المرشحون للرئاسة بين الكاريزما والضمير1 السيد عمرو موسى
عمرو موسى يتمتع بكاريزما شخصية كبيرة تبدو في تركيبة وجهه التي تجمع بين الأرستقراطية والشموخ والترفع والكبرياء، وفي طريقة حديثه واختياره لألفاظه ونبرة صوته، وفي تحيزه للمصالح الوطنية والعربية (من خلال تصريحاته فقط)، وفي توجيه النقد للمواقف الإسرائيلية وشجب عدوانها الدائم على العرب. والبعض يرى بأن وجوده في وزارة الخارجية المصرية لسنوات طويلة، ثم وجوده في الجامعة العربية يجعله ملما بالكثير من الملفات المهمة محليا وعربيا ودوليا، كما أن علاقاته الداخلية والخارجية تتيح له التواصل الجيد مع كل الأطراف، وهو شخص متزن بمعنى أنه لن يغامر بمصير مصر في اتجاهات ربما تشكل خطرا عليها في الوقت الحالي، كما أنه معروف للغرب فلن يقلقوا من تحولات سياسية حادة في مصر وبذلك يطمئنوا ويواصلوا التعاون مع مصر للخروج من أزماتها التي تراكمت إبان فترة حكم حسني مبارك وبطانته.
أما معارضي عمرو موسى فيرون أنه كان أحد رجال النظام السابق إذ ظل يعمل مع حسني مبارك كوزير خارجية سنوات طويلة لم ينجز فيها شيئا ولم ينجح في أي ملف من الملفات محليا أو عربيا أو دولي، وأن دور مصر تقزم في وجوده، وأنه حين انتقل للعمل كأمين عام للجامعة العربية شهدت الجامعة أشد مراحل تدهورها حتى أصبحت كيانا كاريكاتوريا لا تأثير له على الإطلاق، وفي عهده انقسمت السودان، وتشققت لبنان ودخلت ليبيا في حرب أهلية واليمن على وشك الصراع الداخلي المسلح وتم العدوان الوحشي على غزة، ولم يفعل عمرو موسى شيئا سوى إطلاق التصريحات، ولهذا أطلق عليه معارضوه لقب "الحنجوري" إشارة إلى كونه ظاهرة صوتية غير مؤثرة. وهو فوق ذلك أحد "المتحولين"، إذ كانت له تصريحات تؤيد ترشيح مبارك للرئاسة وأنه شخصيا سيضع صوته لمبارك، ثم بعد أن نجحت الثورة أصبح يصدر تصريحات مؤيدة للثورة.
الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح
هو أحد قيادات الإخوان المسلمين البارزين، يتمتع بمصداقية واستقلالية عالية في آرائه ومواقفه حتى ليبدو معارضا لبعض توجهات الإخوان رغم انتمائه لهم، وله علاقات طيبة بكافة تيارات المجتمع السياسية والاجتماعية والثقافية، وله حضور شخصي وإنساني مهيب. حين تجلس إليه تشعر أنك مع رجل نبيل عظيم الهامة يتمتع بالكبرياء والتواضع والطيبة في ذات الوقت، ولديه منطق صادق ومستقيم، يتحيز للحق بصرف النظر عن أي اعتبارات تنظيمية أو حزبية أو أيديولوجية، ويحترم الجميع ويحترمه الجميع، فهو لا يراوغ ولا يتلون ولا يخضع ولا يستلب.
ومنذ كان طالبا في الجامعة وتبدو عليه قدرات عالية في القيادة والتوجيه والتأثير وخاصة لفئة الشباب، وقد وقف شامخا كعادته في مواجهة أنور السادات ينتقد سلبيات عصره (وكان وقتها طبيب امتياز تحت التدريب)، وثبت على مواقفه الوطنية ودخل السجن مرات عديدة في عهد السادات ومبارك ودفع ثمنا غاليا في مواجهة فساد العهدين. ونجح كثيرا في موقعه القيادي في اتحاد الأطباء العرب وفي هيئة الإغاثة وأنجز الكثير في صمت. وهو يعرف قيمة وقامة مصر على المستويات الثقافية والحضارية والدينية والسياسية، وله قبول كشخصية عامة على المستوى المصري والعربي والإسلامي. وقد يؤيده المنتمون للتيارات الإسلامية باختلاف أطيافها على أنه وجه مقبول ويحافظ على المرجعية الدينية للشعب المصري دون تعصب، وقد يؤيده أيضا قطاع كبير من الصامتين غير المنتمين لتيارات سياسية أو دينية على أنه "رجل محترم ويعرف ربنا ومستنير في ذات الوقت".
ولكن معارضوه يرون أن انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين يجعله مستقطبا ويثير مخاوف تيارات بعينها في المجتمع مثل الأقباط واليساريين والعلمانيين والليبراليين، كما أنه يثير مخاوف الغرب من أن تقوم في مصر دولة دينية أو حتى دولة مدنية ذات مرجعية دينية.
المستشار هشام البسطويس
قضى المستشار حياته في غرف التحقيقات وعلى منصات القضاء، ولم يكن أحد يعرفه حتى جاءت انتخابات مجلس الشعب في 2005 م فكان له موقفا مشرفا ضد التزوير ثم بعد ذلك موقفا عظيما في صراع القضاء مع النظام السابق من أجل الاستقلال، وتكررت أحاديثه وتصريحاته في هذه المجالات المحددة. ومن خلال هذه النشاطات بدا الرجل مستقيما عادلا لا ينحني لجبروت السلطة ولا يتردد في قول الحق حتى وإن كلفه ذلك منصبه ومصدر رزقه، وقد تعرض لملاحقات ومضايقات كثيرة من نظام مبارك ربما أجبرته على الخروج من مصر تلبية لاحتياج دولة الكويت له (ولاحتياجه الشخصي) ليعمل هناك عدة سنوات يعود بعدها لتقديم جهده لمصر وأهلها من خلال الترشح لرئاسة الجمهورية.
