كلما سمعت أو قرأت حديثا لأبلة الناظرة السيدة كلينتون، وهي توزع درجات امتحان الفترة على شعوب (وأنظمة حكم) الشرق الأوسط بالذات، "هذا تسعة على عشرة"، وذاك خمسة على عشرة، وهذا "برافوا"، وذاك له "ملحق" في ثورة لاحقة، أما "هؤلاء" فهم معفون من الامتحان أصلا، لأن مادة الديمقراطية ليست مقررة عليهم ماداموا يدفعون أقساط المدرسة أولا بأول، بالعملة الصعبة أو البترول، الخام، يصلني ذلك بإلحاح ثقيل، فأمتلئ غيظا لدرجة لا يخفف منها إلا شيخي نجيب محفوظ وهو يربت على كتفي أن "أصبر فلا توجد حلاوة بلا نار"، وأبحث عن الحلاوة فأجدها مرارة علقما، وأبحث عن النار فلا أجد إلا ألعابا نارية لا أعرف من يطلقها من وراء ستار.
ننام ونصحو ونحن نسمع أو نقرأ كلمة "الديمقراطية" في كل مقال، وكل حديث، وكل ندوة، وكل مظاهرة، وكل توك شو، وكل نكتة، بل أكاد أقول: وكل حلم، ومهما بلغت الاختلافات بين المتحدثين، فإنهم يتفقون في النهاية، وربما منذ البداية، أن "الديمقرطية هي الحل"، وكل من يعارض، أو حتى يجرؤ أن يضيف "هذه" أو "المؤقت" (أي: "هذه" الديمقراطية هي الحل "المؤقت") يـُتهم بالهرطقة، وأنه خرج عن ما جاءت به الديمقراطية بالضرورة"، ليكن، إذن ماذا؟
برغم تسليمي المبدئي بضرورة اعتناق هذا الدين الجديد، أو التظاهر بذلك توقيا للتكفير واحتراما للواقع الحالي معا، دعونا نفحص المعروض في السوق مما يسمى "ديمقراطية" بغض النظر عن ما إذا كان مستوردا أم محليا، أصليا أم مضروبا.
نبدأ باستبعاد الكلام النظري الميعاد عن تعريف الديمقراطية وتصنيفها، وأيضا عن محاورات مالها وما عليها، لأنك سواء كنت معها أو ضدها فسوف ينتهي أي نقاش بأن "العيب ليس فيها وإنما في التطبيق"!!، تماما مثلما قيل عن الاشتراكية حتى الماركسية، وانتهى الأمر إلى طغيان النظم المالية الكانيبالية المعولمة،
دعونا ندخل من أبسط الأبواب، ونقول:
* "الديمقراطية هي حكم الشعب لنفسه"
(ما رأيكم نقف عند كلمة "الشعب"، وأيضا طلمة "نفسه")... وأيضا:
* الديمقراطية لها ثلاث أركان: حكم الشعب، المساواة!!، الحرية الفكرية...الخ
(بالله عليك: أليس "الغول" و"العنقاء" و"الخل الوفي" أقرب إلينا من هذه المستحيلات الثلاثة؟)
ثم ننتقل إلى التصنيف، وسوف تجد ما يسرك مما تعرف أو لا تعرف،: خذ عندك كأمثلة:
(1) الديمقراطية الأثينية المباشرة
(2) الديمقراطية النيابية
(3) الديمقراطية الاستشارية
(4) الديمقراطية التشاركية
(5) الديمقراطية الليبرالية
(6) الديمقراطية الاشتراكية...الخ
وعلى من يريد أن يبحث عن الفروق تفصيلا أن يستشير سيدنا "جوجل"، فالمهم عندي الآن هو التذكرة بمدى جهلنا بما نردد، ربما مثل ترديدنا أن "الإسلام هو الحل" ونحن نعلم عظمة الإسلام وتراميه، ونتغافل عن تمييز القرآن الكريم له عن الإيمان، فيستعمل الشعار كل من شاء لما شاء أيضا، ولا حول ولا قوة إلا بالله! غفر الله للجميع!!
