يناير 2011
أولا لابد أن نهنئ إخواننا وأخواتنا، شعب تونس البطل الذي وعي الدرس وعرف أنه لا زوال للطغيان بلا تضحيات، وعرف أنه لكل تضحية ثمره، والنصر هو الثمرة الكبرى. إن هذه حقيقة، لا تغيب إلا عن واهن أو مستفيد.وفي خضم فرحة النصر في تونس تهب نفحات الحزن من جنوب السودان الذي يستفتى على خلعه من دولته الأم ويخوض مخاض ولادة غير شرعية ناتجة عن استبداد في الداخل وتآمر من الخارج لتحقيق أهداف العدو الحقيقي الكامن في الصهيونية العالمية. فكما سلبت العراق من الشرق ويجرى تفتيتها إلى ثلاثة دويلات فإن السودان وهو بوابة الجنوب جارى تفتيته بعد أن مُزِّق الصومال.
أهذا هو حديثنا؟
نعم بلا شك، فلا أظن أن هناك دارسا للتاريخ يتصور أن ما يحدث في العراق هو بغريب عن ما يحدث في السودان واليمن والصحراء الغربية، وكلهم حاضر مؤلم واحد تمر به منطقتنا وسيكون لمصر نصيب منه ولا شك. أنه عبر العصور وعندما كانت مصر حاضرة لم تمس الأمة بسوء، لم يكن ذلك بفضل مصر ولكن كان بفضل وجودها حيث التف العرب حولها، ولكنه من الواضح أن انسحاب مصر من دورها كانت له توابع، تحدثنا عنها كثيرا ولم يدركها إلا القليل، فتربع على عرش دويلاتنا العربية حكام مستبدون دعاهم جشعهم لبيع الحاضر وتبديد المستقبل لتحقيق شهواتهم.
إن ما حدث في تونس هو ثورة حقيقية قام بها الشعب، والطريق أمامه طويل للحفاظ عليها حتى لا يسلبها منه مستبد آخر جديد. ما حدث في تونس وما يحدث في السودان هو درس حقيقي لشعب مصر وحاكمها، فإما أن نثور ونخلع الحاكم المستبد أو نتركه يدمر ما بقى منها. فلو اتحد شعب السودان لمر بسلام من تحت أيدي الوقيعة الصهيونية ولكان سودانا آخر.
إن كثيرا مما حدث في تونس يشابه ما حدث في مصر في انتفاضتها الشعبية عام 1977 حيث خرج الشعب رافضا تحكم الطبقة الانتهازية في مقدراته، وعندما فشل الأمن في مواجهة الثورة فر السادات خارج البلاد وصدرت الأوامر للجيش بفض الاضطرابات، ولكنه كجيش تونس رفض أن يكون أداة ضد الشعب وبقي بالطرقات لحفظ الأمن. إلا أن الفارق بين ما حدث في مصر حينذاك وما حدث في تونس اليوم، أن هناك جهات تونسية (قد تكون الجيش) استطاعت أن تجبر الحاكم المستبد على الرحيل. أما حاكم مصر حينذاك فقد ترك يحكم حتى قتل عن حق وخلفه من ورث الحكم والاستبداد معا.
وفى مصر وبعد انتفاضة 1977 قام النظام المستبد بتقوية الأمن الداخلي حتى أن مصر أصبحت الدولة الوحيدة التي تفوق ميزانية الأمن فيها ميزانية الجيش. وبالرغم من ذلك فلم يحقق هذا الأمن الأمان للمواطن المصري بل هو أمن لحماية المستبد ومصالحه. والدليل الأكبر على ذلك أن العالم كله كان على علم بإمكانية أن تقع حادثة الإسكندرية، ولكنها تركت لتحدث عن عمد أو عن تقصير، ولا فارق بين العمد والتقصير، فالجريمة وقعت والمسئول عنها هو حاكم مصر. ولنستكمل الدرس ونستفيد منه لابد من التركيز على أمرين:
أولهما: أن الفتنه بين المواطنين (المسيحيين-المسلمين) هي لعبة قديمة عرفها المصريون منذ الاستعمار الإنجليزي فيما كان يعرف "بسياسة فرق تسد" التي عادت تطل علينا من جديد، إلا أن غالبية المصريين قد وعت الدرس وبقي القليل منهم لم يعيه عن جهل بالواقع وجهل بالآخر، وكان ذلك بفضل الأدعياء من المسلمين والمسيحيين (مدعي العلم بالدين)، والأخطر من ذلك كان تغييب الإعلام المصري وتغييب الثقافة العامة عن قصد.
ثانيهما: إن التضحيات هي الطريق الوحيد للخلاص من الاستبداد، فأن يقدم عشرة ملايين تونسي خمسون شهيدا ثمنا للحرية هو اختيار صائب، فكم من شهيد فقدته مصر في أقسام التعذيب المنتشرة في ربوعها، أليس الأجدر أن تفقد مصر أبناءها أعزاء كرماء من أن تفقدهم في أقسام التعذيب.
لقد قال أبو القاسم الشابي: "إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بــــد لليـــــل أن ينجـلي ... ولابـــــد للقيد أن ينكسر"،
وأبو القاسم هو عربي تونسي سمعه شعب تونس واستجاب له بعد قرابة ثمانين عاما، فهل آن لشعب مصر أن يسمع ويستجيب ويثور ويطرد جلاديه.
بلا شك سيحدث ذلك يوم ينزع الجميع رداء الخوف ويخرجون إلى الطرقات متحديين الأمن (ذراع الاستبداد)، ويوم يرفض شرفاء الأمن وشرفاء الجيش حماية ذلك النظام ويعزلونه، لعلنا نرى يومئذ أفراد النظام المستبد وحاشيته لاجئين في ضيافة أمثالهم من الحكام العرب، آملين أن يأتي اليوم الذي لا يجد فيه مستبد ملجأ له.
إنه حلم، ولكنه حلم قابل للتحقيق والفضل في إحيائه يرجع لثوار تونس. وسيتحقق ذلك يوم يعمل الشعب بشعاره "شعب واحد... هم واحد" فحقا:
"إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بــــد لليـــــل أن ينجـلي ... ولابـــــد للقيد أن ينكسر"،
فهل يريد شعب مصر الحياة؟ وهل يعي الدرس؟
واقرأ أيضاً:
الإسلاميون في تونس.. لماذا غابوا عن المشهد؟/ الأخ المدني وأخية المـيري/ تونس: من يقطف ثمار ثورة الشعب!