الحرب النفسية الحديثة ظهرت نتيجة ثمار الوعي النفسي والتطبيق العملي للعلوم النفسية الحديثة في الحروب. إن علم النفس يتطور بسرعة مذهلة نتيجة الدراسات المستمرة مما جعله يدخل شتى مجالات الحياة بما فيها المجال الحربي والعسكري الذي سُمي "علم النفس العسكري"، فالحرب النفسية تعتمد أساسا على العلوم النفسية ولكن أيضا يجب الإلمام بعلوم أخرى مثل علم الأنثروبولوجي وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد وعلم السياسة والعلوم العسكرية.
عرفت الحرب النفسية أول ما عرفت في ملحق (معجم ويبستر) الدولي الجديد للغة الإنجليزية عام 1941.... وقد اُعترف بالتعبير في الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية عندما قام جماعة من الأمريكيين بترجمة بعض المطبوعات الألمانية الهامة بهدف أن يدرك القادة الأمريكيون – العسكريون والمدنيون :إن دروس علم النفس يمكن بل يجب أن تستخدم في كل نواحي الحرب في الظروف الحديثة.
وبالرغم من أن عبارة الحرب النفسية صادفت قبولا واسعا في الدوائر العسكرية في الحرب العالمية الثانية، فإن استخدامها في المطبوعات بعد الحرب كان بطيئا. فيما عدا الكتاب الذي وصف الحرب النفسية الألمانية الذي نشر عام 1941، كان أول مؤلف أمريكي استخدم هذه التسمية بصفة رسمية كعنوان لكتابه هو "بول لاينبارجر". وفي العام التالي ظهر كتاب (الحرب النفسية ضد ألمانيا) لمؤلفه "دانيال ليرنر". لقد جاء الاختلاف في تحديد واضح للحرب النفسية، نتيجة أن مجال نشاطها غير متفق على حدوده، وحتى بين الهيئات المختلفة داخل دولة واحدة، فإن مفهوم الحرب النفسية يختلف وتفسره كل هيئة بشكل متغاير.
يعرف مفهوم الحرب النفسية كما يلي:
تتضمن الحرب النفسية استخدام الدعاية ضد العدو أو مجموعة من الناس مع استخدام عمليات عسكرية أو إجراءات أخرى تدعو الحاجة إليها لتكملة مثل هذه الدعاية.... في مارس عام 1955 أصدرت وزارة الحرب الأمريكية كتاب يتضمن أحدث الآراء الرسمية عن مفاهيم الحرب ومبادئ الحرب النفسية. وقد عرف الكتاب الموضوع كما يلي:
(الحرب النفسية هي الاستخدام المخطط للدعاية وغيرها من الأعمال التي تستهدف قبل كل شيء التأثير على آراء وعواطف، ومواقف، وسلوك جماعات من الناس عدائية، أو محايدة أو صديقة بطريقة تعين على تحقيق أهدافها القومية)... وهنا نلاحظ أن هذا التعريف لا يحدد استخدام الحرب النفسية بزمن أو وقت أو أحداث معينة مما يعني أنه من الممكن استخدامها في وقت الحرب أو وقت السلم أو وقت إعلان الطوارئ.
ويمكن أن ندرك الصعوبة التي تواجهنا عند تعريف الحرب النفسية من جراء المجموعة الكبيرة من المصطلحات التي شاعت عند الحديث عن الصراع الأيديولوجي الذي يسود العالم اليوم وفيما يلي قليل من هذه المصطلحات الشائعة:-
- الحرب الباردة
- حرب الأفكار
- حرب الإرادة
- الحرب من أجل السيطرة على عقول الناس
- الحرب الفكرية
- الحرب الأيديولوجية أو العقائدية
- حرب الأعصاب
- الحرب السياسية
- الاستعلامات الدولية
- حرب الدعاية
- حرب الكلمات
- العدوان غير المباشر
عمليات الحرب النفسية:
عمليات الحرب النفسية قد تكون قصيرة المدى وقد تكون بعيدة المدى وأنواع نشاطها قصير المدى يشمل:
1- الدعاية الإستراتيجية
2- دعاية القتال
3- نشر الأخبار
4- خداع الناس أو العدو بطريقة محكمة
5- دعاية سرية
وتتضمن الحرب النفسية بعيدة المدى نشر الأنباء بطريقة مستمرة بوسائل شتى بغرض مساعدة السياسة الخارجية للدولة ورفع سمعتها والحصول على العطف والتأييد من الدول الأخرى... لا تستهدف الحرب النفسية الإستراتيجية فئة محدودة أو شعبا معينا بل تعمل من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية البعيدة للدولة طبقا للأهداف القومية.... ومن أجل ذلك فهي شاملة بكل ما تحمله الكلمة من معاني.... وقد يستخدم في الحرب النفسية الإستراتيجية أكثر من عنصر من عناصر الحرب، فإلى جانب الدعاية والحرب الباردة قد تلجأ الدول إلى استخدام (الحرب السياسية والحرب الاقتصادية، وأحيانا الحرب العسكرية)، وفي بعض الأحيان تتعارض بعض هذه العناصر لسوء التخطيط مما يؤثر على أهداف الخطة السيكولوجية الإستراتيجية.
