سريعة ومتلاحقة هي الأحداث في مصر يوم الاثنين، أيمان دستورية حلف بها ذاك وذاك.... وبدا وكأن جولة جديدة أخيرة من لعبة الكراسي الدوارة قد أجريت ولا شيء أكثر... ما أغبى هذا النظام أو ما أشد استهانته بالناس واستغفاله لهم، لكن هيهات.... هيهات لقد بدا واضحا أن الناس أفاقوا وأن هروب زين العابدين بن علي على وقع رفض الشارع لوجوده قد أعطى الناس جميعا أملا لا يناقش في إمكانية التغيير والتحرر، ثم أن غباء النظام منقطع النظير في التعامل مع الموقف جعل التطورات في منتهى الخطورة.
في هذا اليوم اتصلت بي د. داليا مؤمن والتي كان من المفترض أنها في قطر لكنها كانت تتصل من داخل مصر... عرفت أنها وصلت إلى مصر وسألتني ما رأيك في المصريين قلت لها كنت فاقدا الأمل فيهم لكنهم أثبتوا أني تسرعت في الحكم عليهم قالت وما تصورك لما سيحدث فقلت لها لا أحد يستطيع ثني إرادة الشعب أظن أن وجه المنطقة بأسرها سيتغير.....، ولم تمض دقائق واتصل بي د.جمال الفقي متحدثا من عُمَان... قلقا كان الرجل ككل المصريين الموجودين خارج مصر يتمنون لو كانوا معنا.
عندي فكرة رائعة تهدئ من روع إسرائيل... لماذا لا تأخذ مبارك ومن يرتضونه رئيسا هو وابنه في شريط يحيط بغزة وتعتبره بمثابة شريط أمني أو باب شرقي لمصر وفيه الفرعون رئيسا وأعضاء حكومته مع تغيير التسمية إلى "السلطة المصرية" على غرار السلطة الفلسطينية ثم تحكم حوله حمايتها وتترك مصر والمصريين باعتبارهم كيانا معاديا على غرار غزة؟ أعتقد أن مقترحا كهذا سيعجب مبارك وعائلته والمنتمون له عضويا أو نفسيا من أعضاء النظام..... تبدو فكرة حلوة فالسلطة المصرية هي السلطة الجميلة المسالمة التي لا تخاف إسرائيل في حضورها على معاهدة السلام ولا تخاف كذلك من إمكانية فك الحصار عن غزة! يمكنهم فعلا إنشاء سلطة مصرية مثل السلطة الفلسطينية! وأحسبها ستكون أكثر تفريطا بكثير في حق شعبها من السلطة الفلسطينية.
أخيرا نصر الله المصريين ليستردوا مصرهم من ذل استلبها واستباحها هذا إذن هو ردهم بدلا من الشعب يريد إسقاط النظام مرورا بالشعب يريد إسقاط الرئيس "كي يفهم الذي يدعي الغباء" إلى الشعب يريد إعدام الرئيس "الإسقاط وحده لم يعد كافيا".... بصراحة أن تكون إسرائيل هي المدافع الأوحد عن مبارك يعني أن الإعدام أقل كثيرا مما يستحق الرجل الذي أعطى لإسرائيل ما لم تكن تحلم به باتفاق كل ذي عقل.
أعداد المتظاهرين في تزايد مستمر في كل أنحاء مصر ورغم ذلك فهناك نداء لمسيرة مليونية غدا من ميدان التحرير وبعد أقل من ساعة نودي لتظاهرة مليونية أخرى في الإسكندرية... وفي المنصورة تجاوزت الأعداد المائة ألف وفي كفر الشيخ وفي المنوفية وفي الفيوم وفي العريش وووو............ ولم تتجاوز الساعة السابعة من مساء الاثنين إلا وبدأت الأخبار تنقل لنا تدفق المئات إلى ميدان التحرير ومحاولات الحكومة إغلاق الطرق إلى ميدان التحرير والناس على ما يبدو مصرون على الوصول حتى فضل بعضهم النوم في العراء في ميدان التحرير ليضمنوا المشاركة غدا في المسيرة المليونية...... مصر كلها ستنزل إلى الشارع إذن غدا
نشرت الجزيرة خبرا مستفزا بحق وهو أن حكومة إسرائيل تناشد الدول الغربية أن تحافظ على نظام مبارك، أي عار هذا الذي شاء الله أن يلحقه بهذا الفرعون الخائن..... يا ترى حمل أحد الفراعنة هذا اللقب من قبل؟ ما معنى أن تكون إسرائيل هي الأكثر حرصا على نظام مبارك من كل دول العالم؟ وما معنى ما سربته أجهزة الإعلام من أن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت إمداد النظام المخلوع بأدوات القمع اللازمة لإخماد التظاهرات ثم قامت إسرائيل بالواجب فقبل الفرعون هديتهم في وقت أزمته تلك؟ هل يمكن بعد اليوم أن يصدق أحد أن مبارك كان صاحب الضربة الجوية الأولى هل كان يكره إسرائيل قديما ثم أصبحوا الآن أحبابه مصداقا للمثل الشعبي المصري: "ما محبة إلا بعد عداوة!" ...... الله تعالى أعلم لكن رائحة الفرعون صارت منتنة بشكل لا أظنه شخصيا يتحمله رغم أن كل الشواهد تقول أنه مستعد حتى للجوء إلى إسرائيل إذا تعذر عليه غيرها ملجأً.
