اجتمع فريق نفسانيون من أجل الثورة وعددهم ثلاثة وعشرون من المتخصصين في الطب النفسي وعلم النفس الساعة السادسة والنصف مساء الخميس 31\3\2011م بقاعة الاجتماعات بنقابة الأطباء بالقاهرة وذلك للتحاور حول موضوع: الحالة النفسية للمصريين بعد الثورة (رصدا ودعما)، وفيما يلي موجز المناقشات التي تمت:
ثمة سؤال يتردد: هل نكتفي بالرصد للحالة النفسية للشعب المصري على مستوى الانطباعات والملاحظات خاصة حين تصدر عن متخصصين في العلوم النفسية يقومون بدور الملاحظ المشارك حيث يعايشون المجتمع بشكل مباشر، أم أن من الأفضل عمل دراسات تحليليية مقننة تعتمد على عينات كبيرة من مختلف شرائح الشعب المصري وتكون نتائجها أكثر دقة وأكثر موضوعية؟.
وكان هناك رأيان: الأول يرى ضرورة عمل تلك الدراسات لنقف على تفاصيل الحالة النفسية للشعب وبالتالي نعرف بدقة ماذا يجب علينا فعله، والرأي الثاني يدور حول ضرورة الاهتمام في الظرف الحالي بنواحي الدعم والمساندة خاصة وأن الدراسات المنهجية تحتاج لوقت وجهد وتحتاج لمراكز أبحاث متخصصة وتحتاج لميزانية ربما لا نملكها في الوقت الحالي، وأصحاب هذا الرأي يتصورون أننا أشبه بمن يقف أمام حريق وعليه أن يهتم أولا بالسيطرة على الحريق ولا يليق به أن يقف ليتأمل أسباب الحريق ودوافعه وتأثيراته ومظاهره.
وعلى أية حال فهناك مراكز متخصصة في بحث تلك الأحوال مثل مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (حين يعود له قسم علم النفس الذي توقف عام 1961م) إضافة إلى رسائل الماجستير والدكتوراه في أقسام الطب النفسي وعلم النفس بالجامعات المختلفة. ومن المهم أن نحدد ما إذا كانت الدراسة ستفيدنا نحن كمتخصصين أم تفيد المجتمع الأوسع؟.. وعلى الرغم من احتياج المجتمع لمعرفة حالته النفسية فإن ثمة شكوك في أنه جاهز ومستعد في هذه الفترة لأن يسمع آراء المتخصصين ويتأمل تحليلاتهم. وإذا تم الاتفاق على عمل دراسات منهجية فمن المطلوب أن تكون هناك جهة مركزية تقوم بتجميع محاور وموضوعات الأبحاث والتي يفضل أن تكون وصفية بطبيعتها ثم توزع الموضوعات على الجهات البحثية المختلفة.
وهناك قائمة من المشكلات والموضوعات المرشحة للدراسة ومنها على سبيل المثال: الخوف، الإحباط، صورة الذات، الانتماء، الشائعات، اكتئاب ما بعد الثورة، الانشقاقات داخل المؤسسات، الشكوك والاتهامات المتبادلة، الخوف من الحرية، الأعراض الجانبية للثورة،....... الخ.
والآن ننتقل إلى محوري المناقشة وهما الرصد والدعم بشيء من التفصيل.
أولا: محور الرصد النفسي:
ومن خلاله نتبين الملامح الرئيسية للحالة النفسية لدى المصريين بعد الثورة كالتالي:
٠ الصدمة: والصدمة هنا قد تأخذ معنى إيجابيا من حيث كونها حدثا مفاجئا لم يكن في توقعات أو حسبان من أشعلوا شرارة الثورة، إذ تطورت الأمور بسرعة وخرجت عن الإطار المبدئي الذي فكروا فيه، إذ تجاوزت الثورة أحلام مفجريها، لذلك فهم لم يستوعبوا الحدث بكامل أبعاده، إذ تجاوز الحدث أحلامهم. وعلى الجانب الآخر قد تكون الصدمة حدث سلبي لأولئك الذين لا يرغبون في التغيير، فهم في هذه الحالة في وضع جديد لا يتوافقون معه. إذن فنحن أمام صدمة نجاح لفريق من الشعب المصري وصدمة فشل لفريق آخر، وبالتالي نتوقع أن الفريقين يمران بحالة استثنائية من الاهتزاز وعدم القدرة على الاستيعاب.