إذن فهو على مستوى الضمير يحقق معدلات عالية، ولكن على مستوى الكاريزما الشخصية ربما لا يحقق نفس المعدلات، فهو كرجل قانون لم يهتم في حياته بمسائل الجماهيرية والقبول الشعبي والمشاعر وغير ذلك، كما أنه لم يكن له حضور في كثير من القضايا والصراعات والحركات السياسية والشعبية مما يجعله غريبا على هذه المساحات وغريبا على الوعي الشعبي العام.
الأستاذ حمدين صباحي
هو إعلامي معروف وله تجربة في مجلس الشعب السابق، ورئيس حزب الكرامة، ومعارض للنظام السابق. ويتمتع بكاريزما متوسطة ربما لا تكون كافية لمثل هذا المنصب الكبير، وشعبيته أيضا على هذا المستوى، إذ ليس له خارج دائرته الانتخابية قاعدة شعبية أو شبابية كبيرة، فوجوده إعلامي بشكل متوسط، وأفكاره أقرب ما تكون إلى الاشتراكية القديمة، وليس له "بروفيل" محدد ومؤكد يصل إلى القاعدة الشعبية الواسعة. وأكثر ما يتمتع به وجها بريئا وتلقائية وبساطة واستعداد لقول الحق وحمل تبعات ذلك. وإذا كانت له كاريزما متوسطة فإن مسألة الضمير لا تبدو واضحة للناس بقدر كاف فهم لا يعرفون مدى صلابته القيمية في القضايا الكبرى ومدى انتماءاته لأيديولوجيات تتفق مع ثوابتهم ذات المرجعيات الدينية. وفي أيام الثورة لم يكن له دور مؤثر ومع هذا كان حريصا على أن يظهر في الكادر بصورة لا تبدو واضحة ولا تبدو باهتة، فهو الغائب الحاضر أو الحاضر الغائب.
الفريق أحمد شفيق
وله حضور إعلامي لا ينكر، وقد استطاع –فترة رئاسته للوزراء أثناء الثورة– أن يجتذب اهتمام قطاعات ليست بالقليلة من الشعب المصري بلباقته في الحديث، والجمع بين الأرستقراطية والتواضع، والقدرة على استيعاب الأسئلة الموجهة له من وسائل الإعلام، والملابس التي يلبسها (بلوفر أحمد شفيق وقميص أحمد شفيق) والحديث عن إنجازاته في مناصبه السابقة بالطيران المدني. وهو شخصية عسكرية قد تحظى بتأييد الجيش أو قطاعات منه على أساس استبقاء هذا المنصب في إطار المؤسسة العسكرية، وقد يطمئن له الأمريكان والغرب عموما.
ولكن صداقته الطويلة لمبارك وكونه تلميذه المقرب والمحبب، وما فعله في فترة توليه الوزارة أثناء وبعد قيام الثورة من إغماض العين عن موقعة الجمل ومن التهاون والتباطؤ (الملتبس بالتواطؤ) في محاسبة أركان النظام السابق ومن أشياء كثيرة كانت في مجملها تعطي صورة غاية في السلبية لأدائه المسكون بالشك في أنه كان أحد أهم أركان الثورة المضادة وأنه كان يلعب دورا خطيرا لحساب النظام السابق ولكنه يلعبه بدرجة عالية من الذكاء والحرفية والإقناع جعلت الثوار يشعرون بخطره الهائل ويخرجون بالملايين يطالبون بخروجه من الوزارة وقد خرج فعلا تحت ضغط الجماهير الواعية التي انتبهت لدوره. وعشية خروجه تعرض لهزة شديدة في مواجهة إعلامية مع الروائي والثائر علاء الأسواني في لقاء على قناة ON TV حيث هاجمه الأسواني بقوة وأخرجه عن هدوئه المعتاد وأظهر وجها آخر لم يره الناس فيه من قبل، وكان لابد من إزاحته من موقعه بعد هذا المشهد الكاشف.
إذن فشفيق يتمتع بالكاريزما التي تبهر قطاعات من الناس تهتم بلباسه وهيئته وكلماته، ولكن على مستوى الضمير والإخلاص للثورة هناك الكثير من علامات الاستفهام الضخمة.
بعد هذا الاستعراض لبعض المرشحين أو المحتمل ترشحهم للرئاسة، قد يتفق البعض أو يختلف حول ما قيل أو يقال عنهم مؤيدا أو معارضا وهذا حق مؤكد للجميع في النظام الديمقراطي، وقد يقول قائل بأن المعيارين اللذين ذكرناهما "الكاريزما والضمير" ليسا هما المعيارين الموضوعيين لاختيار رئيس الجمهورية، إذ أن ما يهمنا في الرئيس القادم هو برنامجه الانتخابي ومدى قدرته على تحقيق هذا البرنامج في الواقع، فقد نضج الشعب المصري وقام بثورة عظيمة بكل المقاييس العالمية، وهذا صحيح ونتمنى أن يكون هذا هو المعيار الأساسي، ولكن قراءة الواقع حتى هذه اللحظة توحي بقوة هذين المعيارين لدى عدد كبير من الناس ربما لانعدامهما في شخصية مبارك وعصابته.
واقرأ أيضاً:
أهم من الاستفتاء، وأخطر من ثورة مضادة/ هنا والآن.. الثورة تكون إزاي؟؟/ كشف الطيش.. في مسألة الجيش/ حكاوي القهاوي