هذا موضوع دقيق وحساس من النوع الذي قد يُغامر المرء بالخوض فيه ويشعر بالذنب إذا سكت عليه!
تتمثل حساسيته في أنه يتعلق بالجيل الثاني من أبناء كبار المسئولين العرب الذين يُثار من حول ممارساتهم وعلاقاتهم الكثير من اللغط والهمس في مختلف العواصم العربية، والذين يُقدر لهم أن يترددوا على تلك العواصم يسمعون ذلك الهمس بوضوح ويستشعرون إزاءه خليطاً من الحيرة والحزن.
الحيرة لأن ما يسمعونه يصعب تصدقيه كما يصعب التثبت منه، والحزن لأنهم لا يستطيعون استدعاء ملف الموضوع ومناقشته في العلن على الأقل للتثبت من معلوماته.
حدث ذلك معي في مرات عديدة ولا بد أنه يحدث مع غيري بطبيعة الحال، والذين يترددون على العواصم الأوروبية يسمعون أضعاف ما يتردد في دوائرنا الضيقة خصوصاً أن الشائعات والأقاويل التي تتردد هنا هي في الأغلب صدى لما يحدث هناك.
لا أتحدث عن البذخ الذي يبلغ حد السفه الذي يعيش في ظله أبناء أولئك "الأكابر" حيثما حلوا في العواصم الأوروبية سواء في فنادقها وملاهيها أو في صالات القمار التي يتجلى فيها ذلك السفه في أبعد صوره، حتى أن أحدهم ظل يخسر ذات ليلة حتى خسر في الرهان الطائرة التي قدم عليها ولم يُنقذه من الورطة سوى تدخل "نسيب" من عاصمة أخرى في آخر الليل..!!
مع ذلك أزعم أن هذا البذخ أهون مما أقصده رغم ما فيه من فحش وسفه ذلك أن ما في بالي أتعس وأشد فحشاً!
إذا سألتني كيف فإليك الحكاية أو القدر الذي يمكن البوح به من معلوماتها... ذلك أن أغلب كبار المسئولين، خصوصاً العائلات الحاكمة في العالم العربي، يوفودون أبناءهم للدراسة في العواصم الأوروبية التي تُرحب بهم سواء في الكليات العسكرية أو في بعض الجامعات التي تقدم لهم شهادات خاصة من ذلك النوع الذي تنفصل فيه الشهادة عن العلم والمعرفة، وكثيراً ما يُمنح "الطالب" الشهادة والإجازة وأحياناً تُعد له رسالة الدكتوراه دون أن ينتظم في الدراسة أو يُكلف خاطره بفتح كتاب أو الاستماع إلى محاضرة باعتبار أن "مقاماتهم" أكبر من ذلك..!!
وغاية ما يمكن أن يُحصله هؤلاء الشبان أنهم يتمكنون من اللغة الإنكليزية بالقدر الذي يسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم والتواصل مع الآخرين، إلى جانب أن ذلك النوع من التحصيل هو أيضاً من قبيل التشبه بالأجانب الذي يعوض شعور بعضهم بالنقص إزاءهم.
أحيانا يكون بعض أولئك الشباب تحت رعاية الأصدقاء الأجانب ذوي العلاقات الخاصة مع أكابر الغرب وأحياناً يُترك أمر "رعايتهم" للجهات المختصة في الهيئات العلمية التي يلتحقون بها. لكن الأهم من ذلك أن جهات عدة ذات مصلحـة تُتابعهم وتنسـج من حولهم شـباكاً تسـتهدف في حدها الأدنى اسـتمالتهم والتواصل معهم، ومن ثم ينخرطون معهم في علاقات معقده ظاهرها يوحي بالبراءة وسـلامـة القصد، ولأنهم جميعاً يعودون إلى أوطانهم لكي يحتلوا مواقع محجوزة لهم في صدارة السـلطـة ببلادهم فإن تلك العلاقات التي تم نسـجها يحين أوان اسـتثمارها ومن ثم حصد ثمار ما تم زرعـه في سـنوات "الدراسـة"...!!!
ما يهمنا ويُزعجنا في ذلك الاسـتثمار أنـه يسـتهدف مجالين أسـاسـيين هما: السـياسـة والاقتصاد؛ إذ يُراد بـه التأثير على سـياسـات الدول التي ينتمون إليها وعلى قراراتها الاقتصاديـة التي تتعلق بالصفقات الكبيرة فيها، وحين يكون أصحاب المصلحـة في ذلك الاختراق هم الإسـرائيليون والأمريكيون فإن قناع البراءة يختفي من المشـهد ويظهر لنا في الصورة الوجه القبيح لتلك العلاقات التي نسـجت خيوطها منذ سـنوات الدراسـة المبكرة...!!!
هذه الخلفية تقبع وراء الشائعات التي تروج في بعض الأوساط عن اختراقات إسرائيلية كبيرة للجيل الثاني من أبناء بعض المسئولين العرب ـ منهم من كان ثورياً يوماً ما ـ، وعن اجتماعات يحضرها هؤلاء وهؤلاء في لندن وباريس وجينيف، بل إن الشائعات تتحدث أيضاً عن بعض أبناء مسئولين كبار في الأجهزة الأمنية التحقوا بشركات خرجت من رحم ذلك الاختراق وعن دخول عناصر فلسطينية في اللعبة..!!
أرجو أن يُغفر لي كتمان الأسماء والتفاصيل للأسباب التي لا تغيب عن فطنتك... ذلك أن أي خطوة أبعد مما ذكرت توقعنا في المحظور، وتلك مهمة أُحيلها إلى المستقبل أملاً في أن تتسرب يوماً ما وثائق المشهد من أي "ويكيليكس" يظهر في الأفق...!!!
واقرأ أيضًا:
حكاية قمر تاه / جمهورية التحرير الشقيقة!