٠ الخوف: وهو شعور يتبدى بأشكال مختلفة لدى الشرائح المختلفة للشعب والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاث:
1 – المشاركون في الثورة: وهؤلاء ينتابهم خوف على مصير الثورة وعلى نجاحها، ويتوجسون من محاولات إجهاضها أو الالتفاف عليها أو تفريغها من مضمونها
2 – الصامتون: وهؤلاء نسبة كبيرة في الشعب المصري، وهم معنيون بلقمة العيش والشعور بالأمن، ولذلك فهم يعيشون حالة خوف مما يحدث من تقلبات وتغيرات وانشقاقات وتهديدات على المستوى السياسي والأمني والاجتماعي، وهم مرعوبون من غياب الأمن وتهديدات اللصوص والبلطجية ويخشون تهديد معاشهم، ويمنعون أبناءهم وبناتهم من الذهاب للمدارس خشية اختطافهم أو الاعتداء عليهم. ويتعزز الخوف لدى هؤلاء بحقيقة غياب الدور الأمني للشرطة بشكل كلي أو جزئي، فما زالت الدلائل تشير إلى ضعف الأداء الأمني وإلى توحش بعض فئات الشعب ممن استغلوا هذا الغياب وانقضوا على كل ما يمكنهم الانقضاض عليه، ولا يجد الناس من يستنجدون به في مثل هذه الظروف.
3 – المناهضون: وهؤلاء لديهم مخاوف من نجاح الثورة وضياع مكاسبهم التي عاشوا عليها مع النظام السابق، والأخطر من ذلك أنهم يخشون الملاحقة القانونية والغضب الشعبي جراء ما اقترفوه من جرائم ومخالفات إبان حكم مبارك والحزب الوطني الفاسد. وهؤلاء المناهضون يعرفون أن لديهم تاريخا مسجلا بالصوت والصورة يمكن لأي شخص أن يشاهده على الإنترنت وأن محاولات تغيير الأقنعة لديهم ستكون مفضوحة ومشينة ولذلك فهم في موقف صعب للغاية.
ويزيد من حالة الخوف التضخيم الإعلامي للأشباح والفزاعات مثل فلول الحزب الوطني والسلفيين والإخوان المسلمين والجهاديين العائدين من الخارج والخارجين من السجون. كل هذا يشكل هاجسا مؤرقا لكثير من الناس خاصة من يرفضون هذه الفئات ويخافونها. والخوف ليس فقط مدعوما إعلاميا ولكنه مدعوم خارجيا من بعض القوى التي تتخوف من سيطرة تيارات بعينها على مقاليد السلطة في مصر.
والخوف ليس بالضرورة أن يكون متعلقا بأسباب نوعية لدى الناس بعد الثورة، إذ التغيير نفسه يعتبر مصدرا للخوف لدى البشر حتى ولو كان التغيير إيجابيا، فالناس جبلوا على الطمأنينة لما هو سائد والخوف من المجهول.
وعلى الرغم من مشاعر الخوف السائدة وحالة انعدام الأمن إلا أنه من الناحية الأخرى تم كسر حاجز الخوف، واكتسب الناس جرأة غير معتادة تبدت في الكثير من الاحتجاجات والاعتراضات التي بدأ فيها صوت الشعب عاليا وربما صاخبا أكثر من اللازم.
٠ صورة الذات: واضح أن هناك تغيرا إيجابيا في صورة الذات لدى المصريين بحيث أصبح المصري يشعر بقدرته على إحداث التغيير ويشعر بالفخر والاعتزاز أنه أنجز ثورة سلمية رائعة بهرت العالم كله، وأنه أسقط نظاما دكتاتوريا مستبدا في فترة وجيزة. والنقلة في صورة الذات واضحة جدا خاصة إذا وضعنا في الاعتبار الصورة السلبية التي كانت سائدة قبل الثورة وكانت مليئة بمشاعر الدونية والإحساس بالهوان والضعف وقلة الحيلة والمذلة والخضوع لدرجة جعلت المصريين يكرهون أنفسهم ويكرهون بعضهم بل وربما يكرهون مصريتهم ويشكلون أحلامهم خارج حدود الوطن.
