في هذه الليلة خشيت وأنا أصلي المغرب في المسجد ألا أفعل غدا فأصلي المغرب في غير واحد من مساجد الله أينما أكون.... ويندر في مصر ولله الحمد أن أكون في مكان بعيد عن المساجد... رمضان اختلف اختلافا شاسعا بالنسبة لي منذ أنعم الله علي بالإقلاع عن التدخين فكان رمضان العام الماضي أول رمضان أشعر فيه بطعم رمضان كما يعرفه الأصحاء غير المدخنين..... ولي في ذلك أفكار كثيرة وضعتها أيام كنت أدخن في مدونة التدخين والكافيين ورمضان والتي كتبتها سنة 2005 ونشرتها في جريدة الدستور وعلى مجانين وأخبرني أحدهم أنه قرأها هذا العام (2010) منشورة في جريدة ربما تكون المصري اليوم وربما الدستور هو لا يذكر وأنا لم أشتر جرائد في رمضان ولنقل أن أحد الصحفيين تذكر مقالا كان قرأه في 2005 في الدستور وقرر نشره مرة أخرى وكله خير.
المهم أنني وبعد أن مر بي أول رمضان دون سجائر سنة 2009 بدأت في شرح الاختلاف بين الصائم المدخن وغير المدخن في رمضان العام الماضي في مدونة كنت أسميها نعمة أن يترك المسلم التدخين كتبت فيها: (للمرة الأولى في حياتي أوحشني رمضان! أشعر باشتياق شديد كلما سمعت صوت الأذان أو الإقامة في المسجد القريب من مكاني في مصر الجديدة...) وكنت أنوي أن أشرح فيها كيف اختلف استقبالي لرمضان بعد العلاج من إدمان النيكوتين وكيف اختلف كذلك توديعي لذلك الشهر الفضيل.... لكنني وللأسف لم أكملها بسبب الكسل الذي بدأت تتزايد إعاقته لأدائي في الآونة الأخيرة حتى أصبح يغلبني أسبوعا بعد أسبوع عافانا الله وإياكم.
طوال أيام وليالي رمضان الثلاثين وأنا أشعر بتغيرات وخبرات جديدة رائعة ما تخيلت يوما أنها موجودة، كنت منذ العام الماضي قد دربت نفسي للمرة الأولى على صلاة التراويح لكنني ضيعتها ربما سبعة أو ثمانية ليلات، وفي هذه السنة والحمد لله تعالى لم أضيع إلا ليلة واحدة، كذلك هذا العام بدأت منذ الأسبوع الرمضاني الأول أواظب على صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المسجد.... وبدت لي الفكرة القديمة التي تقول بأن العمل عبادة وأنت عندما تغفل الصلاة في المسجد لأنك مشغول مع مريض أو مريضة فإن عملك هذا عبادة اليوم أصبحت أقول لنفسي: (الكلام صحيح لكن هناك فرقا بين العبادة والعبادة وأي عبادة تعدل الصلاة إذن؟ وسيد الخلق صلى الله عليه وسلم قال: (لا خير في عمل يلهيك عن الصلاة)... إذن بدت لي الفكرة التي أبعدتني سنوات عن صلاة الفروض في المساجد بدت ضعيفة واهية مثلما لم تكن يوما من قبل، وبالتدريج وجدت أنني أشعر بالانجذاب إلى المسجد.
