الذي تفرق أبناؤه عن بعض فكل واحد فيهم ينتمي لحزب معين.. والعراق ينزف حتى سكان الجيران الذي بينك وبينهم (عشرة عمر) كما يقال تبدل حالهم واختاروا لهم جهة معينة وحزبا يتحدثون باسمه وممكن جدا تنتهي تلك الجيرة بعداوة بينك وبينهم..! هكذا كان الحال مما جعل البعض يخاف الكلام.. والبعض يصفق ولا يدري لماذا يصفق..!
والبعض الآخر.. وأنا منهم كنا نردد ذلك الشعار لن يقوم العراق..... ولو بعد مليون قرن...!
وربما لأني كنت أظن أن بذهاب الرئيس الراحل (صدام حسين) وغياب حكمته وقدرته على القيادة وربما قوته... والتفريق والطائفية التي نشبت.. أنه لن يقوم العراق ويتعافى أبدا..!
وهذه المرة لا أريد الدفاع عن الرئيس الراحل ربما لأني لم أعد أشعر بالإهانة من بعده!
أو هكذا كنت أشعر، حتى جاءت رسائل الدعوة التحررية التي تطالب بالوحدة والحرية والكرامة من تونس وتلقتها مصر وأرسلتها مصر واستلمنا الرسالة نحن، ونمضي بها وخرجنا فيها وأسميناها ثورة الغضب العراقي..
الغضب العراقي الذي وأخيرا توحدت كلمة أبنائه وعلت رايته بكلمة واحدة... العراق
خرجنا في كل مكان عربيا سنيا شيعيا وصبيا ومسيحيا وكرديا، وخرجت في السليمانية مناطق عديدة منها كويسنجق، ورانيا، وزاخوا..
وهدفنا التغير... تغير الظلم.. خروج الاحتلال.. بناء دستور جديد.. مرفوضة المحاصصة ومطلوب العدل في العراق من شماله إلى جنوبه والغلاء.. ارتفاع الأسعار وصعوبة العيش في بلد كل شيء فيه مرتفع وباهظ الثمن ولقمة العيش صعبة أو غير موجودة أصلا!.. ولا يوجد عدل بين أفراد الشعب والحكومة التي تمتلك كل شيء وتحرم الشعب من أبسط حقوقه في العيش بكرامة وعدالة..!
كان لابد أن أنقل لكم نبذة بسيطة تبين ولو بسطور قليلة كيف كانت الغمة سوادء ولا يرى لها أمل في الانجلاء.. لكن بفضل الله.. ثم أنتم يا مصريين وبفضل ثورتكم.. اختفت تلك الغيمة من سمائنا.
قررنا أن في صباح اليوم... سيكون لنا كطلاب وقفة، وسنخرج، ونقول كلمتنا ونطالب بمطالبنا العدالة.. في البداية عارض أهلي خروجي خوفا عليّ من جبروت من لا يرحمون ولكني خرجت وأصريت أن أخرج لكي أستشعر ذلك الشعور النقي الذي يجعلك تفهم ما معنى حبك لبلدك.. ومعنى أنك عراقي لا يهم انتماؤك إلى قائمة أو حزب أو جماعة فحبك وولائك لبلدك هو الغالب على كل هؤلاء وغرضك وهدفك العيش بكرامة في بلدك وأنت تستمتع بأبسط حقوقك كإنسان ينتمي لذالك البلد (العراق) الحبيب وتشابكنا وعلت أصواتنا ودقت قلوبنا ودعونا الله أن ينصرنا.. وكل واحد مننا لديه عمل يقوم به حتى تجمعنا.
وقررنا الخروج وخرجنا وفي البداية كان كل شيء هادئا إلا أن الجيش كان موجودا ومستعدا وما زالت أيدينا متشابكة ولم نتفرق برغم شدة الهواء وشدة قساوة قلوب من أمامنا.. ولم نختلف في الكلمة رغم اختلاف اللهجة الشاسع بيننا ورغم أني منذ قدومي لإقليم كردستان وأنا عازمة على عدم التحدث اللهجة الكردية رغم علمي ببعض كلماتها لكني كنت أرفض وكنت أسأل من أمامي من الأخوة الأكراد.. إذا كان يجيد العربية ولكن بالكردي..؟! وعندما يجيبني بالنفي أنفي معرفتي بالكردي أنا أيضا رغم علمي ببعض منها.. ولأن أغلبهم أيضا يعلم العربي وينفي معرفته للعربي ويرفض التحدث بها ويسألني لماذا لا أتعلم الكردية؟ وأجيب ولماذا أنتم لا تتعلمون العربية..! ولأن لغة العراق هي اللهجة العراقية وبما أن إقليم كردستان هو جزء من العراق وليس العراق جزءًا من إقليم كردستان إذن عليهم أن يجيدوا العربي (اللهجة العراقية) والكردي.. معا.
لكن عند خروجي وجدتني تغاضيت عن تمسكي بذالك المبدأ ورحت أتحدث بما تعلمته من خلال معاملتي معهم باللهجة الكردية وهم أيضا يبدو أنهم تغاضوا عن تمسكهم بمبدئهم وعند صعوبة الأمر عليّ.. نحتاج إلى المترجمة وكانت تترجم لنا مرة عربي ومرة كردي.. ونحن ما زلنا نسير ومازلنا متشابكين خوفا من حدوث شيء واتفقنا على مكان نلتقي به لو تفرقنا...
