اليوم فعلا يصنع المصريون شرعية وجودهم يثبتون تلك الشرعية ويرفعون اسم مصر عاليا مثلما اعتادت مصر حتى جثم الفرعون الأخير على صدرها، الثورة المصرية بالفعل هي استعادة لشرعية الوجود، تلك هي التظاهرات التي يقوم بها المصريون على مدار 12 يوم وما نزال في اليوم الثالث عشر نرى الحشود الحاشدة مجتمعة لا في التحرير وحده بل في معظم محافظات مصر، من الأكيد أن كل من شعر بالازدراء من الموقف المصري على مستوى العالم في أي من القضايا المصيرية التي اعتدنا أن يقف منها الفرعون الخائن مواقف مخزية كل واحد من هؤلاء الذين اعتادوا ازدراء الموقف وربما الشعب المصري يراجعون الآن أنفسهم من الأكيد أن ذلك يحدث، ومعناه أن الصامدين في ميدان التحرير يرفعون اسم مصر عاليا ويغسلونه من كل ما علق به في عهد الذل والخيانة والهوان.
وددت لو أني أقبل على الجبين كل أقباط مصر الإنجيلين وغير الإنجيلين لأشكرهم على هذه الوقفة المشرفة وإعلانهم أنهم ثائرون نفس ثورتنا، وهو ما جعلني أثق في أن الله الذي يرعى مصر قد فوَّت الفرصة على من أرادوا السيناريو المرعب للفتنة بين مسلمي مصر وقبطها، ليس هذا فقط بل هو بيَّن للناس في الشرق وفي الغرب أن المتظاهرين والمعتصمين ليسوا فقط جماعة الإخوان المسلمين ولا الإخوان قادتهم،
في الإسكندرية أكثر من مليون وفي المنصورة حوالي ربع مليون متظاهر وفي أنحاء شتى من مصر قامت مظاهرات في أحد الشهداء كلها تؤكد على المطلب الأول للثورة وهو إسقاط الرئيس وكثيرون من الناس بدوا أكثر إصرارا...... فبرغم أن عددا لا بأس به من أهلنا ضحك عليهم النظام إلا أن فريق الثائرين المصرين على إسقاط مبارك كان أكبر بكثير وأقدر حتى الآن على الحشد والاحتشاد.
الميدان بالفعل يتحول إلى عالم كامل وحياة تنبض بالحرية والإبداع، شتى أنواع الفنون والفلكلور، تحوير كلمات أغاني قديمة وأهازيج شعبية لتناسب الموقف.... شعراء الفصحى والعامية متجمعون يكتبون وينشدون وآخرون يرسمون لوحات أو يكتبون عليها ويرفعونها....... وهذه نزلت بالفرعون إلى أسفل سافلين وجعلته مضحكة للعالمين، آخرون يستخدمون الأكواب البلاستيكية الفارغة ليكتبوا بها على الأرض شعارات إسقاط الفرعون بالعربية يكتبون وبالإنجليزية،.....
أنباء وصور تنقلها الجزيرة عن تظاهرات المصريين في أقطار عدة وفي مدن عدة من بعض أقطار المهجر وهذه في رأيي أفضل رد على من يدعون أن الموجودين في ميدان التحرير ينفذون أجندات خارجية معادية لمصر، وأفضل رد على من يدعون أن هناك فتنة في مصر.... فمن المستحيل أن تجد بين المصريين الموجودين خارج مصر مؤيدين لمبارك إلا إن كانوا من خزنته أو أقربائه.. والوضع مختلف في مصر لأن الخوف ما يزال يسيطر على كثيرين ويبقيهم في بيوتهم.
مبادرات عدة وحوارات أجريت في أحد الشهداء فقد بدأت محاولات عديدة للالتفاف على ثورة الشباب أو خفض سقف المطالب، مفاوضات لنائب رئيس الجمهورية مع ممثلي أحزاب المعارضة ومع الأخوان المسلمين رغم أن أحدا منهم لم يدعي أنه مسئول عن الثورة... وأسوأ ما كان يومها وما أشار إلى حتمية فشل التفاوض كان صورة كبيرة للفرعون مثبتة على الجدار بشكل استفزني أنا شخصيا ولا أظنه إلا استفز كل من رآه من المصريين..... واضح أننا مللنا فضلا عن كوننا كرهنا صورة هذا الفرعون، الطريف كان أنه بينما المفاوضات تجري أعلن الموجودون في ميدان التحرير أنهم لا علاقة لهم بهذه العملية التفاوضية.