٠ الانتماء: على الرغم من التدهور الشديد الذي حدث لدى المصريين قبل الثورة وخاصة لدى الشباب، فإن حالة الانتماء تحسنت كثيرا بعد الثورة في نظر الكثيرين من المراقبين، ويعكس هذا رفع الأعلام المصرية بكثافة عالية في المظاهرات والمسيرات، وترديد شعار "ارفع رأسك أنت مصري"، واهتمام الشباب بنظافة الشوارع وتجميلها، والمطالبة باسترداد المال العام والمحافظة عليه. لقد شعر الناس أن بلدهم كانت مخطوفة وعادت إليهم، واختفت عبارة "دي بلدهم مش بلدنا"، وعاد الشعور بملكية الوطن والرغبة في رفعته.
٠ التعصب: على الرغم من تنامي نزعات التعصب والطائفية قبل الثورة ووجود أحداث مؤسفة تتصل بهذا الأمر إلا أنه في أثناء الثورة وفي ميدان التحرير على وجه الخصوص ذابت هذه العصبيات والنزعات الطائفية ورأى الجميع هذه الحالة من التآلف بين التيارات المتصارعة، وظهر كيان وطني موحد ومتوجه نحو الهدف الأسمى وهو تخليص مصر من النظام الفاسد وإعادة بنائها بشكل صحيح. ولكن للأسف لم تستمر هذه الحالة الرومانسية لوقت طويل بعد سقوط رأس النظام، وإنما ظهرت بعض الأحداث الطائفية التي هددت الثورة، وظهرت الدعوات الدينية من تيارات مختلفة مما كرس الكثير من المخاوف من عودة الانقسامات الفكرية والدينية والطائفية بدرجة تهدد استقرار الوطن وتهدد مكاسب الثورة، خاصة أنه حتى الآن لم تتشكل المنظومات السياسية التي تستوعب الاختلافات الطبيعية في البشر بشكل آمن.
٠ الإحباط: ربما بعد نجاح الثورة في زحزحة الدكتاتور وبعض أركان حكمه، إلا أن الناس شعرت بأن أشياء كثيرة ما زالت تستحق التغيير، ولكن السلطة القائمة لا تحقق طموحات الناس في هذا التغيير ولا تواكب الإيقاع الثوري السريع. وتتسم السياسة الحالية بعد الثورة بالاكتفاء بردود الأفعال المتأخرة، وهذا ما يجعل الناس يشعرون بالحاجة إلى الضغط المستمر والاستنفار الدائم للحفاظ على الثورة ولتحقيق أهدافها بشكل بطئ. إضافة إلى ذلك فإن هذه هي أول ثورة تقوم بهذا الحجم ولا تحكم بنفسها وإنما تحكم من خلال وكيل عنها، وعلى الرغم من الموقف العظيم للجيش المصري في الثورة وأنه حماها بكل معنى الكلمة، إلا أن توقعات الناس تتجاوز كثيرا ما يقدمه المجلس الأعلى لهم، وهذه من طبيعة الثورات والتي تختلف عن طبيعة القائد العسكري الذي يعمل ألف حساب لحركته.
وإذا استمرت حالة الإحباط هذه فإنها قد تؤدي إلى سلوكيات نكوصية لا حصر لها تنتهي إلى درجة من درجات اليأس التي تزرع من جديد في نفوس الناس.
وتختلف درجة الإحباط من فئة لأخرى حسب رؤية كل فئة لمتطلباتها وطموحاتها ومدى تحقق تلك المتطلبات والطموحات، ولهذا يجب أن نفرق بين أولئك الذين كانوا في ميدان التحرير والمظاهرات من جانب وبين أولئك الذين ظلوا في بيوتهم من جانب آخر.
والإحباط يتطور لدى بعض قطاعات الشعب في صورة حالة من الحزن والأسى، ويتطور لدى البعض الآخر في صورة غضب واحتجاج.
٠ التوحش الشعبي: وهو يظهر كرد فعل للقمع الطويل السابق للثورة، وللمزاج الثوري الفائر، وللتوقعات العالية في مجالات كثيرة وللإحباطات المتراكمة قبل وبعد الثورة. وهذه الحالة من التوحش تظهر في صورة احتجاجات فئوية صاخبة ومتجاوزة للحدود أحيانا، أو في صورة قطع الطرق وتهديد الناس أو في صورة أعمال عنف وبلطجة أو في صورة اعتداء على مسئولين أو في أحداث شغب طائفية أو في استعراض القوة لبعض التيارات والفئات والأشخاص. وهذه الحالة من التوحش الشعبي يخشى في حالة استمرارها أن تؤدي إلى فوضى هائلة نتيجة سقوط كل معايير القانون والأدب والاحترام، وتحطيم كل الثوابت الاجتماعية بدعوى الثورة والتغيير.