لماذا ما تزال الإنترنت مقطوعة عن مصر هل السبب هو أنها تساعد على تجميع الناس؟ الناس بالعكس يخرجون أكثر بسبب انعدام الإنترنت... يبدو أن السبب غير ذلك، السبب هو ما قد يصوره الناس بكاميرات المحمول أو غيرها من مشاهد قمع للتظاهرات، ولو أتيحت لهم الإنترنت فسيرفعون ما صوروه على الإنترنت.... وحتى هذه تبدو غير هامة لأن الجزيرة حفظها الله تقوم بالواجب وزيادة لماذا إذن تبقى الإنترنت مقطوعة؟ هل هو نوع من العقاب للمصريين؟ أم أن الذي أصدر أمرا بحجب الإنترنت عن مصر قد أقيل مع التغيير الوزاري ومعه المفتاح أو كلمة السر؟ مسألة لا إنسانية بالمرة ولا حضارية رغم أن هذا الشعب أثبت أنه شعب متحضر بما لم يعد يدع مجالا للشك.....، لم تسجل حالة تحرش واحدة طوال ما مضى من أيام الغضب.... والأولاد والبنات ينظفون ميدان التحرير... معدن شعب مصر الحقيقي رغم أن مصر التي حكمها مبارك كانت تأخذ ولا تعطي أو تكذب على الناس وتغشهم إن هي أعطت.... رغم كل هذا نتج المعدن الأصيل وظل أصيلا.
أحد أهم الانتصارات المعنوية للثورة المصرية في أيامها الأولى كان استيضاح بل افتضاح أن القائمين بعمليات السلب والنهب وترويع الناس كانوا تابعين لجهاز الشرطة....... هم ليسوا من القائمين بالثورة بل هم بعض الأدوات القذرة لنظام حسني مبارك الأمني بلطجية الشرطة وبلطجية الحزب الوطني.... ويقال أيضًا أن منهم المساجين الذين هربوا من السجون.... وهذه الأخيرة صدقها الناس دون كثير تفكير باعتبار أن كل المساجين لصوص وهذا غير صحيح فمعظم المساجين في مصر ليسوا لصوصا.... ولنقل أن منهم لصوصا ثم تعالوا نفكر من وجهة نظر الطب النفسي وعلم النفس.... ماذا نتوقع من 100 لص –على سبيل المثال- هربوا من السجن ضمن فعاليات ثورة شعبية كم منهم يتوقع أن يعتبروها فرصة ليسرقوا؟؟! حالة واحدة فقط هي التي يمكن أن يخرج فيها مساجين أو لصوص من السجن ثم يقومون بعمليات سلب ونهب وترويع للناس وهي حالة أن تكون أوامر أخذوها أو مهمات كلفهم بها المسئولون عن السجن ولا أظنهم جميعا سيطيعون تلك الأوامر الدنيئة!
يبدو أن من يرسم سيناريو إحداث تخريب وسلب ونهب في طول البلاد وعرضها من أجل تشويه صورة الثورة جاهل بالخلفية النفسية لكل المصريين مساجين -سياسيين وغير سياسيين- وغير مساجين ليس هناك من يحب الشرطة ولا يقبل أن يكون في صفها ولا أن يتعاون معها إلا موظفو الداخلية والمنتسبون إليهم وكثيرون من هؤلاء يكرهون الشرطة رغم تعاملهم معها ولرضاهم بما يؤمرون به حدود.... أقصد من كل هذا أن المساجين أقل احتمالا بكثير من بلطجية الأمن أو الداخلية أن يقوموا بمثل تلك الأعمال التخريبية.
ربما يقوم بعض الأهالي الثائرين قليلي الحظ من الثقافة والتعليم –وهم أحد الأمثلة على الفئات التي ظلت مصر تأخذ منها ولا تعطيها لثلاثين سنة- بعض هؤلاء أهينت كرامتهم أو كرامة ذويهم وذاقوا كل الظلم على أيدي ضباط شرطة في هذا القسم أو ذاك من أقسام البوليس... كذلك مباني مباحث أمن الدولة والتي تحاط عادة في كل عواصم محافظات مصر بجدار من الرعب والهيبة والمشاعر التي عادة ما تدفع المرء باتجاه البعد عن الشر فهي شر مكان يدخله الإنسان في مصر.... إلا من يستفيدون من أن لهم أصدقاء فيه وهؤلاء يعتبرهم الناس في مصر أناسا غير محترمين وإن خاف كثيرون من التصريح بذلك.
يتبع : .............. ساخن من مصر: أيام الغضب الثلاثاء2
واقرأ أيضاً:
ساخن من مصر: أيام الغضب الأربعاء/ الحرب النفسية في معركة ميدان التحرير