هذا الانجذاب إلى المسجد بفضل الله شعرت به في رمضان سنة 1431 هجرية 2010 ميلادية وبفضل الله أيضًا دعوته أن يثبتني عليه.... كنت أقول لنفسي أنت تستغفر الله رائحا إلى المسجد وتستغفر الله عائدا إلى عملك أو بيتك.... كنت أقول لنفسي أي إحساس جميل وأنت للمرة الأولى في حياتك تسابق نفسك لتكون في أول صف خلف الإمام أي إحساس جميل وأي ترحيب كريم تراه من الكريم الذي لا يرد من دعاه سبحانه... ثم أي عشق للوجوه هذا الذي أصابك؟ وجوه جيرانك في الصف الأول وجيرانك من الصف الثاني تلك التي أصبحت تبحث عنها وتشعر بالقلق عند غياب أحدها وتطمئن حين يظهر... كل هذا في أسبوعين من رمضان؟
عندي مسجدان سوف أكتب عنهما كلاهما قريب من مكان عملي إلا أن أحدهما في مدينة الزقازيق حيث أقيم معظم الأسبوع والآخر في القاهرة حيث أقيم ليلة السبت وليلة الأحد في رمضان، وربما نهار السبت والأحد فقط في غيره.... لكن ادعُ الله لي ببركة في النشاط وتعافٍ من الكسل وسأكتب عن كل منهما مدونة.
والليلة ليلة عيد الفطر -1431 هجرية 2010 ميلادية- مزيج من المشاعر راودتني وأنا أسبح في الركوع ثم وأنا أحمد الله عز وجل ما بين الركوع والسجود.....، ثم وأنا أسبح في السجود وأدعو الله بعد التسابيح الثلاث اللهم كرمك أعظم من عملي اللهم أصلحني واغفر لي ولا تفضحني.... ثم تعلمت في رمضان هذا العام أن أزيد اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عني..... للمرة الأولى في حياتي وأنا أعيش عامي السابع بعد الأربعين أشعر أني أودع رمضان وما شبعت لا من الصيام ولا الصلاة ولا الدعاء ولا شبعت من وجوه المحيطين بي في المسجد تلك الوجوه التي كلما نظرت في أحدها شعرت كم أنا صغير القدر عند الله لتقصيري في التقرب إليه سبحانه.....
بدأت بالفعل أفهم أن إلزام المرء نفسه بسلوكيات بسيطة لكنها من صميم سلوكيات المسلم اليومية المفترضة في الإسلام ولكنها بعيدة عن كثيرين منها، بدأت أفهم أننا ربما نحتاج من وقت لآخر على الأقل إلى المراجعة والتأمل لتعبيرات ولمسميات لو تأملنا معناها لاختلفت مفاهيمنا ومشاعرنا وسلوكياتنا بالتالي مثلا "المسجد بيت الله".... ولا تستغربوا لو وجدتم من يدرك معنى أن المسجد بيت الله بمنتهى السطحية، ولا تستغربوا أيضًا لو عرفتم أنه يحفظ قوله تعالى يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد، فالمسجد بالنسبة له مكان مُكَرَّمٌ مطهر يصلي الناس فيه والصلاة فيه تعادل 27 مرة الصلاة في غيره.... رغم كل ذلك يبقى كثيرون يفهمون أن المساجد بيوت الله دون تأمل ولا تعمق، أشعر أن قد منحه الله لي في رمضان هذا العام ودعوته أن يديمه..... كل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الفطر الأول في حياتي الذي تدمع عيناي ليلته لأني أودع رمضان وكنت أصبر نفسي وأنا في الطريق إلى المسجد بأنه إذا مضى رمضان فرب رمضان باقٍ لا يمضي سبحانه.... كل عام وأنتم بخير يا مجانين.
استدراك وتوضيح:
كتبت بعضا من هذه المدونة ليلة عيد الفطر 1431 هجري وبينما أنا أغالب نفسي لأنهيها جاءني من ملهم ما صبرني وهو يقول (الدقائق الأخيرة من شهر رمضان تنسحب بصمت)، وتبعه ما أرسلته الزميلة د. نرمين محمد (وداعاً يا رمضان)، متبوعا بما أرسلته أ. رفيف الصباغ (كل عام ومجانين بخير)، وكانت النتيجة أنني غلبني الكسل حتى أصبحنا ليلة يوم العيد الثالث وفيها راجعت ما كنت كتبت وأضفت ووضحت وأجلت أكثر بكثير مما كتبت وإن شاء الله ألحق أقول لكم كل سنة وأنتم طيبون أيها المجانين.
واقرأ أيضاً:
الطب النفسي الكيميائي / مسجد المحافظة على القرآن الكريم بالزقازيق