٠ تنامي ظواهر الاختلاف في المجتمع الأوسع وداخل الأسرة، وهذه وإن كانت مسألة طبيعية في حياة البشر إلا أن سخونتها وارتفاع صوتها في المجتمع المصري بعد الثورة مع غياب آليات لتنظيم الإختلاف ربما تؤدي إلى حالة من التصارع الخطر لو لم يتم ترشيدها وتوجيهها الوجهة الصحيحة، فعلى الرغم من كون الاختلاف ظاهرة إيجابية حين يكون اختلاف تنوع إلا أنه يصبح ظاهرة سلبية حين يكون اختلاف تضاد وصراع.
٠ الشك والتخوين: وقد بدا هذا مركزا حول رموز النظام السابق لما ارتكبوه من أعمال فساد وإفساد على مدى سنوات طويلة، إلا أن الأمر الآن أصبح يتجاوز هذه الدائرة ويتسع يوما بعد يوم ليشمل كل من بيننا وبينه خصومة شخصية أو اختلاف في الرؤية. ومن هنا أصبح كل شخص معرضا للتشكيك في وطنيته وانتمائه، ولا يعدم أحد تسجيلا صوتيا أو مرئيا يثبت به أن شخصا بعينه كان معاديا للثورة أو كان من رموز الفساد، أو هو ينتمي إلى فلول الحزب الوطني، أو كان متعاونا مع جهاز أمن الدولة، أو تربح من الفساد.
وقد أحدث هذا حالة من العداء المتبادل الذي يهدد استقرار المجتمع وأثر كثيرا على سير الحياة الطبيعية وجعل الكثيرين من رجال الأعمال ينكمشون ويخافون المساءلة بحق أو بغير حق، خاصة مع تلاحق البلاغات للنائب العام من كل حدب وصوب . وانتشرت القوائم السوداء ضد كل من أدلى برأي أو بتصريح يظن أنه معاديا للثورة أو مناهضا لها، واختلط الأمر بين العداء الحقيقي للثورة والتآمر ضدها، وبين اختلاف الآراء حولها. وقد ساد شعور عام بأن الكثيرون فاسدون ومتآمرون ومناهضون، وهذا يزيد من حالة الشك والتوجس وانعدام الثقة وفقدان الأمان.
٠ ضعف التربية السياسية: فقد تعود الناس لعقود طويلة أنهم مهمشون، وأن السياسة يختص بها قلة من الناس في قمة السلطة وعلى رؤوس الأحزاب، وأن السياسة هي نشاط نخبوي بالضرورة، وأن ممارستها دائما محفوفة بالمخاطر، وأن الانتخابات شكلية ويتم تزويرها، وأن إرادة الشعب لا وجود لها ولا تأثير. لذلك حين تغيرت الأحوال ظهرت الضرورة للكثير من التربية السياسية التي تعلي من إرادة الشعب، وتجعل صندوق الانتخابات هو الوسيلة المقبولة للتغيير، وتجعل الناس يعرفون كيف يقولون نعم أو لا في الانتخابات والاستفتاءات المختلفة، وأن لا يقعوا تحت تأثير محاولات الاستهواء والاستلاب، وأن يتكون لديهم عقل نقدي يزن الأشخاص والبرامج الانتخابية، ويعرف معاني الحرية والعدل والمساواة والمواطنة والديمقراطية.
