في رواية النبطي لدكتور يوسف زيدان كثيرا ما رددت مارية كلمتي آخر العالم... فالمدينة المجاورة لمدينتها هي بالنسبة لها آخر العالم... هي آخر ما يتراءى لخيالها وآخر ما قد تصل إليه أقدامها... وتدور الأحداث وتتخطى مارية آخر العالم لتسافر إلى أرض بعيدة ومع مشاق الطريق الذي لا يريد أن ينتهي أدركت أن العالم واسع لا آخر له...
أترانا نقيد أحلامنا أحيانا بآخر العالم الذي حدوده في إرادتنا فكلما امتدت إرادتنا امتدت معها حدود آخر عالمنا فنأخذ من أحلامنا ألوان نهاية العالم... ونشكل بأيام عمرنا أشكال آخر ذلك العالم... ونرسم بقلوبنا ضياءا أو ظلاما ينير أو يظلم ذلك العالم.
أترى آخر عالم إحساسنا بغيرنا يمتد إلى حيث يستقر فيه الرفق والرحمة.... إلى أي مدى يمتد هذا العالم.
إلى أي مدى يمتد آخر عالم إدراكنا إلى أي مدى يستطيع أن يمتد ليحتوي البصيرة... فهل آخر عالم إدراكنا يحتوي فقط البصر أم يمتد ليحتوي بصيرة.
إلى أي مدى يمتد آخر عالم شعورنا بالجمال، هل تترامى أطرافه ليشمل رقة طائر يشدو بقلب من النقاء يرتوي.
إلى أي مدى حقيقة يمتد آخر العالم... إلى أي مدى نختار أن يكون حدود آخر العالم.
هناك من يختار أن يمتد عالمه ليحتوي رضا لا تطوله عوالمنا... هناك من يبهرنا بصبره فنتعجب كيف امتد عالمه ليشمل سكينة الرضا... فهناك محمد شخص غاية في البساطة... في عالمه كثير من الصعاب لكنه اختار أن يتسع عالمه لصبر لا يصل له كثيرون... هو عامل كان لديه ثلاثة أطفال... اختبره الله بطفل منهم لديه مرض يحتاج كثيرا من المال وكثيرا كثيرا من رباطة الجأش... ظل صابرا حتى توفى ولده... ولأن عالمه يمتد إلى الرضا بقضاء الله فحمد الله واحتسب ابنه... وتمر الأيام ويواجه اختبارا آخر فهو مهدد بفقد بصره تدريجياً.... تتعجب حين تسمعه يقول لقد أكرمني الله إن ربي يحبني... فتقف مذهولا من صدق ونقاء وصبر لا يمتد إليه عالمنا.
أتساءل أيضا أحيانا عن الأبعاد التي نختار أن نحكم بها عالمنا فمثلا حين يعطينا شخص كثيرا كثيرا من العطاء كثيرا من الحب... كثيرا من الدفء... ثم يؤلمنا ويجرحنا ويعود ويندم... ترى هل نختار ساعتها أن نحكم بأبعاد الزمن فآخر ما فعله لنا ألم وجرح... أم نختار أن نحكم بأبعاد الحب الذي لم يبخل علينا به وغمرنا به أياما كثيرة. أي أبعاد نختارها لعالمنا أبعاد الزمن أم أبعاد أخرى تقودنا لأن نسامح.
ترى كيف هو عالم كل منا وكيف نريد أن يكون عالمنا...
واقرأ أيضاً:
كنيسة القديسين أنا وصديقتي / عم سمير