من واقع ما نراه وما نسمعه وما نلمسه، يمكنني أن أؤكد أن ثورة شباب 25 يناير يتم وأدها بأسلوب خبيث، وأن كل الوعود التي يقطعها الرئيس – المنتهية صلاحيته – والتي يعلنها على الهواء ستتبخر حثيثا بمرور الزمن، والذي سيستمر في أسلوبه المعروف عنه "تكلم واخبط رأسك في الحائط"، وسيبدأ في القريب العاجل في إعادة ترتيب الجهاز الأمني والذي سيتبع أسلوب القتل في المضاجع دون الحاجة إلى الاعتقال وما أشبه، حتى يتسنى له فيما بعد الاستمرار في الحكم بحجج سيتم صياغتها، ولن يُلتفت إلى أي نوع من أنواع الدساتير أو الحجج القانونية.
فالملاحظ أن كل القرارات التي أصدرها هي بمثابة "الضحك على الذقون"، فإن كان يرغب فعلا في الإصلاح لأحال كل المقربين منه إلى المحاكمة العاجلة، ولكن لأنه سيطاله الاتهام من شهاداتهم وأقوالهم في التحقيقات، فهو لا يرغب في فضح نفسه وعائلته، فإذا أخذنا مثالا واحد أيام كان الرئيس في أوج قوته ويحكم مصر بالحديد والنار، نقول نأخذ مثالا عن "يوسف والي"، والذي أجمع الشعب كله على أنه المتسبب الأول في فساد الأرض الزراعية المصرية، وفي سرطنة المواد الغذائية، نقول أن يوسف والي أعلنها صراحة من قبل أن الرئيس لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يحيله إلى المحاكمة، لأن يوسف والي – على حد قوله – أفاد بأن كل المواد الكيماوية والبذور المسرطنة دخلت بناء على موافقات رسمية من الرئيس وأن تحت يديه العشرات من التسجيلات الصوتية للرئيس والتي تفيد بموافقته على إدخال تلك المواد لمصر، بل الأدهى من ذلك أنه – أي يوسف والي – قام بإعطاء تلك التسجيلات لبعض الموثوق فيهم داخل مصر وخارجها، وأنه طالبهم بنشرها إذا حاول الرئيس – مجرد محاولة – أن يجعله يذهب للمحكمة حتى بصفته شاهدا. أقول ذلك والرئيس في ذلك الوقت كان في أوج قوته ويسيطر على مصر بالحديد والنار، فما بالك اليوم وهو في حالة واضحة من الضعف والوهن ونظامه شبه هش، فهل يستطيع مثلا أن يحيل صفوت الشريف إلى المحاكمة. أقولها بالصوت العالي مستحيل. من هنا أقول أن الرئيس – المنتهية صلاحيته – غير جاد بالمرة في الإصلاح أو حتى محاولة الإصلاح، ويراهن على الوقت وآفة النسيان.
نأتي لنقطة أخرى، بالرغم من نشر الصحف البريطانية وعلى رأسها الجارديان للحسابات الخاصة بالرئيس وعائلته في بريطانيا والنمسا وسويسرا، فلم يتحرك أحد في مصر ليسأله من أين لك هذا؟ وأغلب الظن أنهم لن يقولوها نهائيا، إلا في حالة السقوط النهائي له. وأتساءل عن الرجل – الذي طالما صدعنا – بأنه يمتلك المستندات على فساد هذا وذاك، ويقوم بإخراج الأوراق من جيبه تباعا، حتى أنني ظننت في يوم من الأيام أن لديه مستندات تدين الأنبياء والرسل، أقول أين هو الآن مما تم نشره في الصحف البريطانية عن أرقام تلك الحسابات الخاصة بالرئيس وعائلته والتربح الغير مشروع والمهول بالمليارات.
فها هي قضية سهلة المنال أمامه وليست كالقضايا الوهمية والمستندات التافهة التي كلما ظهر لنا على الشاشة يخرجها بأسلوب تمثيلي بذئ. فيا من تدعي أنك مستشار قم بالواجب الذي يمليه عليك ضميرك ولو لمرة واحدة، أرسل للنائب العام بطلب التحقيق الفوري والسريع فيما يُنسب للرئيس وعائلته، حتى نصدق مرة واحدة أنك فعلا تبحث عن الحقوق، وليس الدفاع عن تجار المخدرات بسرقة أذون النيابة والمحاضر واللعب فيها لتتربح الملايين من جراء ذلك، وإلا فقل لي أنت أيضا من أين لك هذا؟
ثورة الشباب في خطر داهم، والشباب أنفسهم في خطر أشد، والأيام بيننا.