وبينما أنا أجري وكنا نحن ثلاث بنات أنا وصديقتي من الإخوة الأكراد.. (سوز) والأخرى..(لوبى) جرينا بعد أن أصبح إطلاق النار شديدا اختبأنا خلف إحدى السيارات وإذا بأحد زملائنا من الأكراد أصابته حالة ربما هستيرية فاختبأ خلف أحد الكونكريت وراح يضرب على رأسه ويتوسل لهم أن يتوقفوا... من شدة رعبه أرعبني أنا أيضا رغم أني اعتدت على سماع ذلك في بغداد ووقت السقوط كانت أغلب الوزارات قريبة من منزلنا فعند سقوط أي صاروخ يرتج البيت والصوت المدوي يخترق آذاننا ويجرح قلوبنا وكنا نعلي أصواتنا ب الله أكبر.
أعود إلى ذلك المسكين الذي ما زال متهسترا من الوضع وربما ما كتبته فوق أوضح لما لم أرتبك أو ربما ارتبكت ولكني حافظت على هدوئي هو نفس ما فكرت به وقتها، لم يكن بالمقدرة مساعدته لأنه بيننا وبينه مسافة تقريبا 20 متر أو أكثر ولأنه وقتها كان إطلاق الرصاص بين مدنيين عاديين ليسوا من طلاب الجامعة إطلاقا وبين شرطة التدخل السريع والجيش وحاولنا الإشارة له بالسكوت وخفض رأسه لكنه كان لا ينتبه أو لم يستطع مقاومة سماع تلك الأصوات المفزعة... والمهم أصيب زميلنا برصاصهم القذر دون رحمة ولا شفقة منهم به وعلى ما يبدو هو من طلاب المرحلة الثالثة أو الرابعة أو غير كلية...! لأننا لم نكن نعرف اسمه؟ وحتى أي قسم؟ وأي شعبة؟ وقتها انفتح المدنيون (الناس العاديون) وكانوا يحملون سلاحا بسرعة في إطلاق النار عليهم..
وأنا ورفيقاتي ما زلنا في مكاننا ننتظر توقف إطلاق رصاصهم وبقية المجموعة الطلابية منتشرين ننتظر توقف إطلاق النار أو السماح لنا على الأقل بالوصول إلى ذلك الطالب المسكين ومساعدته، واستطاع أحد من المدنين الوصول له ومساعدته وعلمنا بعد ذالك انه لم يمت بل مصاب... وتعالت أصوات إطلاق النار وتم تكسير الزجاج وحرق قناة أحد الأحزاب الكردية... وإطلاق الرصاص مستمر، وفجأة شعرت بيد أحدهم على كتفي يسألني..(أنت بخير..) التفت.. أنظر كان زوج عمتي فضحكت وثم بكيت عندما رأيته وأخبرته أني بخير... وحكيت له على زميلنا وقال يهون، يهون مدام هو بخير سينجو... وأخرج زوج عمتي سلاحه ووقف بجانب الإخوة الأكراد وضرب معهم وأمن لنا طريقا قال ارجعوا من هناك.. هناك أمن.. في البداية رفضت أحسست بعدم الرضا عن نفسي لو رحلت وتركت بقية مجموعتي لوحدهم وهنا رأيت إشارة من أستاذي لي بالانصراف.. ودموع رفيقتي سوز وهي ترجوني...
نعود لأنها يبدو خافت ومن شدة خوفها خوفتني معها، ركضنا مسرعين ولكني كنت التفت ورائي وأنا أسمع طلقات النار وخفت على زوج عمتي (عمو خليل) من أن يصبيه مكروه لكن الحمد لله وصلنا للسيارة ودخلنا وكانتا رفيقتيّ ترتعشان وعندما شاهدتهما هكذا أصابني الذعر أنا أيضا فالمكان كان عبارة عن حرق وزجاج مكسر في الأرض ودماء أبرياء كل مطلبهم العدل وناس تصرخ وتجري وصوت إطلاق نار ونساء تبكي على أولادها.... حتى رأيت عمو خليل مسرعا ودخل وقال اربطوا أحزمة الأمان وانطلق بسرعة قلت نجانا الله من هناك سنموت على يد زوج عمتي..
أوصلنا سوز، ولوبى وأهلهم كانوا قلقين عليهم فعند رؤيتهم بسلام اطمئنوا.. وعدنا وما زال صوت الرصاص مسموعا والغربة والكآبة تغطي المكان في الشوارع... وصلنا وكان تقريبا وقت أذان العصر... وعند وصولنا للمنزل كانت هناك مشادة أمام البيت بين ناس مدنيين وآخرين من الجيش... فأدار عمو خليل السيارة ودخلنا من بين الأفرع وتمكنا من الوصول، والرعب والقلق يسود البيت والدموع نزلت من أعين أهلي عند رؤيتهم لي وكأنها أول سلاح نلجأ له في ضعفنا وقوتنا وحزننا... وأثناء الطريق اتفقت مع زوج عمتي أني سأخرج غدا أيضا... رغم علمي برفض أهلي.... ورفضه هو شخصيا..! فقد خرجت بصمت وبحذر من أن يلاحظوا خروجي... واكتفى في البداية بنظرة ربما نظرة غضب..! ولكنه قال لي أنا معك.. وسألته وقتها ما الذي جعلك تغير رأيك بعد أن كنت رافضا خروجي..؟! قال لي أنه عندما كنا ننتظر في السيارة وصوله هو كان مع بعض الأخوة الأكراد يساندهم وأن أحدهم سأله هل تريد العودة أم ستبقى فأجاب له كنت أتمنى البقاء.. ولكن أولادي (نحن) في السيارة فساعده في الخروج واستطاع النفاذ من بين رصاصات الغدارين وقواتهم...
وأنه وقتها شعر بالفخر وأنهم أبناء وطن واحد... وابتسمت وابتسم.. ما أجمل استشعارك بالانتماء لبلدك وحبك لها هو عنوانك...
ستشفى يا عراق... وتعود تزهوا من جديد، إن شاء الله
واقرأ أيضاً: