التنشئة الأسرية الموجهة نحو الصلاح الإنساني3
التــــأديب:
التأديب هو أي تدخل من الكبار (الوالدين، الإخوة الأكبر، المدرسين، المرشدين الدينين… إلخ) لتعديل سلوك الطفل.
٠ اتجاهات المربين نحوه:
هناك اتجاهات متباينة نحو عملية التأديب نورد بعضاً منها:
1) التساهل: حيث يميل المربى إلى أن يكون الطفل في مناخ حر تماماً يفعل ما يريد بشكل تلقائي ويتعلم من الحياة نفسها دون تدخل مباشر من الكبار. وغالباً ما يكون ذلك رد فعل لتربية قاسية عانى منها المربى لذلك فهو يفعل عكسها والمشكلة في هذا النوع من التربية أن الطفل ينشأ وليس لديه إحساس بالحدود والضوابط والالتزامات فيعانى كثيراً حين يكبر.
2) الضبط الصارم: وهو عكس الأسلوب السابق حيث تكون هنا القواعد واضحة وشديدة وعلى الطفل أن يلتزم بها طول الوقت. وعيب هذه الطريقة أنها تلغى تلقائية الطفل وحرية تفكيره.
3) التقلب: وهنا ترتبط الأساليب التربوية بالحالة المزاجية للمربى (أو المربية) فمثلاً إذا كان الأب في حالة سرور وسعادة فإنه يتعامل بلطف وحنان مع تصرفات الطفل… أما إذا كان متوترا أو حزينا فإنه ربما يصفع الطفل على وجهه بشدة على سلوك كان يضحك له في وقت آخر وهذا النوع أخطر من سابقيه لأنه يدع الطفل في حيره شديدة ويهز الثوابت لديه.
4) التوازن: وهو نمط التربية الذي يعطى فرصه لتلقائية الطفل وفى ذات الوقت يزوده بمعرفة اتباع الضوابط الاجتماعية، ويعطيه الحرية ويعلمه احترام حرية الآخرين واحتياجاتهم، ويهتم باحتياجاته الجسمية والنفسية والاجتماعية والروحية في ذات الوقت.
القواعد الأساسية للتربية السوية:
1) القاعدة الأولى: الثبات والاتساق: فالمربى يشجع الصدق والأمانة مثلاً في كل الأوقات وفى كل المواقف، وهو نفسه يلتزم بهما كسلوك، فلا تناقضات ولا تقلبات.
2) القاعدة الثانية: الفهم: أي أن الطفل يجب أن يفهم بشكل بسيط لماذا يرفض أبيه أن يأخذه معه إلى العمل وأن تفهم الطفلة لماذا لا تشترى لها أمها هذه اللعبة الآن.
3) القاعدة الثالثة: الانتقال التدريجي من مبدأ اللذة إلى مبدأ الواقع: فالطفل يعيش على مبدأ اللذة (أريد ما أحبه الآن بصرف النظر عن أي شيء) والكبار يعيشون على مبدأ الواقع (غالبا) وعملية التأديب تأخذ الطفل من مبدأ اللذة إلى مبدأ الواقع بالتدريج وبصبر جميل، أي أنه يتوجب على المربى أن يجعل رحله الطفل من عالمه الخاص إلى عالم الكبار رحله ممتعة.
4) القاعدة الرابعة: القبول بالبطء الحتمي لعملية التغيير: فمن سنن الكون أن السلوك الإنساني يحتاج لوقت حتى يتغير أو ينضج، ولذلك يصبح الاستعجال نوع من التعسف والخروج على الفطرة.
5) القاعدة الخامسة: حب الطفل للمربى: للمربى فالحب من الطفل للمربى يجعل النظام القيمي للأخير جزءً من تكوين الطفل، ويسهل الانتقال من حاله لحالة أخرى على طريق النمو والنضج النفسي بشكل هادئ وآمن فالطفل لا يعرف النفاق لذلك فهو لن يطيع إلا من أحبه.
6) القاعدة السادسة: القبول بمرحلية النمو : فلكل مرحلة خصائصها التي يجب أن يعيشها الطفل أو المراهق، وعلى المربى أن يتقبل هذه المراحل ويواكبها، ولا يعمد لأن يجعل السلوك نمطيا ثابتاً في كل المراحل.
العقاب:
ماذا نعني بالعقاب؟ وهل للعقاب دور في إصلاح الكائن البشري؟ وما هي مواصفات العقاب الإصلاحي؟:
هناك لغط لدى بعض علماء النفس والتربية حول حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "علموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع". فعلماء النفس لديهم حساسية مطلقة تجاه مسألة الضرب عموما, ويتحدثون عن الارتباطات الشرطية المحتملة في هذه الحالة وأن الطفل يمكن أن يكره الصلاة إذا ناله العقاب بسببها, وخطورة العقاب البدني, فهل كلامهم كله صحيح؟
أولا يجب أن نفهم ما يقصده الرسول صلى الله عليه وسلم بالضرب, فكما ورد في نصوص وتفسيرات أخرى نفهم أنه نوع من العقاب الرمزي البسيط (بالسواك ونحوه كما ذكر ابن عباس) الذي يوصل رسالة للطفل دون أت يؤذيه, وهذا نوع من العقاب قد يحتاجه بعض الأطفال ذوي الاستجابات البطيئة أو البليدة أو المتأخرة والذين تفشل معهم الدرجات الأدنى من التنبيه والتوجيه واللوم والعتاب, كما أن السنة الفعلية للرسول تتبدى فيما أثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يضرب بيده طفلا أو امرأة أو خادم. ويقول أنس بن مالك: خدمت رسول الله بضع عشرة سنة فما قال لي لشيء فعلته لم فعلته ولا لشيء تركته لم تركته. وهذا القول لأنس بن مالك رضي الله عنه يبين مدى تأثير وسيلة القدوة في التربية النبوية بحيث كفته عن التوجيه أو الكف المستمر.