ولا تقتصر مهمة فرع العمليات النفسية في الجيش على العمل وقت الحرب، بل تقوم القوات المسلحة بتولي العمليات النفسية التكتيكية في فترة ما قبل الحرب في جميع وسائل الاتصال العالمية، وتستمر مسئولية القوات المسلحة في توجيه العمليات النفسية في ميدان المعركة حتى بعد إيقاف القتال، وإلى أن تعود الحالة إلى وضعها الطبيعي... ونفس الشيء تقوم به القوات المسلحة أثناء إعلان حالة الطوارئ في أحداث معينة داخل الدولة.
الحرب النفسية وعلم النفس:
يمكن أن نتساءل ما دور العلوم النفسية لصناعة الحرب في وقتنا هذا؟ تهدف الحرب النفسية إلى توجيه الفكر الإنساني أو العمل الإنساني ضد رغبة وإرادة الفرد الحر، لأنها موجهة نحو العناصر المكونة للعقل البشري، ويمكن التحكم في عقلية الفرد وتفكيره وتحويل سعة الحيلة الفردية إلى جبن وخور جماعي، وتحويل الثقة إلى اهتزاز في الشخصية والاستسلام والتكاسل إلى ثورة عاتية... بهذه الوسائل وغيرها يخترق العقل اللاوعي للوصول إلى الموارد التي يحتاج منها إلى مادته... وتتعامل الحرب النفسية مع الاحتياجات البشرية والدوافع والانفعالات الإنسانية ومعرفة متى يكون إغضاب الناس نافعا ومتى يسبب المتاعب، وتتناول الحرب النفسية أيضا التلاعب بمشاعر الناس مما يسبب لهم القلق والشعور بعدم الطمأنينة وافتقاد الإحساس بالأمان، كما يمكن استخدام العوامل المؤثرة على الروح المعنوية بتأثير ايجابي أو سلبي ،ويساعد علم النفس على تفهم عقلية الغوغاء والدهماء وعلى معرفة عوامل الفزع والهلع التي تؤثر في الجماهير.
ولرئيس قسم الحرب النفسية العديد من المساعدين يُُسند إليهم الإشراف على الفروع الآتية:
* الحفظ والمنشورات
* المخابرات
* الإذاعة والتلفزيون
* النشرات
* الصحافة
* الأفلام
* المطبوعات
* وسائل الاتصالات الحديثة
* الشائعات
* الدعاية بكل أنوعها
مواصفات الحرب النفسية:
٠ توجه الحرب النفسية التي هي أحدث أسلحة الحرب ضد: الفكر – العقيدة – الثقة – والشجاعة – المشاعر، وهي حرب دفاعية هجومية وذلك لأنها تحاول أن تبني معنويات الشعب والجنود أو العكس، بينما تحطم في الوقت نفسه معنويات العدو أو أي مجموعات من الناس... والحرب النفسية جزء من الحرب الشاملة تشن قبل الحرب، وفي أثنائها، وفي أعقابها، ثم أنها لا تخضع لرقابة القانون ولا لعادات الحرب، ولا تعرف على أساس وصف الأرض أو نظام المعركة، أو تبعا لمعارك لها أسماء فهي عملية مستمرة.
٠ صفات العاملين في مجال الحرب النفسية:
تتطلب الحرب النفسية المؤثرة أن يجمع الفرد الواحد خمسة مهارات:
1- معرفة عملية بتنظيم الحكومة وسياستها حتى يستطيع أن يفسر أغراض الحكومة وخططها تفسيرا سليما
2- معرفة جيدة بالإجراءات العسكرية والعمليات الحربية وفهم كاف لفنون الحرب [البحرية – والجوية - والبرية] – وذلك حتى يكيف التصريحات الصادرة مع المواقف ومع عمليات الدعاية
3- معرفة مهنية بوسائل الإعلام (نشر الكتب والمجلات والصحف والإذاعة والتليفزيون والشبكات الفضائية والإعلان بفروعه المختلفة.....) أو بمجال متصل بذلك اتصالا وثيقا كالتعليم البصري
4- فهم وثيق على المستوى المهني ومعرفة مبنية على دراسة أسس علم الشخصية ومعلومات عن اللغة والتقاليد والدين والعادات وثقافة الشعوب
5- فهم لعلم النفس وعلم الأجناس وعلم الاجتماع والتاريخ والعلوم السياسية والجغرافية
٠ وهناك مهارات أخرى لازمة في مهام معينة:
- فواضع الخطط: يجب أن يعرف كيف يحول أهداف الأغراض السياسية التي يخدمها إلى دعاية
- وكاتب النشرات: يجب أن يعرف كيف يمكن تحويل سياسة الدعاية إلى نصوص سهلة الفهم تقع تحت عين الناس
- والمذيع: يجب أن يعرف نفس الشيء بالنسبة لتحويل سياسة الدعاية إلى مادة تؤثر في أسماع الناس ويجب أن يتحلى بطريقة إلقاء ونبرات صوت مؤثرة
- ورجل المخابرات: يجب أن يعرف كيف يختار ويراقب ويسجل كل البيانات المطلوبة للدعاية
واقرأ أيضاً:
خطورة الشائعات (أقوى أسلحة الحرب النفسية) / الحالة النفسي سياسية / الاستراتيجيات العشرة لخداع الجماهير