ساخن من مصر: أيام الغضب الخميس2
في الصباح كان أهم شيء هو التأكد من سلامة المعتصمين الذين ناموا في الميدان وكان مفرحا ومشجعا أنهم سلموا وأنهم يزدادون عددا وتنوعا بسرعة...... فرق البلطجية ما تزال تحيط بمداخل الميدان وتتجمع حوله في ما أصبحت شبه متأكدٍ من أنه حرب نفسية ليس أكثر، أو هم كانوا قرروا أن يجهزوا بوحشية على المعتصمين في التحرير ثم تعليمات أمنية للمراسلين الصحفيين الأجانب بمغادرة الفنادق المحيطة بميدان التحرير....، ليفعلوا ما دبروه بليل لكن هم والحمد لله لم يفعلوا..... هم ربما أرادوا فقط نوعا من إرهاب الموجودين في داخل الميدان عل يرحلون، ومن ترويع وإرهاب للآخرين خارج الميدان من مجرد فكرة الالتحام بهم أو مساندتهم بشكلٍ أو بآخر كل هذا يصل الناس في أماكنهم وهم أمام الشاشات يرقبون ما يجري...... إلا أن ما عرفته اليوم فضلا عن أنني كنت أسمع به منذ أمس أو أول أمس، عرفت أنهم كذلك يمنعون الجماهير القادمين من الشوارع الجانبية المحيطة بميدان التظاهر، ويبدو أن شكل البلطجي يختلف حين يكون في مكان أو موقف البلطجة لقد شعرت فعلا بالخوف وأنا أحاول الوصول إلى تظاهرة اليوم في الزقازيق....... في جمعة الرحيل.
الوجوه بغيضة وهي لمجموعات من هؤلاء؟ ترى شراسة وخلاعة واستهانة في الوجوه وعلى بعضهم أو بعضهن أضف إلى ذلك بعض انفعال في بعضهم وكأنما أفهموهم أنهم سيواجهون أعداء،..... تظاهرة اليوم في الزقازيق زادت عن ثلاثين ألف..... معظمهم من الرجال لأن تهديد هجوم البلطجية قائم ومن الأفضل في مثل هذه الحالة أن نحافظ على النساء...... كثيرون بلطجية الزقازيق، تراهم بالعشرات جالسين على جوانب الطريق في وسط مدينة الزقازيق في المسارات الجانبية بين شارع المكاتب وشارع مولد النبي وميدان طلعت حرب!
كلما حاولت التقدم من أحد الشوارع الجانبية نحو الميدان فإن ثلاثة أرباع الناس الموجودين يحذرونك من التقدم، حذار سيكون هنا ضرب نار! فإذا سألت: من سيضرب النار؟ نُظِر إليك باستغراب كأنك غبي!..... لكن في أحد الشوارع وجدنا من يشير بيديه إلى ناحية المظاهرة وبينما اتجهنا إلى هناك فاجأنا السؤال أي مظاهرة تريدان؟ كان السؤال غريبا واكتفيت بالنظر إلى السائل وكأنني لم أفهم السؤال ثم كانت المفاجأة نسوة كاللاتي نراهن في أسواق الخضار والسمك والأحياء الفقيرة المهمشة لا أنسى منظر إحداهن وهي تصرخ بالصوت "الحياني" كما نقول في مصر: عايزينه يمشي ليه؟ بينه وبينكو إيه؟..... هؤلاء النسوة يتقدمن جمعا لا يزيد على 200 شخص إلا أن نساءها من النوع الذي يجدر بالرجل العاقل أن يتجنبهن وأما رجالها فيحملون عصيا أو سلاسل..... هذه إذن هي مظاهرة التأييد للرئيس وفعلا بالنسبة لمثل هؤلاء صعب أن تفهم أشياء مثل الكرامة أو العزة أو الخيانة هذه فئة من الناس لا تفهم إلا أوراق النقود ورغيف العيش..... أحد الواقفين قال لي -وقد لاحظ تعبيرات وجهي وأنا أقول فقط هؤلاء!-: التسعيرة اليوم صارت 200 جنيه لمن يتظاهر تأييدا لمبارك.... بدأت بـ 50 جنيها ووصلت الآن إلى 200 جنيه..... قلت أمثال هؤلاء لا رأي لهم أصلا رأيهم دائما هو لمن يدفع......
وحقيقة عرفت في هذا اليوم أن عدم مشاركتي في الانتخابات حرمني من مشاهدة كل هؤلاء البلطجية فهؤلاء هم أدوات النظام في مصر ولو أنني كنت اشتركت في تمثيلية الانتخابات في مصر لكنت عرفت أن كل هذه الكميات من البلطجية موجودون في الزقازيق، إلا أن احترامي لصوتي كان يحول بيني وبين المشاركة في أي انتخابات من بعد ما قلت أنا وثلاثين من زملائي -على الأقل- لا لفترة الفرعون الثالثة وكانت نتيجة اللجنة التي شاركنا فيها 100% نعم لمبارك، كانت هذه المرة كافية وأذكر أني اتخذت ذلك الموقف الرافض تماما لهذا النظام بعد الموقف المخزي الذي وقفته مصر ضد العراق سنة 1990 وبعدها كان الاستفتاء على المرة الثالثة للفرعون، والذي تأكدت بنفسي من تزوير نتائجه!
