ساخن من مصر: أيام الغضب الثلاثاء2
لعل الأربعاء الثاني من أيام الغضب المصرية هو أشد الأيام ضراوة على الأقل حتى الآن..... لقد بدا واضحا أن ما يحدث منذ الصباح مختلف عما سبق لقد بدأت مؤامرة كبيرة لقمع الاحتجاجات بطريقة سيئة مثلما نسب إلى وزير الخارجية البريطانية أنه صرح..... بدأت الأحداث بالنسبة لي ظهرا فبعد صلاة الظهر وجدت سائقي عبد المنعم وقد حمل في يده لافتة كتب عليها: مبارك رجل يفخر به كل مصري..... مبارك الشجاعة مبارك التاريخ، يا لها من شعارات مضحكة لا تحتاج إلى تعليق قلت له ما هذا يا منعم فقال لا أعرف وقفت سيارة قريبا من الميدان وألقت كمية من هذه اللوحات، سألته وهل حملها الناس فقال نعم هناك مظاهرة لتأييد الفرعون قلت له وكم عددها تقريبا قال بالمئات.
فجأة جاءنا اتصالان ببشرى أن الإنترنت عادت، في البداية لم أصدق لكنني والحمد لله تأكدت أن الخدمة عادت.... منذ يوم الخميس لم أدخل الإنترنت... بدأت بإلقاء نظرة على مجانين ثم على صفحة أخبار مصر ثم مجموعتي وصفحة مجانين على الفيس بوك، ثم انتقلت إلى البريد الإليكتروني.... ثم دخلت مريضة وأنهيت جلستها.... بعدها بدأت تأتي صور عجيبة وأنباء أعجب على البث الحي لقناة الجزيرة عبر الإنترنت وهو ما تعلمت كيف أحصل عليه بعدما أعوزتني الحاجة..... كنت دائما أقول لنفسي مصر إنها مصر تتحرك.... لكنني بدأت أشعر بالخزي بدأت لا أصدق ما أرى بدوت غبيا أمام نانسي تنقل لي الخبر فأسألها ماذا تقولين فتحسبني لم أسمع فترفع صوتها فأقول سامعك لكن ماذا تقصدين فتنظر لي باستغراب وتعيد نفس ما قالت بوتيرة أبطأ فأقول لها إذن فأنت فهمت ما أفهم وهم فعلوا أطلقوا البلطجية والمسجلين خطر على الناس.... كيف يصدر ما يصدر عن مصريين هل يعقل أن مصريا يحترم نفسه و"يعرف الفرق بين الألف وكوز الذرة" يمكن أن ينادي ببقاء الفرعون بعد كل ما كان وبعدما فاضت حناجر الناس: "الشعب يريد إسقاط النظام"، كيف يمكن أن يوجد في هذا الشعب العظيم مرتزقة؟ وأصحاب مواقف سياسية وإنسانية للإيجار؟ وكيف تعلن الجرائد أن أناسا من المطحونين والمضيعين قد خرجوا ينادون ببقاء الفرعون على وعد بأن تصرف لهم وزارة القوى العاملة مكافأة ألف جنيه! وهؤلاء خرجوا ينادون في الشوارع ببقاء الفرعون.... حتى صدق عليهم قول الحق عز وجل "استخف قومه فأطاعوه" صدق الله العظيم....... لا بل وهناك الأرخص، هناك من اندسوا وسط المتظاهرين ليضربوا أو ليحدثوا الشغب بشكل أو بآخر..... وكل ما أعطي لهم كان خمسين جنيها "حسنيا" كما أسميه "وتعني لا قيمة له ولا بركة فيه".
شيء مخجل أن يوجد أمثال هؤلاء وسطنا وهم مسئوليتنا نحن هم ليسوا فقط صنيعة جهاز الشرطة الفاسد أو النظام الفاسد بل هم مسئولية كل من قصر في وظيفته أو دوره في مصر وكلنا بلا استثناء مقصرون ولولا ذلك ما امتطى الفرعون أعمارنا صائلا وجائلا ودافعا بكرامتنا إلى الحضيض على مدار عقود ثلاثة ارتفعت فيها هامات الجميع من أهلنا العرب من حولنا ولولا جهود وإنجازات كثيرين من العرب غير المصريين في العقدين الأخيرين لتوقفت المنجزات العربية قاطبة في خضم الحضارة الإنسانية....