يقول دكتور سبوك (في كتابه :تربية الأبناء في الزمن الصعب ص99): "إن الطفل الصغير في حاجة إلى عقاب بسيط ولكن علينا أن نعرف أن العقاب البسيط يحتاج إلى هدوء وثبات ولا يحتاج أن تجعل الطفل سببا لكل منغصات حياتك فتنفجر فيه وكأنك تنهال ضربا على كل ظروفك الصعبة".
لقد أفرط علماء النفس والتربية في ترهيب الآباء من معاقبة أبنائهم, وأفرطوا في تقديس خيارات الأبناء وحرياتهم, وهنا نتجت حالة من الإحباط المشترك سببها أن الابن أخذ مساحة من الحرية لا يعرف ماذا يفعل بها ولم يتدرب على التعامل معها, وأن الأب والأم أحس كل منهما أنه لا يستطيع أن يسيطر على الابن, أو غرق كل منهما في الإحساس بالذنب كلما حاول ضبط سلوك الابن بأي درجة من درجات الضبط.
ويعرف العقاب بأنه: "إلحاق أذى نفسي أو بدني بالطفل جزاءاً على سلوك معين قام به".
٠ الدور التربوي للعقاب
العقاب هو أحد وسائل التربية، وليس أهمها بل ربما يكون أضعفها، فقد قسم علماء التربية الوسائل التربوية حسب أهميتها كالتالي:
5) القـــــدوة
6) الثــــواب
7) العقــــاب
أي أن العقاب يأتي في مؤخرة الوسائل التربوية ومع هذا نجد أن المربين غالباً ما يبدأون بالعقاب ويبالغون في الاهتمام به ربما لأنه يحقق نتائج سريعة يرغبونها، فمثلا إذا أراد الأب من ابنه أن يذاكر والابن يتكاسل عن ذلك، لذلك يقوم الأب بضربه حتى يجلس الابن على المكتب وينظر في الكتاب، وهنا يستريح الوالد لأنه حقق ما يراه صحيحاً لابنه... ولكن في الحقيقة أن التغير الذي حدث نتيجة العقاب هو تغير شكلي وسطحي فالحقيقة أن الطفل لا يذاكر وإنما جلس ينظر في الكتاب لتفادى غضب الأب، والنتيجة هي كراهية للمذاكرة وللدراسة عموماً.
ولذلك نرى في الحديث اليومي للناس أنهم يستخدمون العقاب مرادفاً للتربية فمثلاً إذا شكوت طفلاً لوالده فإنه يقول لك: "لا تقلق سوق أربيه" حينئذ تفهم أنت أنه قرر أن يضربه، وهنا حدثت عدة اختزالات فقد اختزلت التربية في العقاب واختزال العقاب في الضرب.
٠ أنواع العقاب:
حين يذكر العقاب يتبادر إلى الذهن مباشرة العقاب بالضرب، وهذا اختزال معيب كما قلنا من قبل ولكنه شائع فالعقاب مفهوم واسع يشمل أشياء كثيرة ولكننا نجملها في النوعين التاليين:
1- العقاب النفسي: كنظرة اللوم والعتاب أو نظرة الاعتراض من الوالدين، أو الانتقاد أو التوبيخ أو الحرمان من أشياء يحبها الطفل، أو حبسه في غرفة…… إلخ.
2- العقاب البدني: ويشمل الضرب أو أي نوع من أنواع الإيذاء البدني.
٠ القواعد الصحيحة للعقاب:
إذا اضطررنا للعقاب أثناء عملية التربية فيجب أن نتبع القواعد التالية حتى يستفيد الطفل:
1- يجب أن يعرف الطفل الأشياء التي تستوجب العقاب مسبقاً، بمعنى أن هناك قواعد واضحة في البيت أو المدرسة لما هو صحيح وما هو خطأ.
2- أن يتم تحذير الطفل بأن تجاوزه للقواعد المعروفة والمعلنة سوف يعرضه للعقاب.
3- أن يكون العقاب إصلاحياً لا انتقامياً، أي ليس بسبب الحالة المزاجية المضطربة للأم أو للأب.
4- أن يكون في مصلحة الطفل لا في مصلحة المربى صاحب السلطة. فبعض الأمهات يضربن أطفالهن لأنهن يشعرن بالراحة بعد ذلك فقد نفسن عن مشاعر غضب لديهن.
5- أن يكون العقاب متدرجاً ومتناسباً مع شخصية الطفل، فالطفل الذي تردعه النظرة لا يجب توبيخه، والطفل الذي ينصلح بالتوبيخ لا يجب ضربه… وهكذا.
6- أن يكون العقاب متناسباً مع الخطأ الواقع.
7- أن تكون له نهاية، فمثلاً نقرر حرمان الطفل من المصروف لمدة ثلاثة أيام يأخذ بعدها المصروف.
أن يشعر الطفل أن العقاب وقع عليه بسبب سلوك سيء فعله وليس لأنه هو نفسه سيء.
ويتبع >>>>>: التنشئة الأسرية الموجهة نحو الصلاح الإنساني5
واقرأ أيضاً:
رعاية أبناء المطلقين / الآثار النفسية والاجتماعية لضرب الأطفال في المدارس