٠ العلاقة بالسلطة: تشهد العلاقة بالسلطة بعد الثورة بعض التناقضات المنطقية والوجدانية ، فالناس يشعرون بالإمتنان الشديد للجيش الذي حمى ثورتهم وأمن وجودهم وحافظ على أرواحهم ودمائهم في وقت كانت تتهددهم مخاطر جمة خاصة وأن الشرطة أخذت موقفا معاديا أو متخاذلا وأحيانا متآمرا. ومع هذا الشعور الرائع تجاه الجيش نجد بعض المشاعر الأخرى التي ربما تستعجل الخطوات، وتستعجل تحقيق الأهداف ومحاسبة المخطئين والفاسدين من أركان النظام السابق، وقد تنطلق بعض الأصوات إلى ما هو أبعد من استعجال الخطوات فتلمز تجاه بعض التصرفات. والبعض الآخر يطالب بتسليم السلطة إلى هيئة مدنية لتجنب دخول الجيش في مجادلات وصراعات الحياة السياسية اليومية ولكي يبقى الجيش في منزلته الرفيعة درعا للوطن. وهذه التناقضات في العلاقة ظهرت بوضوح في الفترة الأخيرة، وأدت إلى ردود فعل متوترة أحيانا على الجانبين، خاصة فيم يتعلق بمسألة الدستور ومحاسبة مبارك وكبار مساعديه.
٠ الأطفال: لقد تأثر الأطفال بأحداث الثورة بأشكال مختلفة، فبعضهم أصابه الفزع من مشاهد العنف في المظاهرات خاصة في الأيام الأولى، ثم تلا ذلك أحاديث تهديد البلطجية التي أثارت الكثير من المخاوف، والبعض الآخر من الأطفال تضرر من إصرار الأسرة على متابعة القنوات الإخبارية طول الوقت مما حرم هؤلاء الأطفال من مشاهدة برامجهم المحببة إليهم. ويبدو أن أفكار الأطفال وسلوكياتهم تغيرت بعد الثورة حيث أصبحوا أكثر عنادا وعصيانا، وأكثر إصرارا على التعبير عن رأيهم. وهناك حدث ذو دلالة في أحد المدارس الخاصة حين قام الكانتين برفع سعر بعض المأكولات والمشروبات التي يشتريها الأطفال وهنا تجمع الأطفال (سن الروضة والابتدائية) وقرروا مقاطعة الكانتين حتى يعيد الأسعار إلى مستواها السابق. هذا الحدث وغيره يشير إلى ضرورة أن يغير أولياء الأمور والمدرسين من نظرتهم إلى الأطفال ومن طرق تعاملهم معهم، وأن يتخلوا عن أساليب الترهيب، وأن لا يتوقعوا الطاعة المطلقة والانقياد لكل ما يطلبونه من الأطفال، وأن يتعلموا كيف يتحاورون معهم بشكل صحي.
ثانيا: محور الدعم النفسي:
وهناك عدد من المقترحات في هذا الإطار نذكر منها:
٠ إشهار وتسجيل جمعية "نفسانيون من أجل الثورة" ليستمر النشاط الداعم لخطوات الثورة من خلال مؤسسات المجتمع المدني.
٠ التفكير في آليات ووسائل توصيل نتائج المناقشات والدراسات التي يقوم بها المتخصصون النفسيون إلى دوائر صنع القرار وإلى الجماهير من خلال القنوات الشرعية ووسائل الإعلام.
٠ مساعدة المصريين كلهم على استيعاب الحدث سواءا المؤيدين للثورة أو الصامتين الخائفين أو المعارضين، فكلهم في النهاية مصريون حتى وإن أخطأ بعضهم التقدير، فنحن كنفسانيين لا نأخذ موقف من يحاسب الناس ولكننا نساندهم في كل الأحوال ونترك للقضاء مهمة المحاسبة. وعلينا أن نعمل على استعادة وحدة الصف داخل المجتمع والتقليل من حالة الصراع السائدة في أقرب وقت ممكن. وهذا يستدعي أن يتجاوز دورنا حدود العيادات والمستشفيات النفسية إلى المجتمع الأوسع بكافة أطيافه وطوائفه في حالة من الحب والقبول والمساندة للجميع. والتعامل في مرحلة الحدث الحالي يكون باستراتيجية النجدة... فنحن نعمل على وقف النزيف أولا ثم نفكر بعد ذلك في الفحوصات الباحثة عن الأسباب.
٠ العمل الميداني من خلال ندوات توعية وتثقيف، وعقد ورش عمل مع مجموعات صغيرة، وتقديم الدعم النفسي للمصابين في الثورة وأسر الشهداء مجانا، وتقديم المشورة المتخصصة لكل من يحتاجها.