دعنا الآن نعود إلى تعبير "حكم الشعب لنفسه"، ونحاول أن نتعرف على من هو الشعب (وأكاد أقول، ومن هو "نفسه") فقد كان مبارك ورجاله يعتبرون أنفسهم "الشعب"، وفي نفس الوقت أنهم "نفسه" وبالتالي فهم يوزعون "التورته" على بعضهم البعض كممثلين للشعب وحكامه في نفس الوقت، فحكمهم –هكذا- ديمقراطي نموذجي!! وهم بذلك يعفون بقية الناس، من أعباء الحكم، باعتبارهم ليسوا من الشعب وليتفرغوا للتسالي حتى يأذن الله –وميدان التحرير- في أمرهم.
ثم ها نحن أولاء ننتقل بفضل الله والشباب فالناس، وبرغم القراصنة والمتآمرين– إلى ديقراطية ميدان التحرير، فنسمع طول الوقت ما يريده الشعب بكل لغة وفي كل ميدان: "الشعب يريد: كذا كذا"، "الشعب يريد: كيت كيت"، وبرغم فرحتنا وتصديقناً لهذا التمثيل التلقائي "للشعب" الذي "يريد"، فمع مرور الوقت لم يعد ثم ضمان أن الذي يهتف هو الأولى باستعمال كلمة الشعب هكذا طول الوقت دون مراجعة أو فحص.
حاولت تصنيف أنواع الديمقراطيات البازغة مؤخرا، لأثبت لنفسي أنها صناعة محلية، لا مستوردة ولا مضروبة، فحضرتني تشكيلات لم أجد ما يجمعها إلا القدرة على تجميع أو استفتاء أو تحريك ما يبدو أنه أغلبية الناس، باعتبار أنهم متفقون على "رأي ما" أو "مطلب ما"، ولكن الأمر اختلط عليّ:
خذ عندك:
(1) ديمقراطية ميدان التحرير
(2) ديمقراطية المهندسين (مسجد مصطفى محمود)
(3) ديمقراطية استفتاء الدستور
(4) ديمقراطية قنا
(5) ديمقراطية امبابة
(6) ديمقراطية الانتخابات البرلمانية قبل الدستور
(7) ديمقراطية الانتخابات بعد الدستور
(8) ديمقراطية الصحف القومية
(9) ديمقراطية الصحف
(10) ديمقراطية التوك شو
(11) ديمقراطية الصحف الفضائحية...
(12) ديمقراطية الثأر والانتقام..
(13) ديمقراطية ماسبيرو
(14) ديمقراطية الدويقة.... إلخ إلخ
وحتى نفض الاشتباك قليلا، كان لزاما أن نبحث عن وسيلة تحدد لنا من أولى باستلام التوكيل الرسمي العام عن "الشعب الذي يريد"، وهنا حضرت صناديق الانتخاب، وبعد أن أدت الواجب بكفاءة مناسبة في الاستفتاء على الدستور، وجدنا أنفسنا أمام إشكالة لها دلالة أكبر ونحن نتساءل:
أي نظام للانتخابات يتمكن به صاحب التوكيل من توفير من يمثل الشعب أصدق؟
الآن آن الأوان للعودة إلى العنوان: خذ من "الديمقراطية ما شئت لما شئت"
منذ اليوم الأول لتولي اللواء عمر سليمان وظيفة نائب الرئيس كتبت له خطابا مفتوحا نشر في كل من "المصري اليوم" و"الوفد" معا بتاريخ 2/2/2011 وكان فيه مطلبان أساسيان الانتخاب بالرقم القومي، وبالقائمة، وحمدت الله أن أجيب المطلب الأول في الاستفتاء، ثم حدث التردد والتراجع إيزاء المطلب الثاني، ومن هنا ساورني شك متوسط، أن الاستجابة للمطلب الأول (وهو ليس مطلبي وحدي طبعا) كان هدف واضح، وتحقق والحمد لله، برغم أني من الذين قالوا "لا"، أما التردد أمام التوصية الثانية فالأرجح أنه يرجع إلى الحيرة في تحديد الهدف، هل هو التنشين على مجموعة معينة، حزبا أو جماعة، شبابا أو شيوخا..الخ، ومن هم؟
أغلب الظن أنه لا أحد من الذين بيدهم الأمر يريد عودة الحزب الوطني، مع أن فلوله جاهزة للانتخاب الفردي ولو بحكم العادة، لكن يبدو أن هناك حسابات جديدة، وربما ضغوطا جديدة، وأخشى ما أخشاه أن هذه الحسابات وهذه الضغوط هي التي سترجح الكفة في النهاية، والديمقراطية المطروحة، بفضفضتها، وخبثها تسمح لمن بيده الأمر أن يأخذ منها "ما شاء لما شاء" "أو لمن شاء".
