أراد الحَمل يوماً أن يصير قوياً، بعد أن أصبح مثالاً يُضرب في الضعف، فاستشار المخلصين، فأشاروا عليه: إن أردت القوة فتخلص أولاً من قلبك الجبان، وتخلص من دهون جسدك العتيدة التي زادت من كثرة الأكل والنوم، وتدرب واعمل على تقوية عضلاتك وأعصابك!
فلما استطال الطريق واستصعبه، قال: ولمَ أتعب وأنا غني، أملك صوفاً كالذهب!
فباع صوفه واشترى جلداً مستعاراً يُشبه جلد الأسد، فارتدى الجلد وصار يرتع في البرية، فما إن شمه أحد الكلاب نبح عليه ونزع عنه الجلد المستعار، فركض الحَمل هارباً، تُطارده الذئاب والكلاب، حتى اختبأ بين الأشجار وحيداً باكياً حتى قتله الخوف والبرد بعد ما فقد كل ما يملك، فما هكذا يا حَمل تُطلب القوة، وما هكذا يا عرب يُطلب المجد...!!!
ساعات وأبراج وتنظيم بطولات، ويا قلبي احزن
عندما تم تفعيل العمل بتوقيت غرينتش عام 1883 واعتُبر الخط الطولي المار بالمعهد الفلكي البريطاني هو الخط صفر، لم يكن السبب في ذلك هو وجود ساعة ضخمة في مدينة غرينتش يتحاكى العالم بها وبتبذير أصحابها، وإنما كل ما في الأمر أن بريطانيا كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، ورائدة الثورة الصناعية، فلا أدري لما ظن أصحابنا أن فرض توقيت مكة المكرمة ـ الذي أؤيده بلا شك ـ سيأتي عن طريق بناء ساعة ضخمة ذات محرك "ألماني"! إن سـاعـة لا تسـتطيع صناعـة أو صيانـة محركها لا تُعطيك أبداً مجداً ولا هيمنـة، والمليارات التي أُنفقت عليها ـ في أمة مليئة بالدول الفقيرة والمحتلة ـ تعكس مفهوماً مغلوطاً للنهضة والقوة، هذا إن كان غرضهم من بناء الساعة فعلاً كما يُقال أنه خطوة لفرض توقيت مكة المكرمة، أما إذا كان دون ذلك فهو أمر لا يستحق التعليق...!!!
أما عن الأبراج فحدث ولا حرج، فلا أدري ماذا كسبت الإمارات ببرجها الذي يُضايق السحاب، وماذا خسرت أمريكا بسقوط برجيها ـ سوى إقحام نفسها في حرب خاسرة مع المسلمين بالطبع ـ وماذا خسرت تايوان وماليزيا بعد أن تفوق برج دبي على أبراجهما في الارتفاع، وهذا هو الفرق بين برج الحمل وبرج الأسد، برج الأسد هو مجرد مظهر من المظاهر الطبيعية لتقدمه وتطوره وقوته، فإن سقط أو تفوق عليه أحد في البناء فهذا لا يضير الأسد في شيء ولا ينتقص من قدره، أما برج الحمل فهو مظهر دون جوهر وقشر دون لب...
وأخيراً حدث الساعة، فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022 والذي يُنتظر أن يرى فيه من العجائب ما لم يره أحد من قبل، ولو كانت هذه العجائب ستكون بأيدي القطريين لصبرت نفسي، ولكن للأسف سيكون دور قطر فيها مجرد ممول يدفع المليارات لينال عن جدارة لقب "إخوان الشياطين": (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)) الإسراء.
والفرحة العارمة التي تجتاح الوطن العربي الآن بهذا الحدث ليست دليلاً ـ كما يدعي البعض ـ على الوحدة والقومية العربية، وإنما تُشير للأسف أن ثقافة الحملان مسيطرة على معظم العالم العربي، وأن الذي يمنع كثير من الدول العربية من السقوط في الإسراف ليس الحكمة، ولكن يمنعها أنها لا تملك الصوف الكافي للتمويل، وفرحة العوام بهذا الحدث تدل على أن الخطأ ليس في مفاهيم الحكام والأمراء وحدهم، بل أن الشعوب نفسها تحتاج لإعادة صياغة لمصطلحاتها ومفاهيمها.
وأخيراً،، المجد صناعة، لا سلعة
ما ذكرته عالياً ليس كل شيء، وإنما مجرد أمثلة أنتم تعلمون أكثر منها بكثير، فينبغي على أمتنا أن تفيق؛ فالمجد يُصنع ولا يُشترى، المجد عصارة مجهود وكفاح السنين، وليس ماءً محلى بمكسبات الطعم والرائحة، المجد ينتج عن قوة حقيقية علمية واقتصادية ومعنوية، لا عن مجرد أموال وجدت ـ قدراً ـ في الصحراء والحقول البحرية، إن مجرد وجود مال وفير إن لم يُطعم بالمجهود والفكر الواعي والعمل الحقيقي يصير مجرد وسيلة للظهور والتفاخر، يصير مجرد ديكور أسد يُغطي جسد الحمل الضعيف، أما الأسد الحقيقي فهو الذي يعتمد على ربه أولاً ثم يبذل جهده وعرقه وفكره فيتحول القليل في يده إلى كثير، ويتحول التراب في يده إلى ذهب، وترى على يديه العجب...
واقرأ أيضًا:
السلفية والغرب.. واقع العلاقة ومآلات المستقبل(2-2)/ الفرق بين المدير العربي والغربي نقطة/ مِنَ الآخِر أريد أن أكون الآخر/ من الآخر أريد أن أكون الآخر مشاركة/ من الآخر أريد أن أكونَ الآخر مشاركات
التعليق: كنت بفكر في الموضوع ده النهارده لما تذكرت دكتور سعودي بيتكلم عن ثورة مصر قال أن مصر كانت معتمدة على التاريخ في عزتها وأن مصر لم تقدم حاجة للشعب الحالي وأن دول الخليج مختلفة في أنها قدمت كل حاجة لشعوبها وإن كان بعض الإصلاح فيبقى عمل اللى عليه وزيادة وقلت ما هي فلوس مين فلوس الخليجيين اللي ربنا أنعم عليهم بالنفط ده حاجة، واللي بيعملوه علشان منظرهم وسمعتهم كدول وملوك ورؤساء لما يروحوا في حتة فهم مش أكثر من فلوس وأنا لا أنكر أن فيه تطور ولكن فلوس الشعب المفروض تقفز بيهم بمكان آخر من تعليم وبنية وتطوير معتمد على الذات