منظومة الاستبداد (1)
المستبد ودافعي التملك والخلود
إن دافعي التملك والخلود ليسا قاصرين على المستبد وحده فهما دافعين أساسين في النفس البشرية وقد عرفهما إبليس وحاول اللعب عليهما عندما أراد أن يغوي آدم فقال له مغرياً إياه بالأكل من الشجرة المحرمة (..... قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) [طه: 120]. (..... وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) [الأعراف:20].
وفعلاً نجح الإغواء لآدم على الرغم من التحذير الإلهي له (...... وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ) [البقرة:35] وعلى الرغم من إتاحة فرص التنعم المتعددة في الجنة، وهذا يدل على قوة هذين الدافعين وعمقهما في النفس البشرية، وعلى أنهما نقطتي ضعف يسهل الإغواء عن طريقهما.
ويبدو أن هذين الدافعين يكونان متخضمين في نفس المستبد فهو لا يشبع من التملك وهو يسعى إلى الخلود وينكر في أعماقه فكرة الموت. وكلما اتسعت دائرة نفوذه وكلما انتشرت صوره وتماثيله في كل مكان كلما انزلق إلى الاعتقاد بفكرة خلوده، ولو أصابه المرض أو أدركته الشيخوخة وأيقن بفكرة موته فإنه يتسمك بملكه ويتعلق بخلوده من خلال أبنائه فيحرص على توريثهم كل ما استطاع أن يتملكه فهم امتداد لذاته، وهذه هي سيكولوجية الأنظمة التي تقوم على فكرة التوريث حفاظاً على بقاء المُلْك وخلود الذِكْر.
ومن سنن الكون التي قدرها الله أن كل من يتعلق بالملك أو الخلود يزول منه لأن الملك لله وحده والخلود له وحده، وحين سعى آدم نحو الملك الذي لا يبلى والخلود، ابتلاه الله بالحرمان من الجنة بل والحرمان مما يستره من ملابس (... فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا.....) [الأعراف:22]، هكذا يحدث مع كل مستبد تخدعه ذاته أو يخدعه إبليس بفكرة الخلود أو الملك الذي لا يبلى، حيث يبتلى بضياع الملك ويبتلى بالطرد من الجنة التي عاش فيها وظن أنه خالد فيها.
مستويات الاستبداد
تبدأ بذرة الاستبداد داخل النفس ثم تنبت وتتمدد شجرته الخبيثة لتمد فروعها داخل الأسرة ثم داخل المدرسة ثم داخل المؤسسات ثم داخل المجتمع ثم داخل النظام السياسي حتى يصل إلى المستوى الدولي. وفيما يلي إيضاح لهذه المستويات:
1- الاستبداد النفسي:
ربما يكون هذا المفهوم غريباً بعض الشيء، ولكنه في الحقيقة هو جذر شجرة الاستبداد، وهو النموذج الأولي للاستبداد (Prototype) ولكي نفهم الاستبداد النفسي لابد أن نعلم بأن النفس البشرية رغم وحدتها الظاهرة إلا أنها تتكون من كيانات مختلفة تختلف أسماؤها باختلاف النظريات النفسية، ففي النظرية التحليلية لفرويد نجد الهو والانا والأنا الأعلى، وفي نظرية التحليل التفاعلاتي لإريك برن نجد ذات الطفل وذات الناضج وذات الوالد، وفي علم النفس التحليلي نجد الأنيما والأنيموس ونجد القناع والظل، وفي نظرية كارين هورني نجد الذات المثالية والذات الاجتماعية والذات الحقيقية.
وتبدأ فكرة الاستبداد داخل النفس حين يتضخم أحد الكيانات أو أحد الذوات داخل النفس على حساب الكيانات أو الذوات الأخرى وهنا يختل التوازن النفسي ويتوحش هذا الجزء المتضخم في حين تضمر وتنسحب الأجزاء الأخرى منتظرة اللحظة المناسبة للانقضاض على الجزء المستبد، وفي كل هذه الحالات تمرض النفس أو تتشوه أو تهلك.
2- الاستبداد الأسري:
ففي الأسرة تتأكد مفاهيم الحرية أو تنتفي، فهي المحضن الأول والأساس لقيم الحرية والمساواة والعدل وغيرها من القيم، فإذا مارس الأب أو مارست الأم الاستبداد كان ذلك بمثابة نموذج أوّلي للاستبداد يحمله الطفل معه ويتحرك بموجبه في كل المواقع التي يذهب إليها، فهو يتصنع الخضوع والاستسلام ويسلم إرادته لوالده المستبد، ثم حين تواتيه الفرصة (حين يكبر هو أو يضعف أبوه) ينقض عليه منتقماً ومتشفياً.