الشائعات.... الشائعات... والمواقف غير المتوقعة بالفعل لقد أفاق النظام من صدمته لكن متأخرا جدا.... اليوم تذبحنا الشائعات في كل مكان.... تم إطلاق عديد منها مثل أن متظاهرين من ميدان التحرير أقروا بأنهم أخذوا أموالا من بعض القوى السياسية ليبقوا على موقفهم معتصمين في ميدان التحرير (وكأن من المعقول أن تقنع شابا بأن يتظاهر في هذا الخطر المفرط مقابل المال)... الأخوان المسلمون هم وراء حوادث السلب والنهب (وكأن السلب والنهب محسوم منطقيا أنه جائز في منهجهم الفكري)... أمريكا أعطت النظام ضوء أخضر ليفعل ما يفعل من أجل قمع المظاهرات، وكأن أمريكا تستطيع ذلك في زمن تصور فيه القنوات الفضائية وتبث الإنترنت كل شيء أولا بأول..... هناك كثير من الشائعات يسري ويمكن أن يؤدي إلى آثار غير محسوبة وتهور قد لا تحمد عقباه، وسنعلن على مجانين وعبر الشبكة العربية للعلوم النفسية أننا في موقع مجانين نريد عمل إحصاء للشائعات (والشائعات هي أقوال بدون برهان أو دليل –أقوال غير مبررة-)
كذلك تنتشر بين الفينة والفينة فيروسات فكرية مثبطة مثل أشكال الأفكار المسمومة أو كلاشيهات الأفكار المغلوطة (الأفكار السلبية المتداولة)..... فبينما يراهن النظام على قوة تحمل ثورة الشباب وقدرتها على الصمود تجد كلاشيهات فكرية مثل "حالنا واقف" ومثل "كام شهر ويمشي" هذه الفيروسات المجهضة للثورة ما تأثيراتها النفسية وكيفية التعامل معها كجزء من محاولة تعلم آليات مواجهة الحرب النفسية، وسنعلن على مجانين وعبر الشبكة العربية للعلوم النفسية أننا في موقع مجانين نريد عمل إحصاء عن الأفكار المسمومة أو كلاشيهات الأفكار المغلوطة (الأفكار السلبية المتداولة).... فنستقبلها بغية الرد عليها، حيث أن تصحيحها والرد عليها جزء هام في الدعم النفسي للمواطنين
في المساء بلغ الهم مبلغه كان الألم ممزوجا بالخزي والعار يا للفرعون وأفعاله، ليس معقولا ما يجري كيف يسمح النظام لفرق البلطجية وحاملي الأسلحة البيضاء والعصي الكهربائية والهراوات أن يهاجموا المتظاهرين سلميا؟ كيف يحدث هذا ظهرا وعلى مرأى من كاميرات العالم وعيونه؟ هل يريدون تحويل الثورة إلى حرب أهلية؟ من الممكن أن ينخدع من لا يعرف المصريين بذلك، من الممكن أن يخاف بعض الناس فقط لأنهم لا يعرفون..... أو لأنهم تصيبهم الفيروسات الفكرية المُثَبِّطة...... أما من يعرف المصريين فسيكون مقتنعا بأن قدرة النظام على حشد مؤيدين لمبارك يتعاونون مع البلطجية ورعاع الناس -مهما بلغت- تلك القدرة فإن أعدادهم ستبقى قليلة جدا بالنسبة للمتظاهرين.....
السبب واضح بمجرد عملية تفكير بسيطة لمن عاش خلال الثلاثين سنة الماضية من المصريين اسأل نفسك كم مرة وجدت من يعبر عن حبه في السر للرئيس مبارك؟ هل لمرة واحدة لم تشعر بأن هذا الشخص الذي يحب حسني مبارك إما غبي أو جاهل أو معزول عن الفهم أو تابع للنظام أو منتفع منه بشكل يستفزك أنت شخصيا في أغلب الأحوال...." باختصار أنا شخصيا قابلت من غير هؤلاء ويعلن حبه لمبارك قلة قليلة على مدى 30 سنة أكثرهم كانوا من ذوي العاملين في وزارة الداخلية.... فكم من بين من كانوا قبل ما يحدث ويعرفه الجميع يحبون الرئيس مبارك حتى الآن؟ وكم من هؤلاء مستعد أن يطيع النظام في قمع المحتجين؟، لن يستطيع النظام مهما حشد أن يجمع من يدعمه بهذا الشكل، لكن أخشى ما أخشاه هو أن يتجاوز الأمر زجاجات المولوتوف الحاضرة والقنابل المسيلة للدموع والطلقات المطاطية والعصي إلى إطلاق الرصاص.
كان من المؤسف بالنسبة لي أن كثيرين من الشباب تمكن خطاب الرئيس من خداعهم... أعرف أنه لن تجهض الثورة لكن كثيرين سيسقطون من الشهداء......... واضح أن الناس مصرون وها هم كلهم متجهون من كل مصر إلى ميدان التحرير، دخل الليل وهم يتزايدون ومن حول الميدان فرق البلطجية يتجمعون ومعهم لافتات مزورة كحامليها ومعهم كثير من ذوات الأربع ومن الأسلحة وما زلت أقول في نفسي هذا بالتأكيد فقط للتخويف كجزء من الحرب النفسية ولا يمكن أن يحدث فعلا تحت الكاميرات أن يطلق هؤلاء على المتظاهرين العُزَّل المسالمين.... يا رب احفظ مصر وانصر شبابها.
يتبع : .............. ساخن من مصر: أيام الغضب الخميس2
واقرأ أيضاً:
ساخن من مصر: أيام الغضب الأربعاء / الحرب النفسية في معركة ميدان التحرير