٠ الاهتمام بتحقيق الأمن في الشارع المصري حيث يشكل الأمن أحد أهم الاحتياجات الإنسانية، لأن الإنسان لا يستطيع أن يعمل أو يبدع أو ينتج إلا إذا تحقق له الشعور بالأمن، وأن الصناعة والسياحة والزراعة وكل مناحي الحياة لا تزدهر إلا بتحقق الأمن.
٠ العمل على تهيئة الظروف للتغيير المتدرج والعميق بشكل علمي صحيح، فالمجتمع المصري (والعربي أيضا) في حالة سيولة وفوران، وفي حالة إعادة تشكل، ولذلك يجب أن نحترم هذه الموجة من الرغبة في التغيير، ونساعد لأن يكون تغييرا إيجابيا وعميقا وبناءا، وأن نعمل على دعم النمو النفسي والنضج النفسي والصلابة النفسية والمرونة النفسية، وأن نساعد على الخروج من حالة فقد السيطرة، وأن نهتم بتنمية مهارات إدارة الأزمات والخروج منها بشكل صحي. ويجب أن نحترم التغيرات الخارجية والسطحية التي حدثت ونعترف بأن أمامنا وقت طويل لكي تحدث تغييرات جوهرية في نفوس الناس، فالشعب المصري والعربي لن يتغير في يوم وليلة، وأن ما تراكم لديه من فساد وإفساد على مدى ستين عاما أو أكثر يحتاج لصبر وجهد حتى يتغير... المهم أن تكون لدينا النية ولدينا الإرادة ولدينا البرامج المؤدية لذلك.
٠ رصد استخدام الدين في تحقيق مكاسب طائفية أو في توجيه وعي الناس بشكل خاطئ خاصة وأن الشعب المصري شعب متدين بطبعه، مع الوضع في الاعتبار ما للدين الصحيح الوسطي المعتدل من أثر إيجابي على حركة الشعوب. ولا شك أن خروج التيارت الدينية من الزوايا والكهوف والأديرة والإجتماعات المغلقة يتيح فرصة لهؤلاء للاحتكاك بالمجتمع بشكل صحي ومفيد ويجعلهم أكثر واقعية في تناول القضايا المجتمعية ويحد من التطرف أو التشدد لدى أي فريق، وذلك بشرط أن تلتزم تلك التيارات بقواعد الديمقراطية التي خرج الشعب ينادي بها بديلا للنظام الدكتاتوري المستبد.
ولا يجب أن تستخدم فزاعات كتبرير لاستبعاد بعض القوى أو قمعها لأن ذلك قد يؤدي إلى العمل السري بعيدا عن السياق المجتمعي العام. وظهور المعتقدات الدينية في الحياة العامة موجود في كل أنحاء العالم، وهو شيء لا يستطيع أحد منعه، ولكن يجوز أن ننبه إلى الاستخدامات النفعية أو الانتهازية للدين حين تحدث.
٠ التربية السياسية: وسوف نهتم بها من الجانب النفسي الذي يخصنا، ويتلخص في زيادة الوعي بالحقوق والواجبات، واحترام مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والمواطنة، واليقين بأن التغيير لا يتحقق بالعنف والإكراه ولكن يتحقق من خلال صناديق الانتخابات. والتربية السياسية الجيدة تقلل من مخاوف الناس من الاختلاف واعتباره علامة صحة وضرورة حياتية لذلك علينا أن لا نخافه.
٠ مقاومة الإشاعات: وذلك بزيادة الشفافية وبث المعلومات الصحيحة والدقيقة في كل ما يهم الناس، وإعمال العقل في استقبال المعلومات وتنمية القدرة العقلية النقدية لدى الجميع ليزنوا كل ما يعرض عليهم. وهذا يستدعي ممارسة الشفافية على مستوى منظومات الحكم، والالتزام بالصدق على مستوى الإعلام، ومحاسبة كل من يكذب على الناس أو يخدعهم أو يضللهم.
٠ التطهير: ونقصد هنا التطهير بمعناه الواسع وهو محاسبة الفاسدين والمفسدين وإبعادهم فورا عن مراكز التأثير، وأيضا التطهير لنفوسنا جميعا (مؤيدين ومعارضين) مما لحق بها من مظاهر فساد قد نعيها أو لا نعيها، ويلحق بذلك تطهير حياتنا بشكل عام من كل مظاهر الانحراف والتشويه. أي أننا نجري عملية نظافة ظاهرة وباطنة لنا جميعا ولمجتمعنا وبيئتنا.