3- الاستبداد المدرسي:
ويمارسه ناظر المدرسة على مدرسيه ثم يمارسه المدرسون على الطلاب ثم يمارسه الطلاب الأقوياء على الطلاب الضعفاء. وبما أن المدرسة داراً أساسية للتربية فهي تنمي ذلك السلوك وتدعمه بل وتعطيه شرعيه تربوية وأخلاقية.
4- الاستبداد المؤسسي:
وهو امتداد طبيعي للاستبداد الأسري والاستبداد المدرسي حيث تقوم كل المؤسسات على فكرة شخص واحد كبير يعرف كل شيء ويتصرف وحده في كل شيء، وقطيع من المرؤوسين يسمعون ويطيعون. والعلاقة هنا بين الرئيس والمرؤوس تقوم على الخوف والعداوة المستترة تحت غطاء من النفاق والخداع.
5- الاستبداد الديني:
فعلى الرغم أن الدين الصحيح يؤكد مفهوم الحرية (حتى في الاعتقاد الديني نفسه) ويؤكد مفهوم المساواة ويؤكد مفهوم الشورى إلا أن بعض الأفراد أو بعض المؤسسات ربما تستغل بعض المفاهيم الدينية أو شبه الدينية لتمارس تسلطها على الناس بحجة أنها تتحدث باسم الإله وبأمره وأنها تملك الحقيقة المطلقة التي لا يصح معها حوار أو نقاش، وربما يكون هذا هو أخطر أنواع الاستبداد لأنه يذل أعناق البشر باسم الدين وتحت رايته.
وهذا النموذج نراه واضحاً في زوج يقهر زوجته محتجاً بنصوص مأخوذة بغير معناها وخارج سياقه، أو أب يستبد بأبنائه ويلغي إرادتهم شاهراً آيات الطاعة في وجوههم، أو رجل دين يمنح صكوك الغفران لمن يرضى عنه ويلقي بسخطه وغضبه على من يخالفه، أو حاكم يتستر تحت مفاهيم دينية ليخفي طغيانه.
ومن علامات الاستبداد الديني تآكل منطقة المباح، تلك المنطقة في السلوك البشري التي سكت الله عنها لا نسيانا ولا إهمالا وإنما ليعطي فسحة للعقل البشري أن يتصرف بحرية في أشياء لا تقع في منطقة الحلال أو منطقة الحرام. ومنطقة المباح هذه هي التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، وهي منطقة أرادها الله أن تكون واسعة وأن يحررها من قيود الحلال والحرام لكي يعطي العقل البشري فسحة للعمل والإبداع دون حرج.
وفي مجتمعات الاستبداد الديني تعلو أصوات رجال الدين معلنة تحكمهم في كل صغيرة وكبيرة في حياة الناس تحت زعم أن الدين لم يترك شيئا إلا ووضع له حكما، ونسوا أو تناسوا أن حكم منطقة المباح أن تكون حرة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكره كثرة السؤال حتى لا يقع الناس في فخ التشديد والإلزام في أشياء لا تستدعي ذلك. وهذه المجتمعات التي تتآكل فيها منطقة المباح ويصبح الناس أسرى لآراء رجال الدين في كل صغيرة وكبيرة يقعون في فخ "الكهنوت" وهو مقدمة الاستبداد الديني.
6- الاستبداد الاجتماعي (الطبقي):
بمعنى أن تستبد طبقة ما بمقاليد الأمور مثل طبقة النبلاء أو الإقطاعيين أو طبقة رجال الأعمال أو طبقة البروليتاريا، في حين تستبعد باقي الطبقات وتعيش مقهورة ذليله ولا تملك إلا الانتظار المؤلم الحقود للحظة تتمرد فيها وتنقض على الطبقة المسيطرة وإذا انتصرت هذه الطبقة الجديدة المنقضة أو الثائرة أو المتمردة فإنها تستبد هي الأخرى بالأمور وتلغي أو تستبعد أو تستعبد الطبقات الأخرى وتبدأ دورة جديدة من دورات الاستبداد تنهك قوى المجتمع وتفقده أفضل ملكاته وإمكاناته.
