اختفت بروق الأمل في سماء الخريف من حياة الطاغية، صمتت طبول النصر، غاص الطاغية في دوامة لا قرار لها، الأعين تتابعه بازدراء، لا سرور يعلو وجهه ولا غرور يملك نفسه، انقضت أيام الاختيال والغرور والجبروت، حقير يقتات على الحقارة، لص قاتل، حامي المجرمين ومعذب الشرفاء، نسي الله فأنساه نفسه، بدأ ولادته بعهد الله وانتهى بعهد الشيطان، استباح كل شيء في سبيل الدفاع عن سلطاته، رفع شعار الله وغاص وأهله في الدنس، بصقه المجد وعلا وجهه الخزي وكساه بطبقة من القصدير المذاب، فسد الرأس ففسد الجسد كله، ملكته فكرة انه إله وأنه لا يمرض ولا يموت، تمسك بالسلطة تمسك الثعبان بفريسته، كان يجب عليه أن يذهب بما فقد من أهلية؛
خرج الشعب من دورهم إلى الميادين، اندفعوا وراء مشاعرهم القلقة الدفينة، وفي تجمع لا مثيل له وجدوا أنفسهم جسدا عملاقا لا حدود لقوته، يجأر بالاحتجاج والخوف من المستقبل، تبودلت أنات الشكوى في هيئة همسات مبحوحة ثم غلظت واحتدمت بالمرارة، ثم تلاطمت كالصخور، وشعروا أنهم طوفان إذا اندفع.
هفت على ذهن الطاغية أشياء عديدة، أطبقت على أذنيه أصوات الماضي، من هتاف النصر الذي روى غروره إلى زمجرة الغضب الذي أرعبته، من هدير المؤمنين إلى غناء المنافقين، تذكر نداءات اسمه من فوق المنابر وانتابته الحسرة، هل بقي له شيء في قلبه من ذكر الله، لو كان ذلك، لتجلى له زيف المجد الكاذب كقناع من ورق متهرئ لا يخفي ما وراءه من ثعابين القسوة والظلم والنهب والدماء، لو كان ذلك، للعن أباه وأمه على أن أنجباه، وللعن أصحاب الفتاوى المهلكة وشعراء النفاق وفرسان الباطل ولصوص بيت المال وعاهرات أسر الكبراء، والذهب المنهوب والمهدر في الأقداح، وللعن أصحاب العمائم المنافقين، وللعن الجدران والمقاعد والقلوب الخاوية والنفس المتحجرة وضحكات الكون الساخرة، لم يكن يوما ما حكيما وإنما ملأت الحماقة عقله فانتشى بصوت أنات الشعب، وسخر منه في السر والعلن، اجتاحته السلطة فملأت قلبه وفكره وعقله، رفض الانصياع إلى صوت العقل والشعب فحق عليه ما حق.
30-1-2011