أنا مضطرة لأن أقول لابنتي مثلا: لا تخرجي من البيت لأن الشرطة يمكن أن تقتلك؟! أي حياة وأي دولة التي يمكن أن يعيش فيها الناس بينما يتجول بينهم وحوش مسلحة في صورة بشر يصطادون من لا يعجبه شكلهم في أي وقت والناس تتفرج؟
إن دم خالد سعيد ليس في رقبة هؤلاء الوحوش وحدهم، ولكنه في رقبة كل مصري قبل على نفسه أن يعيش في ظل هذا الوضع مفضلا السكون والخوف والاستكانة، وخصوصا هؤلاء الذين شاهدوا ووقفوا يتفرجون، هؤلاء الذين تم ترويضهم لدرجة ضياع النخوة والشهامة والرجولة التي كان يقال عنها يوما "الشهامة المصرية" إن دم خالد سعيد في رقبة كل من رأى وسكت، وسمع وسكت، المسألة ليست مجرد مسألة طوارئ وشهيد الطوارئ، إنه شهيد البلطجة، إنه شهيد القهر لآلة إعلامية بوليسية جعلت أم خالد تردد في الصحافة أن ابنها كان يتعاطى المخدرات وجعلت أشهر الإعلاميين يتحولون عن مهنتهم ويرددوا أكاذيب الجلادين ببرود وهو أيضا شهيد الجبناء وما أكثرهم؛
إنه شهيد كل مصري يسكت على حقه في بلده، وما أكثرهم، إنه شهيد كل خائف وكل جبان وكل متراجع وكل يائس، وما أكثرهم، وهو بالتحديد في رقبة كل من شاهد ورأى ولديه معلومات ولكنه فضل كتمان الشهادة حتى ولو أخلت النيابة بسبب ذلك سبيل هؤلاء القتلة الوحوش، إذا كنت تخاف وتؤثر السلامة على قول كلمة الحق، فاعلم أنك شريك في قتل خالد سعيد، وشريك في ذبح عائلته المسكينة، وإذا كنت تجبن عن المواجهة وتكتم الشهادة وتمتنع عن أخذ موقف، فأنت شريك في قتل خالد سعيد، وإذا كنت أيا من هؤلاء فأنا أقول لك وأنا سيدة وأم، هل يضمن أي مصري ألا يتم سحله وقتله مثلما حدث لخالد؟ هل نقبل أن نعيش في بلادنا بهذه الطريقة إلى الأبد ويمضي القتلة دون حساب؟
إن الخراف تعيش في أمان أكثر منا نحن البشر في هذا البلد التعس، وهي غالية وحلوة ولها سعر، فهي لا تذبح إلا في عيد الأضحى فقط، أما نحن فنذبح في عيد الشرطة، والفرق أن عيد الأضحى أربعة أيام فقط في السنة، أما عيد الشرطة فهو كل السنة، أعتذر لكل من يقرأ سطور مقالي هذا إذا أشعرته كلماتي أنه أقل من الخروف، وأنه ليس غاليا، وليس له دية أو ثمن، وتأكد أن درجة انزعاجك من كلماتي سوف تكون أقل بكثير مما سوف تشعر به من "إزعاج"وأنت تقف بجوار جثة ابنك المقتول على يد الشرطة متفرجا على رأسه المشوه في المشرحة، إلا إذا كنت تظن حقا وبصدق أن هذا لا يمكن أن يحدث لك أنت ايضا!!. وأختتم مقالي بهتاف الناشط خالد بميدان لاظوغلي "حضرات السادة الظباط.. روحوا جنينة الحيوانات"
اقرأ أيضاً:
نداء إلى قضاة مجلس الدولة/ اعترافاتي الشخصية: تكذيب في حق جريدة الجمهورية