7- الاستبداد السياسي:
وهو أكثر مستويات الاستبداد شهرة لدرجة أنه حين تذكر كلمة الاستبداد يخطر في الذهن مباشرة هذا النوع من الاستبداد دون غيره، ربما لأنه الأكثر وضوحاً أو الأكثر شيوعاً أو الأوسع تأثيراً. وهذا الوضوح وهذه الشهرة للاستبداد السياسي يجعلنا في غنى عن الحديث عنه بالتفصيل فقد أصبح من البديهيات ولكننا في فقط ننوه إلى جذوره التي جاءت من نفس مستبدة وأب مستبد وناظر مستبد ومدير مستبد ووزير مستبد ورجل دين مستبد، فالاستبداد السياسي ثمرة مرة لثقافة استبدادية على مستويات متعددة وهو لا يزول بمجرد ثورة أو انقلاب ولكنه يزول حين تسري ثقافة الحرية والمساواة والعدل في كل أو أغلب المستويات سابقة الذكر. وسريان ثقافة الحرية وحده لا يكفي بل لابد من أن يكافح معتنقو الحرية من أجل ترسيخ آليات لممارسة الحرية مثل الشورى أو الديمقراطية أو أي آلية أخرى تكون ضماناً لاستمرار الحرية وحاجزاً أمام كل مستبد طامع يحاول الانقضاض في أي لحظة على هذه القيم تحت أي لافتة مهما كانت براقة.
8- الاستبداد الدولي:
وقد أصبح هذا الاستبداد واضحاً منذ ظهور عالم القطب الواحد حيث تتحكم الإمبراطورية الأمريكية الآن –منفردة– في مقاليد الأمور، حتى الهيئات والمنظمات الدولية التي نشأت للمحافظة على الشرعية الدولية قد أطيح بها وأصبحت أداة في يد الدكتاتورية الأمريكية المستبدة. وتقوم بريطانيا بدور هامان للفرعون الأمريكي المتغطرس فبريطانيا لديها طموح سياسي تحققه من خلال تقديم الخدمات لأمريكا وتبرير أفعالها والسير في ركابها وتقوم اليابان والصين بدور قارون المستفيد مادياً من هذا النظام العالمي الفاسد. أي أن أطراف الثالوث الاستبدادي (فرعون وهامان وقارون) التي ذكرناها آنفاً متحققة تماماً في النموذج الدولي.
وهذه الأطراف الاستبدادية تتحكم في مقدرات الضعفاء والمستضعفين والخاضعين والمستسلمين من شعوب العالم.
أطراف الاستبداد
وهناك أطراف (أو أضلاع أو أركان) ثلاثة للاستبداد تتحالف مع بعضها وتتآمر لخلق منظومة الاستبداد التي تحاول أن تستفيد منها (أو تتوهم أنها ستستفيد منها) ويحدد الدكتور يوسف القرضاوي (فتاوى معاصرة، الجزء الثاني، دار الوفاء المنصورة، الطبعة الثالثة 1415هـ - 1994م صفحة 639) أطرافاً ثلاثة للاستبداد هي:
٠ الأول: الحاكم المتأله المتجبر في بلاد الله، المتسلط على عباد الله، ويمثله فرعون.
٠ والثاني: السياسي الوصولي، الذي يسخر ذكاءه وخبرته في خدمة الطاغية، وتثبيت حكمه، وترويض شعبه للخضوع له ويمثله هامان.
٠ والثالث: الرأسمالي أو الإقطاعي المستفيد من حكم الطاغية، فهو يؤيده ببذل بعض ماله، ليكسب أموالاً أكثر من عرق الشعب ودمه، ويمثله قارون.
ولقد ذكر القرآن هذا الثالوث المتحالف على الإثم والعدوان، ووقوفه في وجه رسالة موسى، حتى أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) [غافر:24،23]. (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ) (العنكبوت:39).
والعجيب أن قارون كان من قوم موسى، ولم يكن من قوم فرعون، ولكنه بغى على قومه، وأنضم إلى عدوهم فرعون، وقبله فرعون معه، دلالة على أن المصالح المادية هي التي جمعت بينهما، برغم اختلاف عروقهما وأنسابهما (انتهى كلام الدكتور يوسف القرضاوي).
أدوات الاستبداد
لابد للاستبداد من أدوات للترهيب والترغيب حتى تخضع له الرقاب ويسلم له العباد (أو العبيد) إرادتهم وخياراتهم. والمستبد يعرف جيداً مواطن ضعف البشر ويحاول استغلالها بأبشع الطرق وأكثرها حقارة ودهاءاً في نفس الوقت. ونذكر من هذه الأدوات حسب ترتيب أهميتها:
1- السلطة: فالأب المستبد يستغل نفوذه المالي وقوته الجسدية ومكانته المعنوية في قهر أبنائه، والزوج المستبد يستغل حق القوامة (كما يفهمه) ويستغل تفوقه العضلي وربما المالي في إذلال زوجته ووأدها، والمسئول المستبد يستغل ما يملك من صلاحيات للتحكم في رقاب مرؤوسيه، والحاكم المستبد يستغل جنوده (الشرطة والجيش) لإرهاب رعيته ويستغل النظام السياسي الموالي له لإضفاء الشرعية على أفعاله وتجريد خصومه من تلك الشرعية ووصفهم بالتآمر والخيانة والإفساد في الأرض وتعكير صفو الأمن.
