حدثنا أبو يوسف الصفار, أنه لما شاءت له الأقدار, ذهب إلى دكان الحلاق, ذو البسمة وحسن الأخلاق, كي يقص له شعره, ويسر بذلك خاطره, ويصبح حسن المنظر, ولا يفزع من ألقى عليه النظر, استقبله الحلاق بالترحاب, وعامله معاملة الأخوة والأحباب, وأجلسه على الكرسي المخصوص, كما هو في التعليمات منصوص, لم يكن لأبي يوسف الصفار في وسط رأسه من الشعرات إلا ثلاث, بعد أن حل بشعر رأسه الاجتثاث, ولكنها ظلت على قلبه أثيرة, والتقرب منها عملية خطيرة, يمشطها بعناية كل يوم, عند الصحو وقبل النوم, ويمني النفس بأنه ليس بأصلع, وسبحان الله بخلقه وأبدع.
وقد احتار بحالته الحلاق وأطلق النداء, أن أعلموني ما أفعل برأس كالصحراء؟, ليس فيه من زرع أو نبت, لا تعرف فيه اتجاها أو سمتا, فأجابه أبو يوسف بكل فخر, أنِ افْرقْ شعر رأسي نحو هذا الشطر, وامشط هذه الشعرة إلى اليسار, وكن ذكيا ولا تقف هكذا كالحمار!!.
وبدأ الحلاق المسكين عمله بعد أن وضع في الله ثقته وأمله, وما أن وصل إلى أول شعرة النصل, حتى انقلعت كأنها بلا جذر ولا أصل, فخاف الحلاق المسكين, أن يغضب أبو يوسف ويطعنه بالسكين, فأخفى الشعرة بكل خفة, ولم ينبس ببنت شفة.
ثم جاء الحلاق إلى الشعرة الثانية, فسقطت كأختها الفانية, انتبه أبو يوسف إلى ما حدث, وغضب كل الغضب من هذا العبث, وقال للحلاق والغضب لعينيه يكاد يعمي, إن كنت لا تجيد صنعتك فاتركها وشارك في الستار أكاديمي, فهناك يجتمع كل الفاشلين, من أمثالك الذين لصنعة غير متقنين, فيهزون أردافهم وبطونهم, ويرقصون ظهورهم وأكتافهم, فينتقلون من تافه معدوم, إلى مصاف المشاهير والنجوم, وتفتح لهم الشوارع والمطارات, ويستقبلهم الآلاف بالأحضان والقبلات, وكأن واحدهم صلاح الدين, قد عاد بعد أن طرد من القدس المعتدين.
أما شعري المسكين, فجرحه غائر ولا ينفع معه تسكين, فقد فقد منظري كل حداثة, بعد أن طارت شعراتي الثلاثة, عاد أبو يوسف إلى داره, بعد أن طار وقاره, وأقر من حينها بصلع رأسه, وسلم للواحد القهار أمره.
واقرأ أيضاً:
الطاقة الكهروانقطاعية!!! / الهجرة من بغداد إلى بغداد!!