٠ التعامل مع القوات المسلحة ومع السلطة بوجه عام: على الشعب أن يدرك حجم المسئوليات والضغوط الملقاة على القوات المسلحة وحجم الدور الهائل الذي تقوم به، ولذلك يصبح من الواجب الوطني أن نساندهم ونقدم النصح والمشورة لهم وأن نتحمل بعض الأشياء التي ربما لا نرضى عنها أو نتوقع غيرها، فهذه طبيعة الحياة، وأن لا نسمح بالوقيعة بين الشعب وبين الجيش.
وبما أن السلطة الدكتاتورية للنظام السابق قد رحلت فعلينا أن نعيد النظر في طريقة تعاملنا مع السلطة الجديدة، فهي سلطة وطنية تأخذ شرعيتها من الشعب وتعمل لصالحه، وهذا يستوجب دعمها ومساندتها. فقد عاش المصريون عقودا طويلا يشعرون أن السلطة الحكومية دائما ضدهم، وهي لا تمثلهم، وهي مفروضة عليهم، أما وأن الوضع قد تغير الآن لذلك يستوجب الأمر تغير اتجاهات الناس نحو السلطة في وضع ما بعد الثورة خاصة حين تصبح السلطة معبرة عن خيارات الشعب.
٠ تطوع المتخصصين النفسانيين في الشرطة والجيش، إذ يبدو أن هذين المؤسستين تحتاجان لهذا التخصص بقوة لتحسين نوعية الأداء على المستوى الفردي والجماعي. ووجود التخصصات النفسية في هاتين المؤسستين يؤدي إلى تحسن الصحة النفسية بشكل كبير كما ثبت من تجارب دول أخرى عديدة.
٠ التنشئة السوية للأطفال: حيث أن التغيير في المراحل المبكرة ممكنا، وإذا كانت الأجيال المتقدمة في السن لم تتربى على مبادئ الشورى وعلى آليات الديموقراطية فإن الأمل أكبر في المراحل العمرية الأولى لترسيخ هذه المبادئ.
٠ المحافظة على الروح الثورية: وذلك يستدعي الإبقاء على المشاعر الثورية والدفع الثوري حتى يتم تحقيق الأهداف وأيضا لحماية الثورة في هذه المراحل الحرجة من محاولات الانقضاض أو الالتفاف. وهذا لا يعني استمرار وتصاعد التظاهرات والاحتجاجات طول الوقت، فقد تحتاج الثورة للاستقرار لتحقيق معدلات أعلى للتنمية، إذ أن نجاح الثورة لابد وأن يتكئ على اقتصاد قوي. والثورة تعني التغيير، وعلينا أن نشد أزر هذا التغيير ونرفع سقف التوقعات والطموحات وندفع الناس للمشاركة الإيجابية لتحسين أحوالهم وأحوال وطنهم.
٠ استعادة التوازن والسلام الاجتماعي: فلا شك أن ثمة انشقاقات واهتزازات وتصدعات قد حدثت، ويحتاج الأمر إلى إعادة اللحمة الاجتماعية والسياسية واستعادة وحدة الوطن بمؤيديه ومعارضيه، فالجميع مصريون.
نفسانيون من أجل الثورة
عنهم:
أ.د أحمد شوقي العقباوي
أ.د محمد المهدي
أ.د وائل أبوهندي
أ.د خليل فاضل
أ.د أحمد عبدالله
المشاركون في هذه الندوة:
أ.د صفوت فرج ، أ.د حسين عبدالقادر ، أ.د عبدالله عسكر ، أ . حنان الشاذلي ، د. نهله حيدر ، أ. ماجد فهمي ، د. مها شوقي ، د. ناهد شوقي ، أ. منى سعيد ، د. أحمد عاطف ، أ. نانسي نبيل ، أ. أحمد ابراهيم ، أ. طارق خالد ، أ. هدير جمال ، أ. منى جابر ، د. صافيناز عبدالسلام ، د. فاطمه الشناوي ، د. مايكل فهمي عطالله ، د.هاني منتصر ، أ. صفاء عبدالحميد.
واقرأ أيضاً:
علاج الاستبداد/ دروس الانتصار/ كنت في التحرير.. لستُ أمّك!!/ صحيح مبارك كان كابوس وانزاح/ ملفات أمن الدولة وتوثيق الذكريات