الدوحة-قطر: قبل بدء الحرب:
بيتنا الجديد … حلم الاسرة يتحقق…. كأي أسرة خليجية تبدأ بالزوجين… الأطفال, ثم حلم البيت وها هو بيتنا الذي تابعنا بنائه خطوة خطوة ولكن ...
هل أستطيع النوم في غرفتي الجميلة؟؟ اختارتها لي أمي بعناية!!....صوت كفحيح الأفاعي يذهب من عيني النوم
في الصباح أخبر أمي ... تقول لي "تتخيلين"
أعاني من حالة أرق واضحة, يتحول نومي من العاشرة ليلا إلى الثالثة عصرا... أذهب إلى عملي مرهقة من اضطراب النوم.
تابعنا كغيرنا أخبار المفاوضات ...صدام يسلم نفسه ؟؟ يكشف عن أسلحته ؟؟؟
خطبة ما قبل الحرب:
وسط الحيرة والشك يقف شامخا رغم المرض في خطبة الجمعة التي تربينا فيها على أفكاره مع مرور الأعوام.
بكيت من قوته وهو يعلن بوضوح أن ما يحدث هو احتلال يوجب الجهاد. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه. الحمدلله, كدت أن أفقد ثقتي بعقلي!!
ليلة الحرب:
تعلقت قلوبنا بحدوث المعجزة وتسليم صدام لنفسه لكي يحقن دماء شعبه!!
لم أستطع النوم,فحيح الأفاعي يزداد ويأكل رأسي. انتقلت الى صالة بيتي لأنام على الأريكة في حالة إعياء وأستيقظ على يد أختي في الخامسة فجرا فأسألها هل بدؤوا القصف ؟؟ تقول لي"نعم بدؤوا" ولا أنام......
الحرب:
أكره غرفتي.... أكرهها!!! أنظر من النافذة إلى السماء علِّي أرى إحدى تلك الأفاعي.......لماذا لا أراها؟ لماذا لا تتوقف؟
أعاني مع فحيح الأفاعي آخر الليل وعند استيقاظي من النوم أبكي مما أرى!! أطفال عظامها تسحق...
أذكر صديقتي....أسميتها صديقتي...طفلة لا تتعدى العامين جسدها كجسد حمامة هشة ترتجف شفتاها من شدة الألم....لا يمكن أن أنسى صديقتي..
نذهب إلى عملنا واجمين مكتئبين.
حتى يغيروا ما بأنفسهم:
بصيص من الأمل...
هذا الوديع المبشر, وبدأنا ما أسميته بالمقاومة السلبية الإيجابية....
هل إن تغيرت وتحسنت في شؤون ديني ودنياي هل بالصدقة والصوم وحفظ القرآن قد تشفى صديقتي ومن مثلها من جرحى؟
إذن نحن في جهاد !! لكن تبا لفحيح الافاعي....
قناة الجزيرة:
أتذكر برنامجا كان يتحدث فيه الصحفي إلى كهل أمريكي يرتدي الشعر المستعار!!
تابعت الحوار فإذا به أحد المسئولين السابقين عن الأسلحة في حرب الخليج الأولى يحذر من الجريمة التي ترتكب في حق البشرية بالعراق باستخدام أمريكا أسلحة نووية جديدة فطبيعة الانفجارات ذات الضوء الباهر والغبار الكثيف أكبر دليل على استخدام هذا النوع من الأسلحة.
تساءلت بإعجاب ما الذي يجبر هذا الرجل على هذه الاعترافات الجريئة امام شاشات التلفاز فيأتني الجواب الصاعق الذي يفسر الشعر المستعار!!
لقد أصيب نفس هذا الرجل بمرض السرطان من جراء إشرافه على استخدام الأسلحة النووية في الحرب الاولى!!
يسأله الصحفي في النهاية "هل أنت فخور بأنك أمريكي" فيقول "نعم.... فليس كل الأمريكان موافقون على ما يحدث"
رحمتك إلهي بشعوب غرقت في السذاجة والغفلة!!
هل يصدق الصحاف بوعوده بمنع الأمريكان من اقتحام بغداد؟
فوجئنا بخبر قصف مكتب الجزيرة وأبو ظبي واستشهد في هذا القصف مراسل قناة الجزيرة طارق أيوب.... . حمل الشهيد في ملاءة خارج موقع القصف!!
الدكتورة ديما:
وجه بسيط ...مضيء ....بكيت من عمق معانيها عندما سمعتها تقول كم تود أن تعتذر من زوجات الشهداء في فلسطين لأنها تعاطفت معهن من قبل ولكن لم تعرف حقيقة مشاعرهن.
وهو ....ملامح الشهيد ...وجها بريئا ...أتذكر ما سمعته عنه.... دعاءه المستمر وهو في حجه للمسلمين بالرحمة ...تسأله زوجته أولا تدعى لنفسك ...فيقول إن شاء الله نرحم مع المسلمين....
لا أستطيع أن أمحو من ذاكرتي الدكتورة ديما زوجة الشهيد طارق.......
انتهت الحرب؟
رجعت إلى غرفتي لانام.....
استيقظت ليلا وحدقت بالظلام بابتسامة حزينة.... ذهب فحيح الأفاعي ولكن كم من الارواح أزهق!!!
رحلة:
أيام وأحداث وأشخاص في حياتي وسفر للدراسة بالمملكة المتحدة....
انحصرت ذكريات الحرب في حيز صغير من الذاكرة لا أزوره...
حتى ذلك اليوم:
في أثناء حضوري لمأدبة غداء أقامتها صديقة عربية وحضرتها سيدات المجتمع العربي البريطاني الذي لم يشعرني بالغربة بعيدا عن العالم العربي بل أنا في وسطه انضمت إلينا مجموعة من السيدات الفلسطينيات ذوات ملامح مجهدة ووجوه مضيئة!!
جلست بجانبي سيدة مسنة خفيفة الظل هي وحفيدتها فاطمة.
ما أجملك يا فاطمة.....
وجه بريء وعيون واسعة باسمة لا تتعدى العامين وبضعة اشهر ...يا لرقتها ومرحها.
ضحكت مع الجميع وشغفت قلوبنا بعذوبة ضحكتها!!
جذبت عيناي لها فابتسمت لها مداعبة فخبأت وجهها ضاحكة ليبدأ اللعب الطفولي!!
بصوت خافت جميل سمعتها تقول "بدي مي"
يا جميلتي..... وهل تتكلمين وأنت صغيرة وقصيرة؟؟!!!!
تناولت كوب الماء وشربت بنهم, حاولت أخذ الكوب من يدها فتمسكت به كالمقاتل عن حقه فأضحكتني!!
جلست مكاني وسط السيدات المضيئات وسألت من بجانبي "هل هي ابنتك؟"
قالت" لا..... هي ابنة الدكتورة ديما والشهيد طارق أيوب"
توقفت حركة المكان من حولي وأنا أنظر إليها
سمعت من ورائي إحدى السيدات تخبر جارتها "كم هي ذكية فهي تحفظ آيات من القرآن الكريم" فهمست لنفسي"وما ظنكن بابنة الشهيد!!"
أسرعت خارج الغرفة كي لا أجدد أحزان من حولي .....
انهمرت دموعي وتذكرت فحيح الأفاعي...... وصديقتي
By: Hana from Manchester
واقرأ أيضاً:
الشيخ عبيد / رسالة من إفريقي إلى إيما لازارْ / لا تقولي مات يا أمي / ذكريات ومشاهد من الحرب