لا أعرف ما الذي ورطني في استعمال تعبيريْ "ثقافة السلام"، و"ثقافة الحرب"؟ أكرر أنه لم يصل الكثيرين ما أردت من محاولاتي للتفرقة بين معاهدة السلام، وبين ثقافة السلام، ولا بين "ثقافة الحرب" وفعل الحرب، استسلمت لعجزي عن توضيح الأمر أكثر من ذلك ورحت أبحث في أوراقي.
وجدت أنني سبق أن اكتشفت ما أتصور الآن أنني أعرفه لأول مرة، فقلت أقتطف منه ما قد يكون أسهل وأوضح.
المقتطف الأول:
الأهرام 11/12/1977 العنوان: "السلام" الجهاد الأكبر الذي ينتظرنا" قبل اتفاقية السلام 17 سبتمبر 1978م.
مخاطر الاستسهال
".... علينا فورا أن نراجع أنفسنا فردا فردا لنعرف ما ينتظرنا من مسئولية لا مهرب من التصدي لها بما يناسبها. فالسلام الذي نحن بصدده ليس بداية استرخاء وإعلان قدوم الرفاهية كما يخيل للبعض، بل هو مضاعفة المسئولية وإلغاء تبريرات التخلف. وهذا السلام ليس اتفاقا وتعاونا مع العدو على طول الخط، بل هو تغيير في أسلوب الصراع".
المقتطف الثاني: نفس المقال 11/12/1977
المعركة مستمرة
".... إذن فالمعركة مستمرة بأسلوب أعمق وأصعب"،........ فالأمر ليس تعاونا بين عبقرية اليهود وقدرات المصريين والعرب، وهو ليس أيضا تعاونا بين مال العرب وعقول اليهود، ولا هو تعاون بين ثروة اليهود العالمية وعبقرية المصريين الحضارية، السلام ليس أن ينقلب العدو صديقا استجابة لمبادرة......" "السلام ليس تخطيط جنة الشرق الأوسط بمجرد التوقيع على معاهدة..."..... "ولكنه بداية جديدة، وواقع جديد، وتحد جديد، بل لعله هو هو - بما يشمل من جهاد النفس - هو الجهاد الأكبر".
المقال الثاني:
في الأهرام أيضا في 9/9/2002 بعنوان "السلام: غاية أم وسيلة؟ (بعد 14 عاما من الأول).
".... إن هذا الاستقراء للتاريخ....... ينبغي أن يكون تنبيها ضمنيا للحذر من أن يكون السلام بمثابة منحة من القوى الكبرى من بين المنح التي توزعها على المحظوظين، كمكافأة على حسن السير والسلوك و"قلة الإرهاب". إنه بقدر حرصنا على تجنب الحرب، ينبغي أن يكون حرصنا على تجنب الخداع.
ثم: من نفس المقال: 9-9-2002
"... السلام (مثل الحرب) لا ينبغي أن يكون غاية في ذاته. الإنسان لم يوجد على هذه الأرض ليحقق السلام، وإنما ليعمر الأرض بحسن استعمال وقته وجهده وإبداعه، في ظل السلام، "والحرب اضطرارا".
وأيضا: (نفس المقال)
نحن لم نسع للسلام من أجل السلام، ولم يُضح ناسُنا، جيشا وشعبا وقادة، بما ضحوا به من أجل أن يوقعوا معاهدة، أو يتبادلوا أنخاب الاتفاقات، أو يحصلوا على الجوائز والرضا السامي من المندوب السامي. نحن حاربنا لنحقق السلام. ثم فاوضنا لنؤكد حقنا في السلام. ثم إن ما يجرى على أرض فلسطين بواسطة الشهداء الأبطال، والمناضلين المرابطين، هو أيضا من أجل السلام الحقيقي الذي يسمح للإنسان - على الجانبين - أن يكمل المسيرة.
إن السلام الذي يتحقق بالاستشهاد والتضحيات، غير السلام الذي يزعمون أنهم يحققونه بالضغط على الأزرار القاتلة عن بعد، وبتصفية الأبرياء بلا محاكمة، وبتجريف الأرض وهدم المنازل على رؤوس الأمهات والرضعً.
وأخيرا:
دعونا نقارن هذا القديم الأوضح بما جاء في سلسلة المقالات الأخيرة: خذ مثلا من مقال الدستور: 5/5/2010 بعنوان: "ثقافة الحرب، ونظرية المؤامرة، والجهاد الأكبر"!.
ثقافة السلام (بغض النظر عن معاهدة السلام، أو وثيقة الاستسلام) هي أن ننخدع فنصدق أنه لم تعد بنا حاجة إلى شحن وعينا طول الوقت بأنه على بعد خطوات منا وحش مفترس، يملك سلاحا ذريا، ودعما دوليا متآمرا، يقتلنا ويطردنا يوميا من فوق أرضنا ثم من فوق الأرض كلها. المطلوب منا – حتى نعيش ثقافة السلام!!– هو أن نسترخي، ونأخذ بالأحضان هذا الصديق الجار المسالم الذي يحتفظ بالقنابل الذرية ليرصها ديكورا في صالات المفاوضات، ويزين بها ممرات محافل مؤتمرات القمة العربية.
انتهت المقتطفات عبر ثلث قرن!!.
وبعد؛
المسألة ليست أن أبين أنني شاطر وسابق للأحداث، فماذا أستفيد أو أفيد بذلك، المسألة فيما انتبهت إليه مكرراً من أن مثل هذه الكتابة لا تصل إلى من يهمه الأمر، بعد أن برمجونا بهذه التلقي الاستقطابي "إما... أو"،
حين صدمت بلا جدوى الكتابة عبر ثلث قرن، حسدت الابن الشاعر/إبراهيم داود، كان جارى هنا، وبلدياتي من قديم، حسدته لشجاعة انسحابه، لكنني أفتقده، وأرفض قراره وأذكره بــ صلاح عبد الصبور:
لا أملك أن أتكلم، فليتكلم عنى صمتي المفعم، (ثم) لا أملك إلا أن أتكلمً (ليلى والمجنون)، وقياسا يا إبراهيم لم أملك أن أقصف قلمي المُثْقَلْ، مرة أخرى:
"كل القلم ما اتْقَصَفِ، يطلعْ لُه سِنّ جديد!!".
نشرت في الدستور بتاريخ 16-6-2010
اقرأ أيضا:
هل تحب إسرائيل لحم العرب إلى هذه الدرجة؟؟ / فزورة الاحتجاجات والتصريحات (يمكنك أن تستعين بصديق)! / الاستهبال على وعىٍ كسولْ