هل يمكن أن يكون رجل في حضن امرأته ويفتقد معها الحميمية، وهل يمكن لابن أن يأكل من نفس الطبق مع أبيه ويراه كل صباح وكل مساء، يتسامران ويختلفان ولا يكون بينهما أي حميمية؟! هل يمكن لجار وجاره (رغم صباح الخير ومساء الفل) وتحيات المناسبات وواجبات العزاء ألا يكون بينهما أي علاقة حميمية؟!
هذا ما كان يحدث في مصر قبل 25 يناير 2011 أو بالتحديد بعد 11 فبراير 2011 اقترب الناس من بعضهم بعضاً في ثورة اعتراض على الخطأ، تحدي للظلم ومواجهة مع الظالم.
نعم... فالاقتراب الجسدي والزماني والمكاني لا يعني أبدا الحميمية، أنها تعني ذلك التوحد النفسي، والمشاركة الوجدانية العميقة، التي لا تنفك أواصرها والتي تمثل نسيجا صحيحا ثابتا يشع بالدفء وبالقوة، مثلما حدث في أجمل صورة في ميدان التحرير، وبالطبع في كل محافظات مصر خاصة السويس، المنصورة، الإسكندرية والمحلة.
الحميمية تعبير شاع استخدامه بين العامة وصار من مفردات الناس في حياتهم اليومية، وصار يناقش في أجهزة الإعلام، مرة بشكل عفوي ومرة في صورة عميقة، لكن في كل الأحوال يكاد يدرك الناس مفهومه، إن لم يوفقوا في تصويره أو تجسيده إلا بعد أن حدث تلقائيا بحب شديد للوطن وللناس في أوائل عام 2011.
الحميمية، تلك النوعية الخاصة من الاقتراب العاطفي الانفعالي بين اثنين من البشر، تكون رابطة وجدانية صارت بين ملايين عبر الهاتف والنت والفيس بوك وتويتر والتليفزيون والإذاعة، وهي أعمدة قوية لرعاية كل للآخر، المسئولية، الثقة، التواصل المفتوح، والحر للمشاعر والأحاسيس، وكان ذلك التبادل غير المعرف وغير الحذر لتبادل المعلومات حول أهم الأحداث الوجدانية المهمة لشعب تكون وانصهر في بوتقة جديدة.
من أهم أنماط الحميمية المعروفة في العلاقات الإنسانية تلك الرابطة القوية التي تجمع بين الأم ورضيعها، حيث تكون الأم الراعية يقظة على الدوام ومستجيبة علي الفور لأحاسيس رضيعها، لنبرة وجدانه وتقلبات روحه، لانعكاسات نفسه على جسده، ولكل التيارات العاطفية التي تبدأ وتنمو وتترعرع مع الأيام في قلب الوليد وفي قلب الأم. إن الدرجة العليا من الحميمية بين حبيبين أو زوجين تغذي سعادتها وتؤسس لثبات وانتظام العاطفة والوجدان لكل بينهما وهنا تبدو كل النشاطات ممتعة أكثر كما تبدو الحياة أكثر سخاءا وغني، لها ألوان الطيف السبعة ورحيق كل الزهور، وحين يكون كل منهما متفتحا شفافاً، وأصبح الوطن مشرعة أبوابه على مصراعيها، تستقبل نوافذه فكانت الصلاة جماعه مسبحين ومسلمين وكانت أرقى خطبة جمعة للشيخ القرضاوى وكان الزواج لعروسين ملآ الدنيا فرحة وبهجة وانتصارا بعد طول انتظار الضوء وصوت البحر، حينها يحس كل منا بدفء الثقة وعدم الخوف من الرفض أو الإزعاج. وراعي كل منا مشاعر الآخر وأصبح كل طرف مسئولا عن إدارة دفة الفرحة والسعادة ما تنقلنا جميعا من قارب متعة إلي قارب سعادة وكأننا كلنا نتمايل على غصن شجرة أو نهتز على أرجوحة طفل مليء بالحبور.
إن العلاقة الحميمية التي نشأت بين أبناء هذا الشعب العظيم فجأة كمنظم وكدرع واقية من ضغوط وتوترات الحياة اليومية وبدون العلاقات الحميمية التي نشأت وجدنا أنفسنا في وحدة وغربة واكتئاب، أنها عامل مهم للغاية يؤهلنا اجتماعيا للتعامل مع مآزق ومشكلات بل ومصائب الحياة.
لقد زاد الخوف من الحميمية في مصر تحديدا منذ بداية الثمانينات تقريبا أي بعد بداية الحكم السابق صرنا أكثر غربة واغترابا مع أنفسنا ومع المحيطين بنا.
صارت مشكلات الحميمية أبعد من مجرد التواصل الذي بدت مؤشرات تحسنه في معظم البيوت، لقد تحولنا من مشاهدين إلى أن نكون متفاعلين متشاركين في ثورة شعبية وحوار بحجم الوطن، لم نعد انعزاليين نرتاح إلى الوحدة ونستأنس بها نشاهد التليفزيون في صمت، نلعب ألعاب الفيديو والكومبيوتر، في عزلة نقرأ الجريدة، نلعب الكوتشينة، أصبحنا نتحاور نتناقش، نقترب من بعضنا البعض ككل في حميمية دافئة.
واقرأ أيضاً:
أخطر ما في الثورة المضادة... هو الترويج لها/ الثورة تضرب على قفاها/ مفهوم الحرب النفسية