والقرآن يصور هذا الموقف في قوله تعالى: (.... إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) (القصص:8). وقوله(فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (القصص:40).
2- المال: ومن لا يصلح معه الترهيب بالسلطة يصلح معه الترغيب بالمال، ولهذا يحرص المستبد على إمساك الثروة في يده لتكون وسيلة ضغط على من تحت يده ووسيلة ترغيب وشراء ذمم.
3- المناصب: ينتقي المستبد من بين الناس أولئك المتعطشين للمناصب والراغبين في العلو بأي ثمن فيستخدمهم ويستعملهم كدروع له وكأدوات لحمايته وتبريد أفعاله وتمجيده وتحلية صورته أمام العامة.
4- الإعلام: فالمستبد يحتاج لمن يداري سوءاته ويزين عوراته ويسوق مشروعاته وأفكاره بين الناس ويبرر أخطائه ويحولها إلى انتصارات ويمارس التزييف للوعي والتخدير للعقول ودغدغة المشاعر طول الوقت. ومن هنا يمكن أن نعتبر لإعلاميين الموالين لأي مستبد بمثابة سحرة فرعون الذين كانت مهمتهم أن يسحروا أعين الناس بمعنى تزييف وعيهم.
5- رجال الدين: ونقصد بهم فئة معينة من رجال الدين يقبلون إضفاء شرعية دينية على فكرة الاستبداد وإضفاء شرعية على كل أفعال المستبد واستغلال المفاهيم الدينية لتبرير وتمرير كل ما يقوم به المستبد، وإصدار الفتاوى المبنية على تفسيرات تلوي عنق الحقيقة لمصلحة المستبد. وكل مستبد يسعى إلى تقريب عدد من رجال الدين (حتى ولو كان هو ملحداً أو علمانياً) لمعرفته بقيمة الدين لدى الناس وتأثرهم به.
المستبد يصنعه الناس من حوله
قد يبدو للنظر القصير أن مجموعة المحيطين بالمستبد ضحايا له إذ يعانون من استبداده ويتحملونه على مضض وهذا صحيح من جانب واحد أما الجانب الآخر فهو أنهم شاركوا في صنع هذا المستبد، بعضهم شارك بالأقوال والأفعال التي ضخمت ذات المستبد (كالمدح والثناء والتبرير لكل صفات المستبد وأفعاله والمشاركة في تنفيذ مشروعات المستبد) وبعضهم الآخر شارك بالصمت والانكماش مما سمح لصوت المستبد أن يعلو عمن سواه وسمح لذاته أن تتمدد في الفراغ الذي انسحب منه الآخرون كرهاً أو طوعاً.
ولهذا كانت قاعدة تغيير المنكر واجبة وفاعلة على مختلف مستويات القدرة من اليد إلى اللسان إلى القلب (والاستبداد من أخطر المنكرات): «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع، فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»... "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر".
وعلى الرغم من أن التغيير بالقلب يبدو هافتاً وضعيفاً إلا أنه مهم جداً حين يعجز الإنسان عن التغيير بالوسائل الأخرى (اليد واللسان) فبقاء الرفض القلبي للمنكر هو بمثابة بذرة للخير وجذوة للحق تظل كامنة إلى أن تتاح لها الظروف للنمو والظهور ولولاها لاختفى الخير وضاع الحق إلى الأبد.
والناس يدفعون ثمن سكوتهم على الاستبداد مرتين مرة في الدنيا ومرة في الآخرة ففي الدنيا فساد وضياع ومعاناة وفي الآخرة عذاب شديد، وكأن الاستبداد خطيئة دنيوية وأخروية معاً. عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الهو عليه وسلم قال لكعب بن عُجْره: «أعاذك الله من إمارة السفهاء يا كعب» قال وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي، لا يهدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، أولئك مني وأنا منهم وسيردون على حوضي» (رواه أحمد والبزار ورجالهما رجال الصحيح، كما في إلى الترغيب للمنذري، والزوائد للهيثمي 5/247).
وعن عبد الله بن عمرو مرفوعاً: «إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم، فقد تودع منهم» (رواه أحمد في المسند، وصحح شاكر إسناده (6521) ونسبه الهيثمي للبزار أيضاً بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح 7/262 ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 4/96).
واقرأ أيضًا:
الحوار وقاية من العنف / صلاح جاهين وثنائية الوجدان / سعاد حسنى والجرح النرجسي