عدة مقترحات قدمها رجال بارزون من المصريين مثل د. أحمد زويل ومثل محمد حسنين هيكل وبدا واضحا أن مطلب رحيل مبارك أو تخليه الكامل عن السلطة أو اختفاؤه التام من المشهد السياسي... وكلها للأسف ما يزال النظام لا يفهمها أو غير مستعد لها أو ما يزال يشعر أنه يستطيع الاستمرار..... وليس غريبا ولا مستغربا أن يفكر الفرعون بهذا الشكل لأنه غالبا لم يدرك أن المصريين الذين ظل يستهين بآرائهم ورغباتهم وأجسادهم وأرواحهم ثلاثين عاما، هؤلاء المصريون قد تغيروا وقاموا يطالبون بحقهم ويثبتون شرعيتهم التي تصر على حرمانه من الشرعية.
كل من أعرفهم من المتميزين موجودون بشكل أو بآخر في ميدان التحرير، لا أتكلم أنا عن أغلب فناني ولكن حتى من الأطباء النفسانيين وغير النفسانيين ومن لم يذهب جهز نفسه للذهاب..... وكأن الله عز وجل يحرك نفوس المصريين باتجاه الحفاظ على صمود الثورة وتصعيدها حتى ذروة الانتصار.....
بدأت تداعيات الأحداث النفسية الخاصة بموظفي وزارة الداخلية تظهر في عيادات الأطباء النفسانيين، ليس فقط على مستوى أمناء الشرطة وإنما أيضًا تكرر أكثر من مرة مشهد ضابط أو نقيب أو غير ذلك، يأتي في العيادة ليشكو من قلق شديد أو اكتئاب بعضهم لم يصرح بما يوضح علاقة ما يشعر به بما حدث وبعضهم كان في منتهى الوضوح فقال.... أنا معتاد على تنفيذ الأوامر غالبا دون تفكير.... طوال مدة خدمتي أنفذ الأوامر، هل يا ترى يبرئني ذلك؟..... وبعضهم أشار إلى موقف الناس والجيران منه ونظراتهم القاتلة وبعضهم قال الله يمكن أن يسامحنا لكن الناس لا أظن!
لست أدري ما يربط ميدان التحرير الآن بغزة الصامدة.... يا ترى ما معنى هذا لقد تكلمت من قبل متفكها عن سلطة مصرية على غرار السلطة الفلسطينية وفيها يحكم مبارك من يؤيدونه ويسمى رئيس السلطة المصرية،... لم أقل أكثر من الذي سبق في تلك المدونة لكن الحقيقة كانت أن تخيلاتي المصاحبة لتلك الفكرة كانت تذهب أبعد فأرى ميدان التحرير يكبر ويتمدد في كل اتجاه..... ويبقى محررا تحت عيون العالم فما يكون من الفرعون وسدنته ومؤيديه إلا أن يتفقوا على أن المهمة الأسمى ستبقى فصل مصر عن غزة لاستمرار الحصار على حكومة حماس المنتخبة....... ويتم ذلك بشكل أمريكي إسرائيلي تجد معظم الدول العربية والغربية تؤيده أو ربما بقرار مجلس أمن نظرا لخصوصية الوضع الجغرافي لمصر والأهمية العالمية لاستمرار الالتزام بكل بنود اتفاقية كامب ديفيد..... وعليه يضعون دولة للفرعون في شريط حدودي حول غزة وتكون فيه سلطة مصرية يرأسها الفرعون ومعه أعوانه ومؤيدوه...... وتعتبر بقية مصر كيانا معاديا لمنطقة السلطة المصرية التي تتعاون مع إسرائيل من أجل استعادة السيطرة على مصر المحررة...... تخاريف واحد لا ينسى كيف شعر أن سياسة بلده بمثابة البصقة في وجهه أمام الناس وخزي أمام العزيز الجبار...... سامحوني فكل الخيبة التي خابتها مصر في عهد مبارك كوم وخيبتها في موقفها من غزة كوم!
يتبع : .............. ساخن من مصر أيام الغضب الاثنين2
واقرأ أيضاً:
الحالة النفسي سياسية/ لماذا رفض المصريون مبارك/ مواصفات الرئيس القادم