إبراء لذمتي تقمصت الناخب بالنظام الفردي (وأنا أستطيع ذلك من حيث أني فلاح لئيم أعي متى أقول لزوج أمي يا عمي، بل إنني أستطيع أن أقولها أيضا للكلب إذا حكم، وأهم نفسي أنن سأظل أسدا ما دمت ألعن الزمن: "الله يلعنك يا زمان وأنت بقيت بالهم، والكلب لمّا حكم قال له الأسد يا عم"، ثم إني عدت أتقمص ناخب النظام بالقائمة، فوجدتني في وسط شباب 25 يناير، وحولي زحام من كتب الاقتصاد، ومعلومات السياحة، وإبداع محفوظ، ونظريات التطور، وآمال بلا حدود، واستعداد للهزيمة التي يمكن أن أصححها لاحقا بالقائمة أيضا..إلخ
وإليكم بعض ما كان، واستحضروا خيالكم معي لو سمحتم:
أولاً: دوافع وأهدافي– حالة كوني ناخبا فرديا:
(1) العلاقات الخاصة
(2) كاريزما المرشح
(3) المصالح الذاتية: من تأشيرة العمرة إلى تسهيل غش امتحانات الإعدادية
(4) التعصب الديني
(5) العصبية العائلية
(6) الانتماء للقبيلة
(7) الأصل الإثني
(8) الأخلاق النص نص
(9) أحلام البناء في الأرض الزراعية
(10) وضع اليد
(11) توقعات من هو الفائز (انتخب من أرجح فوزه من باب الحيطة)
(12) دخول الجنة
(13) رضا الوالدين
(14) جمال رباط العنق
(15) سمهرية القوام. (وما أشبه)
ولا مانع أن أتذكر بعد ذلك أي شيء عن "الاستقلال الاقتصادي" أو "السياسي" أو "الموقف من إسرائيل" إن كان أي من ذلك قد خطر على بالي بمناسبة الانتخابات، أتذكرهم ولم من باب التسالي!!
ثانياً: دوافعي وأهدافي ناخبا بالقائمة (وأنا أنظر في الأسماء والبرامج وأقارن):
(1) سمعة الحزب أو المجموعة صاحبة القائمة
(2) التاريخ الشخصي والسياسي لأغلب أفراد القائمة
(3) ترتيب الأسماء في القائمة
(4) دخول الجنة الحقيقية
(5) برامج الإنقاذ الاقتصادي واستقلاله
(6) أسس وآليات تصحيح التعليم
(7) قوة الجيش واحترامه ودوره
(8) قبول تحدي العدو القريب والبعيد
(9) آليات إرساء العدل
(10) احترام الصغير قبل ومع الكبير
(11) تنمية الإبداع (وليس فقط المواهب)
(12) تعزيز الكرامة البشرية والكرامة الوطنية
(13) ماء النيل
(14) الإسهام في زرع السودان مع مصر
(15) ترويج السياحة
(16) محاسبتي لنفسي أمام الله " بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ"
(17) ترجيح ما ينفع الناس فيمكث في الأرض
(18) مقاومة النظام العالمي الجديد
(20) الحفاظ على النوع البشري من الانقراض (فوّت - هذه)
(هذا ولم أمنع نفسي من توقع تسهيلات شخصية، وآمال في مكاسب، اشمعنى بتوع الفردي؟؟؟)
(ملحوظة: النظام بالقائمة له كل عيوب الديمقراطية بالإنابة، لكن قضا أخف من قضا إلى أن نلتقي)
27-6-2011
اقرأ أيضا:
أنواع العقول والديمقراطية المضروبة! / تشكيل وعى الشباب: والحيرة الخلاقة (2 من 2) / حرية