تابعت مثل ملايين المواطنين في مصر وكافة البلاد العربية والعالم كله الأحداث الدامية والغضب الشعبي الهادر الذي اجتاح تونس على مدار شهر مضى، وانتهى تصاعد الأحداث بفرار مخزٍ وذليل للرئيس التونسي على بن زين العابدين، وهو أول حاكم عربي يحصل على لقب "رئيس سابق" فالمعروف والثابت في مجتمعاتنا العربية التي يسودها من شرقها لغربها الحكم السلطوي المستبد الذي يجعل الحاكم لا يترك كرسيه إلا في حالتين الاغتيال أو الموت.
ومع الفرحة المنتشية التي اجتاحت الإنترنت والأجواء الفيسبوكية، واحمرار صور البروفايلز بلون العلم التونسي، تصاعدت لهجة متفائلة تصل لحد التأكيد على أن ما حدث في تونس سرعان ما سوف يتسرب للدول العربية التي تعانى من تراجع الديمقراطية والحكم الأبدي، وبدأت بعض المجموعات على الفيس بوك تدعو لثورة شعبية في مصر في الخامس والعشرين القادم الموافق لعيد الشرطة في إشارة واضحة لممارسات جهاز الشرطة المتعسفة والمهينة للمصريين، ولعل آخرها وفاة الشاب السلفي السكندري سيد بلال بعد تعذيبه في أحد أقسام الشرطة.
وهناك ما يشبه الإجماع أن الثورة المصرية قادمة لإزالة النظام الفاسد الجاثم على أنفاس المصريين منذ ثلاثين عاماً مضت أوصلت ما يقرب من 50% من الشعب المصري للعيش تحت خط الفقر وفق إحصائية رسمية للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، ولكنني أرى أن هذا إغراقاً في التفاؤل، فالتجربة التونسية غير قابلة للتصدير لمصر للأسباب الآتية:
1. على الرغم من تشابه إحكام القبضة الأمنية في كل من تونس ومصر، إلا أنه في حالة فشل الجهاز الأمني الشرطي من السيطرة على جموع الجماهير وهذا احتمال ضعيف لقوة الجهاز الأمني المصري فمن المتوقع أن ينزل الجيش للشارع وهو على عكس نظيره التونسي مشهود له بالقوة والولاء للحاكم، في حين أن المتابع للأحداث التونسية يدرك ضعف الجيش التونسي وعدم قدرته على السيطرة على الجموع الغاضبة، فالجيش المصري لديه القوة والقدرة على ردع ووأد أي محاولة انقلابية لخلع نظام الحكم الحالي مهما كانت التضحيات ومهما بلغ عدد القتلى.
2. الظرف الراهن يعكس حالة الهياج الأمني المستشري في جميع الأجهزة الأمنية وحالة الاستنفار العظمى بسبب الأحداث الإرهابية الأخيرة التي شهدتها الإسكندرية، مما يعنى توحش الأجهزة الأمنية في صد أي محاولة للخروج في الشارع من جانب المواطنين الغاضبين، خاصة في ظل العمل بقانون الطوارئ والذي يجد من الأجواء الطائفية التي تسود مصر الآن مجالاً مناسباً ومؤيداً من السلطة، ولا أدل على هذا من اعتقال المواطنين المتضامنين مع المسيحيين في مظاهرات شبرا والتي خرجت تحمل لافتات وعبارات تأييد الهلال والصليب معاً، فما بالك بمحاولة الخروج على الحاكم.
3. يختلف المصريون والتونسيون وردود أفعالهم تجاه الأحداث المأساوية والمتردية في كلا المجتمعين إلى حد كبير، ففي الوقت الذي أشعل فيه الشاب بوعزيزي النار في نفسه فأشعل المجتمع التونسي كله وثورة عارمة، نجد أعداداً لا يمكن وصفها بالقليلة من الشباب في مختلف أنحاء مصر يقدمون على الانتحار بسبب البطالة وعدم القدرة على الزواج دون أن يحرك المجتمع ساكناً، بل أصبح هذا الفعل متكرر ومتصاعد، ووصل الأمر لانتحار بعض الفتيات اللاتي تأخر بهن سن الزواج، فنسبة المصريين الذي يعيشون تحت خط الفقر وفق إحصائية رسمية للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية يشير أنه 50% كما أشرنا، في حين النسبة أقل بكثير في تونس، ولم يثر المصريون، وهو الأمر غير المتوقع حدوثه.
4. يختلف المجتمع المصري عن التونسي في ترك هامش ولو ضئيل من الحرية للإعلام وللتعبير عن الرأي، فالمجتمع المصري لا يعانى من الكبت الصارم الذي يعانيه المجتمع التونسي، فربما يكون مقال لشاب غاضب مكتظ بالسباب والثورة على النظام الحاكم على الإنترنت كاف تماماً له عن النزول للشارع والخروج من الواقع الافتراضي.
على كلٍ فالواقع يقول أن هناك تحركاً ما سيحدث ولكنه لن يكون شعبياً بالقدر الكاف أو سيغلب عليه الطابع النخبوي من الحقوقيين والناشطين، مما سيفقده قدراً كبيراً من مصداقيته وتأثره، كما أن الأمر بحاجة لصمود لأيام وأسابيع في الشارع في تحدٍ للقوة الأمنية الباطشة كي ينجز نتيجته المرجوة، وهذا ما لم يسبق وأنجزه أي تيار سياسي من قبل.
واقرأ أيضا:
رأس السنة الميلادية 2011 سامحوني/ عصا الأمن المركزي... على راسي!
التعليق: "وتلك الأيام نداولها بين الناس"