خرجت من ذلك الشارع وحاولت الدخول إلى المظاهرة من عدة شوارع جانبية وكنت أمنع من ذلك ولم يبق لي إلا أكبر الشوارع وهو شارع مولد النبي (عليه الصلاة والسلام) ومشينا باتجاه الميدان وقبله بحوالي خمسة عشر مترا رأيت مجموعة من المدنيين يشكلون حائطا يمنع الدخول إلى الميدان وكان واضحا أنهم في صراع مستمر مع بعض من يحاولون الدخول وحين وصلت بدأت أحاول الدخول فقال لي أحدهم لا يا دكتور نحن لا نعرف إلى متى سنتمكن من صد هؤلاء... فنظرت إلى يميني ويسارا فرأيت وجوه أنصار الحزب الوطني وهم دائما سيماهم على وجوههم من أثر الحرام الذي فيه يعيشون،..... سألته ولكن لا بد من طريقة للوصول إلى المتظاهرين فقال لقد نصحناهم بإنهاء المظاهرة الآن التزاما بحظر التجوال فقد يتخلى الجيش عن المتظاهرين عند بدء حظر التجوال وساعتها سيهاجمهم البلطجية من كل ناحية.... ولم أكد أنهي كلامي معه حتى وجدت جموعا من المتظاهرين تسير يمينا وجموعا تسير يسارا فعرفت أنهم توقفوا في الوقت المناسب.... ورجعت محبطا.
بهذا الشكل؟ بهذا الشكل يحفظ النظام نفسه؟ ما هذه الوضاعة؟ أي حقير فكَّر بهذا الشكل؟ يختفي رجال الشرطة والأمن المركزي...... ويتم تحييد الجيش جزئيا أو كليا..... ثم يطلقون على المتظاهرين جيشا من رعاع الناس المتصفون بالاندفاع والعدوانية وعدم الشعور بالذنب والقسوة والفظاظة..... إلى آخر جملة صفات معظمها من الصفات التي يحمل كل صاحب شخصية مستهينة بالمجتمع أو سيكوباثي بعضا منها لكن النظام المصري يستخدم النموذج الجمعي لكل مساوئ الاستهانة بالقيم الاجتماعية فتصبح كلها موجودة في فريق البلطجية الذين أعطاهم الحاكم أجرا.... فلا مجال أصلا للخوف من المساءلة عما سيفعل أي واحد منهم..... نحن لا نتكلم عن قوة نظامية كالشرطة أو الجيش وإنما نتكلم عن مجموعة من المجرمين المحترفين يطلب منهم أن يخمدوا المتظاهرين ويكافئون على ذلك! أي مستوى هذا من الإنسانية ؟ هل لهذا في الأصل علاقة بالإنسانية؟!
الحمد لله فضح الله استراتيجية الحكم بالبلطجة التي ينتهجها النظام لقد وصلت اعتداءات البلطجية إلى الصحفيين وصار واضحا على مستوى محافظات الجمهورية أنها نفس الاستراتيجية تقريبا في كل محافظات مصر مظاهرات حاشدة تطالب بإسقاط مبارك ثم تخرج مظاهرات محشودة معظمها يتحول إلى هجوم من البلطجية يشعل العراك بين فريقين بحيث يظهر الفريقان كأنهما فريقان مدنيان وأن الشرطة والجيش لا علاقة لهم بما يحدث! المشكلة أن الناس فهمتها بسرعة ثم جاء تعميمها لتشمل مصر كلها إثباتا دامغا لكونها استراتيجية مرتبة ومعدة وليست عفوية مثلما هي الثورة المصرية الحقيقية!.....
في المساء كان مؤسفا ألا حياة لمن ينادون من ميدان التحرير وإنما بدأت تنتشر وتتكرر بشدة مقولته أو القول الذي نسب إلى الفرعون من أنه يحمل درجة الدكتوراه في العناد؟ أي عناد أيها الفرعون؟ عناد مع كل هؤلاء الشباب وعلى حساب مصر..... فعلا المسألة لا تهمك وطبيعي من مثلك أن يقول إذا كنت سأتركها فأتركها محترقة.... خيبك الله وزاد وجهك سوادا أيها الفرعون!
يتبع : .............. ساخن من مصر أيام الغضب السبت2
واقرأ أيضاً:
الحالة النفسي سياسية / لماذا رفض المصريون مبارك / مواصفات الرئيس القادم